هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الشاعرية الغنائية؟

64

 AI بالعربي – متابعات

كتب الذكاء الاصطناعي كلمات بأسلوب العديد من الموسيقيين، بما في ذلك نيك كيف وآمي واينهاوس (غيتي/اندبندنت)

نال الغضب من المغني والشاعر الأسترالي نيك كيف في بداية عام 2023، غضب من تحويل الذكاء الاصطناعي مسيرته المهنية إلى أضحوكة. لطالما ارتبطت كتابة الأغاني بالقدرة المتأصلة على أن تكون مفعماً بالعاطفة، لكن الآن سيعود بحث لمرة واحدة بواسطة محرك “غوغل” بعدد لا نهائي من نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على جعل كتابة الشعر الغنائي عالمية: نموذج أوديور لصياغة كلمات الأغاني والشعر، ونموذج جارفيس لمساعدة الكتاب في الخروج من حال انعدام الإلهام، و”تشات جي بي تي” لأي شيء وكل شيء وأكثر. بصراحة، فإن المغني البالغ من العمر 65 سنة عانى ما يكفي من محاولات تقليده.

كتب في منشور على مدونة رداً على معجب أرسل له كلمات أغنية “تحاكي أسلوب نيك كيف” منشأة بواسطة “تشات جي بي تي”: “مع كل الحب والاحترام في العالم، الأغنية عبارة عن هراء واستهزاء قميء بماهية أن تكون إنساناً… تنشأ الأغاني من رحم المعاناة… وعلى حد علمي، لا تمتلك الخوارزميات مشاعر ولا تعرف البيانات المعاناة. لا يملك ’تشات جي بي تي‘ كياناً داخلياً، لم يزر أي مكان، ولم يتحمل عناء أي شيء”.

لم يكن كيف الفنان الوحيد الذي يقع ضحية لمحاكاة الذكاء الاصطناعي، حيث كانت إيمي واينهاوس، وفرقة نيرفانا، وجيمي هندريكس، من بين الفنانين الذين قلدت أصواتهم باستخدام التكنولوجيا. استخدم مشروع الأشرطة الضائعة لنادي الـ27 – وهو مشروع يسعى إلى تسليط الضوء على أزمة الصحة العقلية في مجال الموسيقى – الذكاء الاصطناعي لإنتاج “أغان جديدة” على غرار أعمال واينهاوس وهيندريكس وكورت كوبين، الذين رحلوا جميعاً في سن الـ27. تمت تغذية ألبوماتهم الخاصة السابقة عبر شبكات عصبية اصطناعية مصممة لدراسة وإعادة إنتاج اللازمات الموسيقية والإيقاعات والألحان والكلمات التي جعلت موسيقاهم مميزة. وهذه العملية بسيطة بشكل مخيف.

اطلب من ChatGPT: “اكتب لي أغنية بأسلوب بيونسيه”، وسيقوم البرنامج بذلك بشكل أسرع من الوقت الذي يستغرقه الاستماع لأغنية “كن مسؤولاً” CUFF IT. يبدو البرنامج محاكياً فعالاً ومقنعاً (إلى حد ما)، حتى ولو كان سخيفاً. سيقدم لك كلمات مثل “أمشي داخل الغرفة، والأضواء تشع علي. الجميع يراقب، أنا كوين بي، شعري مسرح لأعلى، وفستاني ضيق. أرتدي حذائي ذا الكعب العالي وأنا مستعدة للقتال”.

لكن، في حين قد يبدو الذكاء الاصطناعي هو مستقبل الكتابة الموسيقية، فإن النماذج اللغوية مثل “تشات جي بي تي” تحمل تناقضاً صارخاً – لأن التقنية الحديثة يمكنها التعامل مع الماضي فحسب. لا يوجد إبداع بشري يقول البروفيسور نيك بريان كينز المختص في موسيقى تعليم الآلة: “ينسخ الذكاء الاصطناعي ما أنجزه البشر وحسب، فهو لا يقوم فعلياً بإنشاء المعنى بنفسه… إنه لا يقول ’تفضل، هذه أغنية حول تجربة كوني نموذج ذكاء اصطناعي عالقاً في مركز للبيانات في مكان ما في كاليفورنيا – هكذا يبدو الوضع هناك’… لا يوجد ابتكار، وبإمكاني تأليف أغنية لـ نيك كيف بأسلوب أغاني فرقة أبا [بواسطة “تشات جي بي تي”]، لكن هذا أنا، الكائن البشري، من توصل إلى هذه الفكرة. يتطلع الذكاء الاصطناعي إلى الماضي دائماً، ويولد أشياء مما قام به البشر سابقاً”.

يضيف مكرراً فكرة نيك كيف: “ليس الأمر كأن الذكاء الاصطناعي خرج إلى العالم، وأغرم، وكسر قلبه، ورأى شروق الشمس، وشرب حتى الثمالة – إنه لا يقوم بتلك الأشياء. لذلك فهو غير قادر على نقل المحتوى العاطفي نفسه”.

ظهر ملحن الأغاني الإلكترونية الإيراني آش كوشا عام 2018، ليناقض سردية افتقار الذكاء الاصطناعي للعواطف، عندما أطلق نموذج ذكاء اصطناعي للغناء وكتابة الكلمات يدعى يونا، التي صدمت كلماتها (“من يحبك يغني أغنيات وحيدة بنغمات حزينة”) المستمعين بحساسيتها وعاطفيتها. وكتبت أيضاً: “من يحب ابتسامتك يشعر بقدوم العاصفة عبر عينيك”.

لكن حتى مشاعر يونا، التي أنتجت بواسطة نموذج لغوي يشبه “نسخة مبكرة جداً من ’تشات جي بي تي‘”، كانت مستقاة من الإنسانية. يخبرني كوشا: “دربنا يونا على كتابات المؤلفين، الشعر والكتابات المتوفرة على منصة ريديت – أسلوب حياة المراهقة… كان كل هذا لإنشاء صياغة بلغة من شأنها أن تلقى صدى لدى الناس”.

والذكاء الاصطناعي يلقى استحسان الناس، سواء أكان نجم أغاني بوب متخيلاً بائساً بدرجة آسرة، أم أداة إبداعية. تتنافس البلدان في كل عام في مسابقة أغنية الذكاء الاصطناعي السنوية (حل فريق المملكة المتحدة “الروبوتات الصغيرة” في المركز السادس عام 2022). ادعت المغنية الكندية غرايمز بجرأة خلال مدونة مايندسكيب الصوتية للمفكر الأميركي شون كارول في عام 2020: “أشعر وكأننا في نهاية عصر الفن الإنساني… بمجرد ما إن يوجد ذكاء اصطناعي عام فعلياً [النقطة التي يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في معظم المهمات]، ستكون تلك النماذج أفضل منا بكثير في صناعة الفن”.

سبب نجاح الآلات في الفضاءات الفنية الألم، فإذا امتلكت النماذج اللغوية المعرفة الموجودة على الإنترنت والقدرة على نقل الأحاسيس، ماذا سيحل بالإبداع البشري؟

يقول المغني وكاتب الكلمات كونال كيلي الذي ظهر في برنامج “فناني المستقبل مع جاك سوندرز” على قناة راديو 1: “كتابة الآلة أغنية فكرة مخيفة… أنا قلق من أن ينحدر الذكاء الاصطناعي بذائقة الناس الموسيقية إلى حد يصبح معه من المستحيل التفريق بين ما تكتبه الآلة وما يكتبه البشر، أو أن يفضل الجمهور الأغاني المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي. هذه نقطة خطرة بالنسبة إلى العالم، وإلى الفنان بطبيعة الحال”.

يعرب كيلي عن قلقه من أنه سيكون هناك افتقار كامل للحافز والحماس ليصبح المرء شاعراً غنائياً، ويقول: “ستكون المعايير عالية جداً في مواجهة جهد قليل كهذا بحيث قد يحتاج المرء إلى سنوات من الممارسة والتجربة ليكون قادراً على منافسة التكنولوجيا بالسوية ذاتها… أتخيل أن هذه الفكرة ستكون مرهقة للغاية بالنسبة إلى كثير من كتاب الأغاني الشباب كي يصمدوا في وجهها”.

لطالما أثارت التكنولوجيا الهلع، إذ تكهن الناس مع بداية ظهور الهاتف ما إذا كان الجهاز قادراً على التواصل مع الموتى. وعند ظهور الكمبيوتر الشخصي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، شهدنا أيضاً “رهاب الكمبيوتر” – الخوف من لمس الكمبيوتر أو التعامل معه أو أن يتم استبدال البشر بالآلة. والقلق السائد اليوم، في عام 2023، الذي يخيف الجميع من محللي البيانات إلى المساعدين القانونيين، هو فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيستحوذ على وظائفهم – بمن فيهم كتاب الأغاني الناجحة.

يتنبأ بريان كينز بأن السيناريو الأسوأ هو “أنه لا توجد فرصة للمنافسة أمام الموسيقيين البشريين، لأن السوق مسيطر عليها بالكامل من موسيقى الذكاء الاصطناعي الذي يستجيب لـ [الاتجاهات السائدة] على ’تويتر‘. نوع من النظرة التشاؤمية حيث ينتج الذكاء الاصطناعي موسيقى مخصصة وبحسب الطلب، من دون الاعتماد على أي موسيقيين بشر”.

يقول كوشا: “إذا كنت كاتب أغنيات وظيفته في الأستديو مجرد الترقيع وصياغة أغنية تبدو وكأنها تجميع من كل أغنيات البوب السابقة، فقد انتهى أمرك، وباتت أيامك معدودة”. مع ذلك، وعلى رغم مخاوفهم، يعتقد كل من كيلي وبريان كينز وكوشا أن السيناريو المستقبلي الأمثل هو أن يعزز الذكاء الاصطناعي العملية الإبداعية الإنسانية ويثريها ويدفعنا كي نكون أفضل. يرى بريان كينز أنه “ربما علينا أن نسميه أداة دعم إبداعية… عندما يجد المؤلف صعوبة في كتابة شطر ما، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم له بعض الاستعارات المختلفة. نوع من خلق إنسان متفوق”.

استعانت فرقة البوب بلوسومز من مدينة ستوكبورت بالذكاء الاصطناعي عند كتابة أغنيتها الناجحة “حبيبتك” Your Girlfriend. يوضح المغني الرئيس في الفرقة توم أوغدن عبر منصة “تيك توك”: “شغلت التلفزيون وكان أحدهم يقول إنه أغرم بحبيبة صديقه”. بحث بعد ذلك على “غوغل” عن جملة “أغرمت بحبيبة صديقي”، وقرأ تدوينة لأحدهم عن الموضوع ذاته، واستعار بعض السطور وحولها إلى شعر غنائي (كما تفعل يونا تماماً)، قبل أن يطلب من نموذج ذكاء اصطناعي لإنشاء عناوين الأغاني أن يبتكر عنواناً للأغنية. قال أوغدن: “كان أغلب العناوين فظيعاً لكن أحدها كان ’صوت حبيبتك يطن في أذني‘… اعتقدت أنه كان طويلاً جداً لذا غيرته إلى ’حبيبتك‘”. على كل حال، بقيت عبارة “صوت حبيبتك يطن في أذني مرة أخرى” أحد اللازمات الرئيسة للأغنية. على رغم الاعتماد على التلفزيون و”غوغل” والتدوينات والذكاء الاصطناعي للحصول على الإلهام، تبقى الأغنية إبداعاً بشرياً.

مع ذلك، ونظراً إلى أن الخط الفاصل بين الاستعارة (كما فعلت فرقة بلوسومز)، والتقليد (كما فعل معجب نيك كيف باستخدام “تشات جي بي تي”) أصبح مبهماً بشكل متزايد، تواجه صناعة الموسيقى مشكلة جديدة: تبييض الموسيقى (على طريقة غسل الأموال).

يقول بريان كينز: “يجول الذكاء الاصطناعي عبر شبكة الإنترنت وينبش في كل كلمات الأغاني، لكنه لا يحصل على أي تقدير … إذا أنشأ الذكاء الاصطناعي أغنية، وذاع صيتها، ووصلت إلى المرتبة الأولى، من سيجني المال منها؟ بالتأكيد ليس الأشخاص الموجودون في مجموعة البيانات الضخمة لملايين الأغاني. لن يقول الذكاء الاصطناعي ’هذه 10 في المئة لفلان، و20 في المئة لذاك و15 لذاك‘. من الأفضل أن أعطيهم بعض المال”.

قدمت الحكومة الصيف الماضي مقترحات لتعديل قوانين حقوق النشر، بحيث تسمح لمنشئي الذكاء الاصطناعي باستغلال الألبومات الموسيقية القديمة من دون الحصول على إذن أو دفع تعويض. لن يحصل الفنانون على فلس واحد في مقابل عملهم، أو لن تكون هناك أية إشارة لحقوقهم الإبداعية في الأغاني التي أنشئت بفضل تأثيرهم.

أعلن وزير الملكية الفكرية السابق، جورج فريمان، في فبراير (شباط) الماضي، إسقاط هذه المقترحات. لكن صناعة الموسيقى في المملكة المتحدة لا تزال تخشى من إمكانية عودتها إلى الواجهة، مع انضمام عديد من المنظمات إلى “حملة الفن البشري العالمية” في وقت سابق من هذا الشهر. في نهاية المطاف، تقدمت التكنولوجيا مرات لا تحصى، ولم تحل محل الإبداع البشري، لكن الفنانين بحاجة إلى الحماية من الاستغلال.

يقول بريان كينز: “شعر الناس بالقلق من الغرامافون قبل 100 عام … اعتقدوا أن الفيديو وقناة إم تي في سيقتلان الموسيقى. لم يحدث ذلك. لقد غير الناس طريقة صنع الموسيقى ومتابعتها وحسب”. استخدم ديفيد بووي موزعاً رقمياً عشوائياً لكلمات الأغاني في تسعينيات القرن الماضي. في عام 1843، قالت آدا لوفليس، إحدى أوائل مبرمجي الكمبيوتر، إن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تصنع الموسيقى.

لكن الإبداع البشري تكيف وانتصر دائماً. عندما أصدرت أغنية “سيارة أبي” Daddy’s Car عام 2016، وهي أغنية مكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي وتهدف إلى تقليد فرقة بيتلز، لم تتفوق أو تنزع الشرعية عن جون لينون وبول ماكارتني وجورج هاريسون ورينغو ستار. يقول كوشا: “حاولت شركات التسجيلات دفع الأغاني التي تملك تركيبة وشكلاً متكررين، لكن لا توجد صيغة للنجاح. لا يوجد نهج تقوده البيانات”.

يختم كوشا: “في الموسيقى، الإنسان هو المنتج… من بيلي آيليش إلى نيك كيف… قصة حياتهم هي محور اهتمامنا. حتى لو أصبحنا في عام 2200، سنظل نبحث عن ذلك الشخص الذي يملك قصة ليرويها. لن أراهن على قدرة شركات الإنتاج [الموسيقي] على استخدام الذكاء الاصطناعي في العثور على النسخة المقبلة من المغني الكندي ذا ويك إند. أؤمن بالبشر أكثر مما يرضي عديدا من شركات التسويق أو التكنولوجيا”.

المصدر: independentarabia
اترك رد

Your email address will not be published.