الذكاء الاصطناعي و”الميتافيرس” سباقات عالمية نحو المستقبل
AI بالعربي – متابعات
عملت دولة الإمارات مبكرا بدأب شديد للوصول إلى مصاف أكثر الدول تقدما في العالم وفي جميع المجالات، وعلى الرغم من الجرأة وروح المجازفة التي اتسمت بها خطواتها في سبيل تحقيق ذلك إلا أن التخطيط الاستراتيجي ووفق أسس ودراسات علمية معمقة هو ما ميز هذه الخطوات، والذي أسهم بشكل حاسم في تصدرها المشهد العالمي بين الدول المتقدمة، وعندما اتجهت دول العالم الأكثر تقدما نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي وتقنيات الميتافيرس في تسيير وإدارة شؤونها كانت الإمارات من أولى الدول التي أدخلت هذه التقنيات وأصبحت جزءاً أساسياً في الحياة اليومية للدولة ومؤسساتها المختلفة.
ومن هنا فإن تخصيص أحد محاور القمة العالمية للحكومات التي تحتضنها دبي يأتي منسجما مع ما وصلت إليه الدولة من تطور، وضرورياً لتحقيق غايتها في استثمار الذكاء الاصطناعي وتوظيفه لخدمة البشرية تحقيقاً للتنمية الشاملة والمستدامة، علاوة على التفاعل مع خبرات دول العالم الأخرى، ولتقدم الإمارات خبراتها في هذا المجال للعالم، هذه الخبرات التي أحاطتها جهود جبارة التي بذلت في سياق رحلة التطور في كل المجالات ومن ضمنها تقديم الخدمات الحكومية بأفضل السبل الممكنة التي تعزز رفاهية المواطن وسعادته.
رؤية استباقية
أدركت الإمارات أن مواكبة التطورات العالمية هو قدرها، ليس هذا فحسب بل وانتزاع مكانة مؤثرة في هذا المشهد العالمي، وتحقق لها ذلك بفضل الرؤية الاستباقية لقيادتها الرشيدة وحكوماتها المتميزة، وشكلت توجيهات ومقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الأساس الموضوع لهذا التطور، حيث قال سموه في هذا المجال: «بدأنا رحلة التحول الحكومي قبل 18 سنة بخدمات إلكترونية.. واليوم ننطلق لمرحلة جديدة تعتمد فيه قطاعاتنا وبنيتنا المستقبلية على الذكاء الاصطناعي».
وأضاف سموه بمناسبة إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي: «أطلقنا استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي.. أحد مشاريعنا للمئوية 2071.. نريد للذكاء الاصطناعي أن يكون حاضراً في أعمالنا وحياتنا وخدماتنا الحكومية».
وأوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «دولة الإمارات تعتبر من الدول الأكثر استعداداً للمتغيرات التكنولوجية وتسعى لتوفير بنية تحتية مستقبلية لتحسين أسلوب الحياة ولسعادة الناس»، مضيفاً سموه: «الإمارات اليوم أكثر استعداداً للمستقبل.. وأكثر تفاؤلاً بأجيالنا القادمة.. وبحياة أكثر ذكاء وسهولة».
رفاهية المواطن وسعادته هي محور تفكير حكومة الإمارات وقيادتها الرشيدة، وهي تشكل نطاق البحث الدائم لها، وفي هذا السياق أدركت أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيراتها الإيجابية في تطوير أساليب تقديم الخدمات الحكومية، وانطلقت رحلة الحكومة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي من البرامج والمبادرات عبر الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات القطاعين العام والخاص.
استراتيجية إماراتية
وكان إطلاق الاستراتيجية الإماراتية للذكاء الاصطناعي بمثابة الإعلان الرسمي لتركيز كل الجهود للدخول إلى عالم أكثر تطوراً، حيث تضم الاستراتيجية ملامح وأهدافاً لجعل دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2031، والسعي لتطوير منظومة متكاملة توظف الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية للدولة، وذلك عبر تحقيق 8 أهداف استراتيجية ومبادرات وتوجهات تهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي ليسهم في تطوير مجالات حيوية مثل التعليم والاقتصاد وتطوير الحكومة وسعادة المجتمع، بإشراف مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية بالتعاون مع الشركاء والجهات المحلية والاتحادية في دولة الإمارات.
وتتمثل الأهداف الاستراتيجية الثمانية في ترسيخ مكانة الدولة كوجهة للذكاء الاصطناعي وزيادة تنافسيتها في القطاعات ذات الأولوية عبر تطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير منظومة خصبة للذكاء الاصطناعي، واعتماده في مجال خدمات المتعاملين وتحسين مستوى المعيشة وأداء الحكومة، كما تضم الأهداف استقطاب وتدريب المواهب على الوظائف المستقبلية التي سيمكنها الذكاء الاصطناعي واستقطاب القدرات البحثية الرائدة عالمياً للعمل في القطاعات المستهدفة، وتوفير البيانات والبنية التحتية الأساسية الداعمة لتصبح بمثابة منصة اختبار للذكاء الاصطناعي، إلى جانب ضمان الحوكمة الفعالة والتنظيم الأمثل.
وترتكز الاستراتيجية ضمن توجهاتها على الاستفادة في المرحلة المقبلة من الأصول المادية والرقمية في إطار اعتماد واختبار الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عدد من القطاعات ذات الأولوية في المرحلة الحالية والمتمثلة في الموارد والطاقة، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة والضيافة، والرعاية الصحية، والأمن الإلكتروني، والتي يتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق مكاسب وتغييرات جذرية بها.
كما تضم الاستراتيجية خطة لبناء علامة تجارية راسخة لدولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال أنشطة الذكاء الاصطناعي، والتي ستؤدي لجعل دولة الإمارات منصة اختبار لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتقديم خدمات معززة بتكنولوجيا متطورة، إلى جانب برامج للتدريب والتأهيل وتبني المواهب والأبحاث وتطوير البيانات والحوكمة.
برنامج وطني
يمثل البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي حزمة متكاملة من الموارد المخصصة لتسليط الضوء على أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، مع التركيز بوجه خاص على الهدف الطموح للدولة في أن تصبح شريكاً رائداً في الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة على مستوى العالم.
ويلقي البرنامج الضوء على مختلف المبادرات والشراكات وأحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وأثر ذلك كلّه على مستقبل البشرية. ويهدف برنامج الإمارات للتدريب على الذكاء الاصطناعي إلى سد الفجوة في المهارات المطلوبة في قطاع التكنولوجيا ودعم الشباب وتحسين فرصهم لتمكينهم من التغلب على التحديات في قطاع تكنولوجيا المعلومات سريع التغير.
ويستمر برنامج الإمارات للتدريب على الذكاء الاصطناعي ثلاث سنوات بمشاركة 120 طالباً إماراتياً كل عام، وسيتم اختيار 10 طلاب لتلقي تدريب مكثف لمدة 5 أيام للحصول على دبلوم هندسة البيانات والحوسبة السحابية من شركة ديل، وسوف يكتسب الطلاب خبرة عملية في أقسام الشركة المختلفة وستتم دعوتهم لحضور الفعاليات الكبرى مثل أسبوع جيتكس للتقنية.
مخيم الإمارات للذكاء الاصطناعي
وأطلقت دولة الإمارات مخيم الإمارات للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع عدد من كبرى شركات التكنولوجيا والتعليم بالقطاع الخاص على المستوى الوطني والدولي، ويمثل إطلاق المخيم إحدى مبادرات مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تحديد مسار دولة الإمارات في هذا المجال، ودعم جهود نقل المعرفة وبناء جيل قادر على تبني التقنيات الحديثة في تطوير الحلول ومعالجة مختلف التحديات المستقبلية.
ويهدف البرنامج الوطني للمبرمجين الذي أطلقته الإمارات إلى تنمية الاقتصاد الرقمي في الدولة وتطوير المواهب والخبرات والمشاريع المبتكرة المتخصصة في مجال البرمجة، وتسريع تبنّي تطبيقاتها وأدواتها في مختلف القطاعات الاقتصادية والمستقبلية.
«الإمارات تبرمج»
فيما يسعى يوم «الإمارات تبرمج»، الذي يجري تنظيمه في 29 أكتوبر من كل عام، إلى تسليط الضوء على المبرمجين في دولة الإمارات، واستعراض دورهم الفعال في المجتمع وفي شتى المجالات، والذي يسهم في تعزيز موقع الدولة كجهة جاذبة للمبرمجين وتمكين المواهب.
وفي إطار سعي الإمارات لاستقطاب الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والمبرمجين من جميع أنحاء العالم، والإسهام في تنفيذ محاور وأهداف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، أطلقت رخصة الذكاء الاصطناعي والبرمجة بهدف تعزيز الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي.
ميتافيرس
الإمارات في المستقبل
إدراكاً من أهمية الإمارات لعالم الميتافيرس وتأثيراته الإيجابية على مناحي الحياة كافة وامتلاكه معطيات إحداث الفارق في قدرة الدولة ومكوناتها الاقتصادية على تحقيق إنجازات كبيرة، فقد اتجهت مبكراً نحو اعتماده عنصراً أساسياً في استراتيجيتها التي تستهدف تعزيز مكانتها العالمية التي حظيت بها استناداً إلى سعيها الدؤوب لاعتماد أفضل الوسائل في إدارة شؤون الدولة، وباتت الإمارات من الدول الرائدة في ميدان الاعتماد على الميتافيرس والذكاء الاصطناعي في تسيير شؤونها كافة.
وتهدف استراتيجية دبي للميتافيرس إلى ترسيخ مكانة دبي ضمن أفضل 10 مدن في الاقتصادات الرائدة في مجال «الميتافيرس»، وجعلها مركزاً رئيسياً لمجتمع «الميتافيرس» العالمي ومضاعفة عدد شركات البلوك تشين 5 أضعاف قياساً بالعدد الحالي، وتعزيز النجاح الذي حققته دبي باستقطاب 1000 شركة تعمل في مجال البلوك تشين و«الميتافيرس» ودعم 40 ألف وظيفة افتراضية تسهم في الازدهار الاقتصادي في دبي بحلول عام 2030.
كما تهدف إلى تشجيع الابتكار في مجال الميتافيرس وتعزيز المساهمة الاقتصادية ودعم الابتكار في هذا القطاع الحيوي من خلال تعزيز التعاون في البحث والتطوير وإنشاء منظومة شاملة لمواجهة التحديات وإنشاء صناديق التمويل وحاضنات الأعمال وجذب شركات ومشاريع الميتافيرس إلى دبي، وتنمية المواهب في مجال الميتافيرس من خلال تنظيم ورش تعليمية وتدريبية في المؤسسات الحكومية ولمطوري تطبيقات الميتافيرس وصناع المحتوى وتطوير تطبيقات الميتافيرس وطرق استخدامها لتطوير أنظمة المؤسسات الحكومية والقطاعات الرئيسية مثل السياحة والتعليم والبيع بالتجزئة والعمل عن بُعد والرعاية الصحية والقطاع القانوني.
وتركز المحاور الرئيسية للاستراتيجية على الواقع الممتد الذي يدمج العالمين الواقعي والافتراضي معا، ويستخدم المحاكاة وتعلم الآلة والاستدلال للمساعدة في اتخاذ القرارات، كما تعتبر تقنية «البلوك تشين» والذكاء الاصطناعي من الركائز المهمة القادرة على محاكاة عمليات الذكاء والتفكير البشري، وتمثل البيانات والشبكة والحوسبة السحابية الركائز التكنولوجية التي تركز على بيانات العالم الواقعي التي يتم الحصول عليها والتحقق من صحتها وتخزينها ومعالجتها وإدارتها.
وتشمل تلك الركائز أيضاً النشر الكامل لشبكات الجيل الخامس لتمكين حوسبة الحافة، وتوفر موارد أنظمة الكمبيوتر عند الطلب، فيما تتيح حوسبة الحافة جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها محلياً عبر الأجهزة الذكية والشبكات المحلية بدلاً من السحابة.
دعم الاقتصاد الوطني
ويسهم الواقع الافتراضي والواقع المُعزّز، وهما عاملان رئيسيان لتمكين «الميتافيرس»، في توفير نحو 6,700 وظيفة وحوالي 500 مليون دولار أمريكي في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحالي، ويمكن أن تزيد مساهمتهما الاقتصادية بشكل كبير في المستقبل.
ويوفر الميتافيرس فرصاً اقتصادية كبيرة، حيث بلغت قيمة تمويل رأس المال الجريء والأسهم الخاصة في الميتافيرس عالمياً 13 مليار دولار في العام 2021، وأسهمت قيمة مبيعات العقارات عبر الميتافيرس بـ500 مليون دولار، كما أسهمت «سكند لايف» في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 بقيمة 650 مليون دولار.
برامج ومنح دراسية
وفرت العديد من مؤسسات التعليم العالي في الدولة برامج دراسية في الذكاء الاصطناعي في مختلف الدرجات (بكالوريوس ودراسات عليا) للطلبة الذين يرغبون بالتخصص والعمل في هذا المجال، وتشمل هذه المؤسسات على سبيل المثال جامعات محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وسوربون أبوظبي والإمارات، كما توفر الدوائر والجهات المختلفة في الدولة منحاً دراسية للمواطنين الراغبين بالتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي محليا وعالميا.