الذكاء الاصطناعي يقتحم سوق العمل وينافس البشر.. هل أوروبا مستعدة؟
AI العربي – متابعات
رغم الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي فيما يُعرف بـ “اقتصاد الوظائف المؤقتة” منذ وقت طويل، إلا أنها باتت تحقق تقدما سريعا في قطاعات أخرى وتقتحم سوق العمل. فهل أوروبا مستعدة لذلك ولتنظيم استخدام تلك التطبيقات؟
فيما كان رينان رودريغيز يحتفل بمرور عام ونصف على انضمامه إلى شركة “سموود” السويسرية، قررت الشركة تسريحه بعد تزايد اعتمادها على تطبيقات الذكاء الاصطناعي. إذ كان يعمل كسائق لتوصيل الأطعمة، لكن لاحقا بات الذكاء الاصطناعي يقوم بنفس المهام التي كان يقوم بها.
وقال رودريغيز البالغ من العمر 33 عاما، إن شركته السابقة استعانت بـ “روبوت” أصبح يقوم عمليات التسليم ومناوبات العمل له ولزملائه. وأضاف في مقابلة مع DW، أن الشركة بدأت في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي منذ انضمامه إليها عام 2020، “لكن في مرحلة معينة، أصبح الروبوت مسؤولا بالكامل عن التخطيط ليوم عمله دون أدنى تدخل بشري.”
وقال إن الهدف من استخدام “الروبوت” كان في البداية تنظيم عمليات التسليم بشكل أكثر فعالية، فيما كان يرى صاحب العمل نجاح الروبوت في هذه المهام، على حد قوله. وأضاف أنه عندما بدأ العمل في الشركة كان يتم تسليم شحنتين في الساعة، لكن وصل الأمر إلى أربع أو خمس شحنات في الوقت الذي غادر فيه الشركة، قائلا “أدركت بسرعة أن الأمر سوف يكون كارثيا على المستوى البشري، رأيت الروبوت يعمل على تأليب الموظفين ضد بعضهم البعض”.
واشار إلى أنه رغم أن السائقين الأسرع والأفضل حصلوا على المزيد من العمل، إلا أنه لم يعد يعمل بالشكل الكافي، إذ أن عقد عمله لا يتضمن حدا أدنى من ساعات العمل أو راتبا شهريا ثابتا.
ولخلص الأمر بقوله: “أسوأ شيء في وظيفتي بالشركة كان يتمثل في إبلاغي بأنه يوجد ساعة توقيت خلال ساعات العمل وأن النظام العالمي لتحديد المواقع “جي بي أس” يتعقبني في كافة الأماكن وعلى مدار ساعات العمل من أجل معرفة…على سبيل المثال السرعة التي أقود بها السيارة”.
وأضاف أن هذا الأمر ضاعف من الضغوط النفسية عليه، إذ لم يكن بمقدوره الوقوف لتناول وجبة غذائية لانه كان يتعين عليه تنفيذ المهام على نحو سريع، قائلا “أصبح الأمر محزنا على المستوى البشري”.
الروبوت يخوض غمار سوق العمل
ما كان يشير إليه رودريغز وزملاؤه بـ “روبوت” ليس سوى “خوارزميات” وهي عبارة عن سلسلة من العمليات الرياضية والحسابية اللازمة لحل مشكلة ترتبط ارتباطا وثيقا بالذكاء الاصطناعي. وقد أشارت المفوضية الأوروبية إلى “الخوارزميات” باعتبارها “أنظمة تُظهر أسلوبا ذكيا من خلال تحليل بيئتها واتخاذ الإجراءات – بدرجة معينة من الاستقلالية – لتحقيق أهداف محددة.”
ويرتبط استخدام الخوارزميات بشكل خاص بما يُعرف بـ “اقتصاد الوظائف المؤقتة” خاصة في شركات مثل “اوبر” و “ديليفرو” حيث يعمل الموظفون بعقد عمل دون الالتزام بساعات محددة أو ما يُطلق عليه “عقود عمل صفرية”.
لكن مؤخرا، ازداد نطاق الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث استول على الوظائف المكتبية. إذ كشفت دراسة قامت بها شركة “برايس ووتر هاوس كوبرز” الاستشارية عام 2022 شملت ألف شركة، أن ما بين سدس وربع هذه الشركات قد استعانت بالذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف أو الاحتفاظ بالموظفين خلال الـ 12 شهرا الماضية.
ووجدت الدراسة أن 40 بالمائة من الشركات الأكثر تقدما في هذا المجال، استخدمت الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء الموظفين واكتساب مهارات جديدة أو لزيادة إنتاجية العمل.
وقد سلط تقرير نشرته منظمة OpenMind غير الربحية والتابعة لبنك BBVA الإسبانى الضوء على ذلك، إذ جاء فيه أنه يمكن للشركات استخدام بيانات تتعلق بالموظفين أو المتقدمين للعمل بعدة طرق. وقال التقرير إنه يدخل في هذا الإطار “القرارات التي يتخذها موظفو الموارد البشرية بشأن التوظيف وتقييم أداء الموظفين ومن ستتم ترقيته أو الاستغناء عنه، واختيار وتحديد الموظفين الذين سوف يتولون مناصب قيادية فيما يتم استخدام تحليلات الأشخاص أو تحليلات القوى العاملة لإدارة العمل”.
فعلى سبيل المثال، لدى شركة HireVue الأمريكية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار المرشحين للوظيفة أو تقييم أداء الموظفين، أكثر من 800 عميل بما في ذلك شركات كبيرة مثل “أمازون” و “يونيليفر”.
وتقول الشركة إن إجراء مقابلات بالفيديو من شأنه أن يعمل على تسريع عملية التوظيف، بل وتوفير أكبر قدر من المرونة للمتقدمين وجعل عملية التوظيف أكثر عدالة بدلا من إجراء المقابلات في أماكن العمل. فيما ذهبت الشركة إلى القول إن هذه التقنية يمكن أن تقضي على أي شكل من أشكال التحيز سواء بدافع العرق أو الجنس.
ورغم ذلك، أشار عدد من الخبراء والصحفيين في السنوات الأخيرة إلى وجود خطر وقوع تحيز بسبب العرق أو الجنس حتى من خلال أعمال التوظيف التي تستعين بالذكاء الاصطناعي.وقد وجدت دراسة أمريكية العام الماضي أن الروبوتات التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي ارتكبت أعمال تمييز ضد النساء والأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء.
وفي هذا الصدد، أصدرت لجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتحدة ضوابط حيال استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل، محذرة من أن “استخدام مثل هذه التقنيات قد يضر بفرص بعض طالبي العمل أو الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
ماذا عن سوق العمل في أوروبا؟
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإن التكتل بصدد إصدار قانونين رئيسيين قد يكون لهما التأثير على طريقة دخول الذكاء الاصطناعي سوق العمل. ويشير القانون المقترح بشأن الذكاء الاصطناعي إلى أن إدارة الموظفين والحصول على عمل حر من أكثر الاستخدامات ذات المخاطر المرتفعة، فيما يتعين على الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي أن تتعهد بالتزامات محددة وعلى رأسها أعمال تقييم المطابقة.
ويشمل ذلك أيضا أمور أخرى منها جودة البيانات المستخدمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيق معايير الشفافية والرقابة البشرية والتزامات مراقبة الجودة بعد عمليات البيع.
بدورها، ترى أيدا بونس ديل كاستيلو، الباحثة في “معهد النقابات الأوروبية” البحثي التابع لاتحاد نقابات العمال الأوروبي، أن الأمر يعد “فرصة ضائعة”.
ويشار إلى أن القانون المقترح ينص على أن بعض الالتزامات تقع على عاتق شركات التكنولوجيا، مع حظر تقنيات معينة مثل نظام “التقييم الاجتماعي” المرتبط بالحكومة الصينية.
وتضيف الباحثة أن التشريع الثاني يُطلق عليه “قانون توجيه عمل المنصة” ويتعلق بطريقة إدارة الخوارزميات. فيما قالت المفوضية الأوروبية إن القانون سوف “يزيد من معايير الشفافية في استخدام الخوارزميات من قبل منصات العمل الرقمية بما يشمل المراقبة من قبل الإنسان لمدى احترام ظروف العمل ويمنح الحق في الطعن في القرارات الآلية”.
وقالت إن القانونين المقترحين يجب أن يمنحا الموظفين القدرة على تحدي أي استخدام مريب للذكاء الاصطناعي من قبل أرباب العمل.
وشددت على أنه يجب حظر استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالين هما: قراءة مشاعر الموظفين وتعليق حسابات العاملين في مجال الوظائف المؤقتة مثل سائقي أوبر. مضيفة أنه “لا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يعد بالأمر السيء. لقد درست التكنولوجيا لعشرين عاما، وأدركت أن الأمر برمته يتعلق بإدارة المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص”.
وبالعودة إلى الشاب رودريغيز، فإنه يعتقد بضرورة سن تشريعات ولوائح تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات. ويبدو أنه كان سعيد الحظ، فرغم استغناء شركته عنه، إلا أنه نجح في الحصول على فرصة تدريب لتحقيق حلمه في أن يصبح سائق قطار.