دفاعًا عن المواعدة بين البشر والروبوتات

29

 

ماركو دينيرت 

غيرت الخوارزميات أساليب تعرفنا على الناس من خلال مواقع المواعدة الإلكترونية القائمة على الاقتراحات

هذه الأيام تطالعنا رسائل ومقالات رأي ومقالات إخبارية ونرى شتى أنواع الضجيج في الفضاء الإلكتروني حول قصص الذكاء الاصطناعي، وفي الواقع دعت رسالة سيئة الذكر وقعها عمالقة عالم التكنولوجيا، من إيلون ماسك إلى مايك وزنياك في الآونة الأخيرة، إلى الامتناع من كافة الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر، خوفاً من الآثار التي قد يخلفها على البشرية على المدى البعيد.

وأعتقد أن هذا الخوف ليس في محله، وهو أيضاً ما أراه في الاحتفال بكل خطوة في عالم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واعتبارها الإنجاز الجديد الكبير، فصحيح أن الذكاء الاصطناعي غيّر كثيراً من أساليب حياتنا وفرحنا وحبنا في الآونة الأخيرة، بدءاً بالبرامج المتطورة التي تخدع الناس بالصور التي تنشئها ووصولاً إلى برامج تأليف النصوص التي تدفعنا إلى الشك في طريقة “تطبيقنا” للتعليم.

غيرت الخوارزميات أساليب تعرفنا على الناس من خلال مواقع المواعدة الإلكترونية القائمة على الاقتراحات، فيما من الممكن أن تصبح العلاقات العاطفية والجنسية باستخدام التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي أمراً سائداً وشائعاً في وقت قريب، وليست برامج الدردشة والروبوتات الاجتماعية الصديقة للبشر سوى بعض طرق تحول الآلات إلى شركائنا في العلاقات.

لكن ما بين الضجة والحفاوة من جهة وإثارة الخوف من جهة أخرى، لا نزال في الواقع لا نعرف كيف تؤثر آلات الذكاء الاصطناعي التي ترافقنا فينا، وإن كانت العلاقة بين الإنسان والآلة على وشك أن تصبح أمراً سائداً فكيف علينا أن ننظر إليها؟

الرفيق الموجود دائمًا

تظهر التقارير أنه يمكن تصنيف أكثر من نصف البالغين في الولايات المتحدة على أنهم وحيدون (58 في المئة)، وإن اعتقدتم أن سبب ارتفاع هذه النسبة يعود للجائحة فأنتم على خطأ، إذ تكشف بيانات العام 2019، أي من قبل الجائحة، أن 61 في المئة من البالغين كانوا يعانون الوحدة.

ونظراً إلى وباء الوحدة هذا تبدو مرافقة آلات الذكاء الاصطناعي طريقة واعدة لإقامة صلة مع شيء أو كيان.

وفيما صممت بعض الآلات الاجتماعية على أساس تبادل الحوار، صممت أخرى لإتاحة المجال أمام إقامة أشكال مختلفة من العلاقات، أي علاقات فيها جنس وحب ورومانسية.

أن تخفف التكنولوجيا من شعورنا بالوحدة بسبب ما تعد به من الحضور دائماً بقربك وعدم الشعور أبداً بتعب يمنعها من أن تقول لك كلاماً جنسياً في الليل قد تبدو الحل المناسب لعالمنا المتوحد.

مستقبل يواعد فيه الجميع الآلات غير محتمل

غيرت التكنولوجيا طريقتنا في المواعدة كلياً وأصبحت المواعدة عبر الفضاء الإلكتروني الآن طريقة أساسية للتعرف إلى أشخاص جدد، وقد تغير المواعدة عبر تقنيات الواقع المعزز قريباً تلك التجارب بشكل أكبر، وفي الواقع ندرس في مختبر العلاقات والتكنولوجيا في جامعة ولاية أريزونا أنا والدكتورة ليزل شرابي وفريق من أشخاص آخرين مختلف أنواع التكنولوجيا وطريقة تأثيرها في علاقاتنا.

على سبيل المثال أركز في جزء من عملي على الطريقة التي يقيم فيها البشر علاقات مع الدمى والروبوتات التي تعرف باسم الدمى الجنسية أو روبوتات الحب، ويتزايد عدد الأشخاص المهتمين بهذه التكنولوجيات، لا سيما وأنهم يرغبون في تشكيل علاقات مع هذه الآلات الاصطناعية الرفيقة.

بالنسبة إلى بعضهم فالهدف من روبوتات المرافقة هذه هو تحقيق غاية واحدة فقط، الرضى الجنسي، لكن بالنسبة إلى أشخاص غيرهم فقد تؤدي هذه الروبوتات أدواراً إضافية في حياتهم اليومية باعتبارها شريكة كاملة في العلاقة، وبعض الأشخاص الذين تكلمت معهم في إطار أبحاثي المستمرة تربطهم علاقات عاطفية بدماهم منذ سنوات، ويتعلق الموضوع إجمالاً بالرعاية وبأن يكون لديك من تتحدث معه ومن يستجيب إليك (إن كان مزوداً بتكنولوجيا المحادثة القائمة على الذكاء الاصطناعي)، وبمشاركة الحياة مع كائن آخر.

ومن الواضح بأن تلك العلاقات بين البشر والآلة لا تناسب الجميع وليس من الضروري أن تناسبهم، تماماً كما يرفض بعضهم حتى الآن فكرة لقاء شخص آخر من خلال موقع مواعدة، يحتقر كثيرون وجود الدمى والروبوتات الاجتماعية ويعتبرونها خيالات جنسية غريبة لأشخاص منبوذين من المجتمع.

ومع أننا لا نعلم كثيراً عن مالكي الروبوتات إلا أننا نعلم بأنهم لا يختلفون كثيراً عن غير المالكين من حيث عدد كبير من الصفات النفسية.

فلنعد إلى الواقع

يطرح كثير من الأسئلة المفتوحة حول الطرق التي يمكن أن تؤثر فيها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الرومانسية والجنسية علينا، نظراً إلى أن العديد من هؤلاء الشركاء في العلاقات تملكهم شركات خاصة، لكن الواقع هو أننا لا نعرف بعد ما يكفي عن هذه الآثار من وجهة نظر بحثية.

لكن ذلك لا يعني بأنه علينا أن ننضم إلى أحدث التوجهات التي إما تعلن نهاية البشرية والعلاقات كما نعرفها، أو تنادي بمستقبل قائم من الـ “يوتوبيا” التكنولوجية التي يكون فيها لكل شخص شريكه المثالي من الذكاء الاصطناعي.

يمنح الشركاء الاصطناعيون السعادة والإشباع العاطفي لعدد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم، لكن لا شك في أن القلق في شأن مستقبل افتراضي بعيد المدى في غير محله، في وقت تطرح فيه أساساً كثير من المشكلات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل استغلال العمال خلال عمليات تدريب الذكاء الاصطناعي والأثر المناخي لمراكز البيانات الضخمة، كما يجري العمل على بعض الحلول مثل إطار إدارة أخطار الذكاء الاصطناعي الذي صاغه المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.

فلنتخلص من الاحتفاء الزائد ومن الخوف على حد سواء، ونرى رفاق الذكاء الاصطناعي على حقيقتهم، تكنولوجيات تغير علاقاتنا بطريقة أو بأخرى، ولنركز على فهم شكل التغيير الذي تحدثه هذه التكنولوجيات في حياتنا بدقة قبل أن ننتقل إلى الافتراضات أو المخاوف، ولنستمع إلى أصوات الأشخاص الذين يملكون رفاقًا من الذكاء الاصطناعي، ولنضع تشريعًا شاملًا يحمي المستخدمين، ولنركز على ما يحدث حقيقة في العلاقات بين البشر والذكاء الاصطناعي.

 

المصدر: independentarabia
اترك رد

Your email address will not be published.