تكنولوجيات: الذكاء الاصطناعي والقانون
د. أميرة القيم
تعالو نقرأ هذه الأخبار معا ..
1- “بدقة تزيد على 97% صينيون يطورون «مدعي عام» يعمل بالذكاء الاصطناعي، يمكن لقاضي الذكاء الاصطناعي تحديد المتهم بدقة تزيد على 97% ، ويمكنه تقييم قوة الأدلة وظروف الاعتقال ومدى خطورة المشتبه به على الجمهور- العربية.نت” ، أيضا
2- «باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي مستشفيات تجري عمليات جراحية دون طبيب بشري - BBC.com».
3- «80% من تداولات سوق الأسهم الأمريكي اليومية هي تداولات تتم عن طريق الذكاء الاصطناعي دون أي تدخل بشري، هذه التقنية تتنبأ بحركة الأسهم والسوق وتتخذ قرارات التداول – صحيفة مال الاقتصادية».
والآن، ما هو الذكاء الاصطناعي؟ الذكاء الاصطناعي هو ذكاء لوغارتمي يحاكي الذكاء البشري أو الانساني دون أن يطابقه تماما. فهو تقنية تحاكي الذكاء البشري في عناصره الثلاث وهي الإدراك والفهم واخذ القرارات، فالروبوت يتميز بالادارك والفهم واستيعاب الاوامر ، غير أن ما نشهده مع طفرة الذكاء الاصطناعي هو عنصر القدرة على اتخاذ القرار! مما يرتب المسؤولية القانونية، الأمر الذي يستوجب استيعاب الكثير من المتغيرات بالنسبة للمبادئ والقضايا القانونية، وبالتالي ادخال التعديلات القانونية والاجرائية اللازمة، فالتسارع الغير مسبوق في تغلغل تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة في الصناعة، التجارة، العمل، الصحة، التعليم، وحتى في الترفيه، حتم على المشرع ضرورة اعادة تكييف القواعد القانونية ذات المدلول الواقعي والمادي والتعامل مع واقع افتراضي غير ملموس أو محسوس. لذا نتسائل اليوم، كيف يمكن لمفاهيم الذكاء الاصطناعي التأثير على الوظائف القانونية؟
بالنسبة للمحامين: يساهم الذكاء الاصطناعي في امكانية الاستنتاج المسبق لنتائج الدعاوى القضائية، كما أنه يساهم في وضع وتحديد الإستراتجيات القانونية للتعامل مع القضايا.
يمكن للبرمجيات التي تعمل وفق تقنيات الذكاء الاصطناعي أن تقوم بتحليل البيانات التي يتم ادخالها، كما أنها تساهم في وضع تصور دقيق للقضية، وتقديم تقارير عالية الجودة في وقت قياسي، وفق المعطيات والمستندات التي يتم ادخالها وبالتالي مساعدة المحامي في وضع استراتيجية شاملة للقضية واستنتاج خط سير الدعوى وما هي أكثر التصورات احتمالاً لمصير الدعاوى القضائية من خلال العودة الى قاعدة البيانات وتحليلها، وتحديد الوسيلة الأفضل لحل النزاع سواء من خلال الوساطة أو التحكيم. تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على مراجعة العقود، وفحص المستندات والوثائق وتدقيقها كل ذلك وفقا للوثائق والمستندات التي يتم تزويد قاعدة البيانات بها. وأكثر من ذلك حيث يمكن انجاز الأعمال المساندة لعمل المحامي كاعداد تقارير الخبرة المحاسبية والهندسية، واعمال الترجمة وفق أعلى المقايييس. في ضوء كل ذلك، حتما سوف تختلف نوعية وطريقة العلاقات بين الأشخاص، وسيختلف مفهوم الملكية والمسؤولية القانونية، وتتغير نوعية المشكلات القانونية المطروحة والتي تنتظر المحامي ليقدم الاستشارة القانونية الملائمة.
بالنسبة للنظام القضائي: يساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة القضائية.
المنظومة العدلية هي وحدة واحدة، فتقنيات الذكاء الاصطناعي كما أنها ستساهم في تغيير واقع المحاماة، فهي أيضا ستغير شكل العمل القضائي، فسنرى تقنيات الذكاء الاصطناعي تساهم في ترتيب أوراق القضية وفحصها ووزن الادلة والاثباتات وتقيمها، وعرض المبادئ القانونية التي تنطبق على وقائع الدعوى، كل ذلك وصولا لصياغة الاحكام. سيساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة القضائية، إلا أن استخدامه له العديد من الآثار والتحدّيات سواء من ناحية مدى ملاءمته للتشريعات السائدة، أو من حيث مدى جاهزية النظام العدلي لاستقباله. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل ان محامو اليوم مهيئون فعلاً لاستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة وكل ما يعد به الذكاء الاصطناعي لخدمة العدالة الرقمية؟ وهل القوانين والتشريعات كافية لمعالجة المخاطر المرتقبة التي قد تنتج عن إستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات؟ من هنا نجد أن هناك ضرورة ملحة لإصدار تشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي ووضع إطار قانوني لاستخدام تطبيقاته لتأتي منسجمة مع النظام العام ومتوافقة مع أحكام القانون ودوره في حماية المجتمع، وأن تحدّ من خطورة استخدامه وما قد ينتج عنه من اثار سلبية محتملة. بعد استعراض مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في المهن القانونية ، يبقى التساؤل هل سظل المهنة القانونية التقلييدية الكلاسيكية ذاتها؟ أو سيطالها التغيير؟
الواقع أن الاجابة على هذا السؤال لا تخلو من تنبوا وقراءة دقيقة لتطور الذكاء الاصطناعي، ما بين رأي متخوف ومتمسك بأن تظل مهنة المحاماة تقليدية، ويفضل الرأي المريح (بالنسبة له) وهو أن يبقى الوضع على ما هو عليه، واذا حدث تغيير فسيكون بطئ زمنيا، ومن الصعوبة أن يطال مهنة المحاماة أو المهن القضائية.
ورأي آخر متحمس جدا لأن تحل الآلة مكان الانسان، وبالتالي يكون من السهولة تنظيم الكثير من الأمور والمهن آليا، ما بين هذا الموقف وذاك تبقى الحقيقة التي يجب أن نواجهها جميعا هي، أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطور هائل و أسرع من جاهزيتنا، وسوف تظهر مجموعة من القضايا القانونية غير المسبوقة، بما في ذلك الملكية والمسؤولية والخصوصية. كما أن الذكاء الاصطناعي قد أعاد تشكيل قطاع المهن – كل المهن- بما في ذلك المهن القانونية، لا بل أحدث تغييراً أساسياً فيها، لذا يصبح من الضرورة لا الترف مساعدة المحامين والقضاة المستقبليين على فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وآثاره في مجالهم ، وتحديث جميع الخطط والبرامج الدراسية خلال مراحل التعليم الأساسي وصولا الى التعليم الجامعي، لتكون قادرة على تأهيل خريجين كليات الحقوق وامدادهم بالمهارات الحديثة التي يتطلبها سوق العمل، حتى لا يقود الأمر الى تخريج خريجين غير ملائمين لاحتياجات سوق العمل المستقبلية، لذا نجد تخصصات الذكاء الاصطناعي أصبحت ضرورة ملحة.
كما أنها مهمتك عزيزي طالب الحقوق في تعزيز علومك القانونية بالعلوم الحديثة، فهمي منضومة واحدة لا تتجزأ، ويجب عليك التخلص من فكرة الدراسة التقليدية لبرنامج الحقوق حتى تكون مؤهلا لمتطلبات سوق العمل. فالابحار بتقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة لا غنى عنها، لأنها تقنية ترسم ملامح المستقبل القادم.