الذكاء الاصطناعي عدو أم حبيب؟
د. شريف عرفة
في أفلام الخيال العلمي تغضب الآلات وتعصي البشر.. أو تتمرد وتحكم العالم.. أو تبدأ في إبادة الناس أو استعبادهم أو التحكم فيهم.. بالتأكيد جال بخاطرك أكثر من فيلم وأنت تقرأ هذا الكلام.. فهل هذا المستقبل وارد؟
ما وصل له الذكاء الاصطناعي اليوم كان يعد خيالاً بعيداً في الأمس القريب.. هناك عمليات جراحية يتم إجراؤها بالكامل عن طريق الكمبيوتر بمجرد إشراف بشري.. لو مددنا الخط على استقامته وزاد الذكاء الاصطناعي ذكاء ومهارة، فلا يوجد ما يمنع استبدال جراح القلب وطبيب الأسنان بآلة متطورة تعرف ما ينبغي عمله بدقة تتجاوز قدرة اليد البشرية.. وعين ترى من زوايا تعجز عنها العين البشرية.. نعم.. لقد بدأ الذكاء الاصطناعي يهدد بعض وظائفنا.. قد نصبح جميعاً في المستقبل القريب مجرد «مستخدمين محترفين» لبرامج تقنية متطورة في مجال تخصصاتنا.. ربما تصبح هذه هي المهارات المطلوبة لسوق العمل المستقبلي!
لكن.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي وجودنا ذاته؟
في الحقيقة، أصبحت هذه البرامج تتداخل مع جوانب كنا نعتبرها إنسانية بحتة.. بعد أن كانت قصة الحب بين إنسان ونظام ذكاء صناعي موضوعاً غريباً لفيلم خيال علمي لـ «جواكين فينيكس»، أصبح الأمر واقعاً يعيشه آلاف البشر الذين يعانون الوحدة ويستخدمون تطبيق «ربليكا» المعد خصيصاً لهذا الغرض.. هل هناك أكثر إنسانية وأصالة من الإبداع الفني؟ اليوم اهتز عرش الفن التشكيلي ببرنامج ميد- جيرني الذي حازت إحدى لوحاته المركز الأول في مسابقة لوحات تشكيلية.. لقد فك شفرة الإبداع وراح يحاكي آلاف النماذج والمدارس الفنية والأساليب في لحظات قليلة..
كل هذا الكلام يظهر طفرة متسارعة لا يعلم أحد على وجه اليقين ما ستقود إليه بعد عقد واحد من الآن لو استمرت بنفس الوتيرة.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستهدد وجودنا؟ هل سيضجر منا الروبوت ويحاربنا بجيوش منظمة كفيلم «ماتريكس»؟
لو افترضنا ظهور وعي الذاتي لنظام ذكاء صناعي، أعتقد أنه لن يتمتع بذات التكوين النفسي الذي لدى البشر. فبناؤنا النفسي مليء برواسب تاريخنا التطوري وآليات بقائنا البدائية وحدودنا البيولوجية.. لا يمكن لعقلك الذي تطور في أحراش السافانا للصيد وجمع الثمار أن يتخيل برتقالة، أو عشر برتقالات .. لكن لا يستطيع تخيل 6789 برتقالة لأن ذلك خارج تجربتك الحسية المباشرة .. لكن الكمبيوتر يستطيع التعامل مع أضعاف هذا الرقم لأنه غير مقيد بهذا التاريخ التطوري.. أنت تجوع وتعطش وتحب وتكره وبداخلك موصلات عصبية وهرمونات تحكم تصرفاتك وتفكيرك، لكن الكمبيوتر لا تحده هذه الرواسب البيولوجية.. فكيف يكون وعيه؟
لا أظن أن رغبات كالسيطرة والهيمنة سيكون لها جاذبية مع وعي كهذا.. لأنها رغبات منشؤها غرائر عدوانية وشعور بالنقص ورغبة في الاستئثار بالموارد المحدودة.. قد لا يكون للذكاء الاصطناعي غريزة العدوان التي تسكن الكائنات البيولوجية في سلسلة غذائية قائمة على الافتراس.. وهذا مطمئن.. لكن – في نفس الوقت- هل نضمن أن يكون له دافع أخلاقي، نابع من قدرة على الشفقة والتعاطف؟ هذه منبعها بيولوجي أيضاً!
لو قدر لهذا الكائن أن يكون واعياً، فعلينا أن ندرك جيداً، أن تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، ليس مقيداً بآليات العقل البشري الذي تحكمه – على الأقل – سعة تخزينية لا تتجاوز حجم الجمجمة!