ذكاء قادة المستقبل ونظرية العقل والإدراك

22

زهير آل طه

الاستثمار في العقول والمعرفة والإدراك الاجتماعي «Social Cognition» الذي يحيط بحياة الإنسان وتعاملاته وفي كيفية تفاعله وتقييمه واستشرافه وتوقعاته المستقبلية؛ مسوغه الولوج بثقة في اتخاذ قرارات موزونة ومعتدلة مرتبطة ومبرمجة مع تفاعل الآخرين وفهم شخصياتهم كمجتمع مترابط ببعض، كما تحاكيه نظرية العقل «Theory of Mind (ToM)» والتي تمثل علميا شكلا من أشكال الإدراك الاجتماعي.

ومن تلك القرارات المعتدلة المبنية على الاستثمار في الإنسان والتي قد يتطلبها سريعا ترتيب وتجهيز قادة المستقبل الأذكياء الجدد بنظرية العقل وتطورها، وقد يكون منهم قادة 2030 مع مسك الذين ذكرناهم في مقال سابق؛ تكمن لا للحصر في القرارات الإدارية والقيادية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتعليمية والبحث والابتكار، المدفوعة بعناية للتطوير المستمر في ظل التوجهات الحديثة والمتغيرات والتحولات السريعة والاستراتيجيات «كرؤية 2030 الواعدة» التي فرضتها الثورة الصناعية الرابعة الذكية الرقمية.

وهذا الاستثمار يعد مطلبا حيويا ووطنيا ومجتمعيا واجتماعيا وأسريا وفرديا وإنسانيا أمميا تمثله الأمم المتحدة في أهدافها للتنمية المستدامة السبعة عشر 17 SDGs، وهو انخراط وانسياب وذوبان شبه لا إرادي لا مناص منه ولا سبيل لغيره ولا رجوع عنه لأنه منطلق بقوة، لأجل مواكبة حركة تمدد مشاريع الذكاء الاصطناعي الذي فرض مساره وتكامله بالتوازي مع الذكاء الإنساني تحت الذكاء الهجين الجماعي Collective Hybrid Intelligence.

ومن منظور علمي وبحثي متنوع قارب 40 سنة لتوضيح ملخص مفهوم نظرية العقل والتي تضمنها «فيليسيتي» في مقدمة بحثه المنشور عام 2021 من جامعة ديكين بأستراليا بعنوان «التأثير الوسيط للغة على تطور النظرية المعرفية والعاطفية للعقل»؛ أن أحد المكونات الرئيسة للتعاطف المعرفي يكمن في القدرة على فهم الحالة العقلية والعاطفية للآخرين، والتي يشار إليها عادة باسم نظرية العقل، ونظرية العقل يرى بعض العلماء أنها ضرورية لفهم البيئات الاجتماعية، ويعتقدون أنها أيضا ضرورية للسلوك الاجتماعي الإيجابي المتقن والموزون، وهناك من يعتقد أيضا فصل نظرية العقل إلى مكونات عاطفية ومعرفية؛ بحيث تتضمن نظرية العقل العاطفية القدرة على استنتاج مشاعر شخص آخر بعينه، بينما يتضمن المفهوم المعرفي للنظرية استنتاج الحالات العقلية للآخرين كمجموعة مثل الأفكار والمعتقدات والنيات والدوافع.

ودخول الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته في الخط؛ قد أحدث نقلة نوعية في نظرية العقل والإدراك الاجتماعي المعرفي والعاطفي، ومكن المستثمرين في المواقع والتطبيقات الحاسوبية لاستغلالها مصلحيا لتتبع التوجهات والتفضيلات لدى الأفراد والمجتمعات مستخدمي تلك المواقع ومحركات البحث والتطبيقات من خلال تقنية الفلترة التعاونية «Collaborative Filtering» التي تستخدم أنماطا خفية في سلوكنا وتصرفاتنا وسلوك الآخرين للتنبؤ بالأشياء التي قد نجدها ممتعة أو جذابة لتسويقها وترديد تسويقها.

فهل ستبقى الفلترة التعاونية المقصد الوحيد الذكي الذي يفترض أن ينهجه قادة المستقبل الأذكياء الجدد في التوسع الاستثماري أم سيطرأ نموذج أكثر دقة وذكاء منه؟ وما هي الإمكانات والقدرات التي يجب أن يتمتع بها قادة المستقبل، بحيث يتم بناؤهم عليها من الصغر حتى الكبر ومن ثم اختيارهم وبقاؤهم وفقا لديمومة ثباتهم وتطورهم ومواكبتهم للمتغيرات؟ جواب السؤال الأول قد يدخل في دائرة الخيال العلمي الذي قد يتحقق كما تحقق غيره بما يخص نظرية العقل والإدراك الاجتماعي، وهو ما جنح إليه «كيث ديفيس» في بحثه المنشور عام 2021 من جامعة كوبنهاغن بالدانمارك بعنوان «بإمكان أجهزة الكمبيوتر الآن أن تتوقع تفضيلاتنا مباشرة من عقولنا» بعيدا عن الفلترة التعاونية المعتمدة على السلوكيات والتي قد لا تكون دقيقة، موضحا أنه من الممكن توقع التفضيلات الفردية بناء على كيفية تطابق استجابات دماغ الشخص مع الآخرين، مشيرا في بحثه إلى استخدام بعض الباحثين سابقا التخطيط الكهربائي للدماغ لتسجيل نشاط الدماغ. «Electroencephalography (EEG)»، وهو جمع وتحليل معلوماتي حساس وخطير، على أن يلتزم مستخدمه بالحفاظ على السرية والأخلاقية المعلوماتية إن حدث يوما ما بعد 10 سنوات في عام 2030 تقريبا كما يتوقع «كيث ديفيس»، وقد يضطر القادة الجدد لاحقا أن يدخلوا هذه المرحلة الحساسة من التطور السريع بالتعامل مع تقنية تسجيل النشاط الدماغي وتحليله بخوارزميات الذكاء الاصطناعي الناتجة عن طريق الأجهزة الذكية لكن بحذر أخلاقي يتوافق مع مواصفات الإيزو العالمية للذكاء الاصطناعي ISO/IEC JTC 1/SC 42 AI.

وأما جواب السؤال الثاني فهو مرتبط ضمنيا ببحث «فيليسيتي» الذي حاول برهنة اللغة كوسيط ضروري من الصغر في عملية تطوير وتعزيز نظرية العقل، بمعنى لغة التربية والتخاطب والتعليم والإحساس والشعور لتنمية نظرية الإدراك الاجتماعي المعرفي والعاطفي حتى ينمو مع نمو العمر وتبلوره في شخصية الإنسان، لأجل الدقة في التمييز بين التصرفات والسلوكيات للأفراد والمجتمع وتحليلها سريعا للتنبؤ واستشراف ما يمكن استشرافه للتصحيح وإعادة التوجيه والتطوير للأهداف الموضوعة لتحقيق الاستراتيجيات بدقة وبأقل الأخطاء، حفظا للوقت والطاقات من الهدر، وهذه برأيي تعد إمكانات وقدرات أساسية يتم تحديدها في مسيرة تطوير قادة المستقبل الأذكياء الجدد، من حيث تقييمهم باستمرار تحت مستوى تبني نظرية العقل لديهم وما يرتبط بها من إدراك اجتماعي معرفي وعاطفي، مدعوم بوضع مقاييس ومؤشرات مرتبطة بمكوني المعرفة والعاطفة. ومن البديهي أن تكون قوة نظرية العقل داعمة ومعززة للذكاء الهجين الجماعي، والعكس صحيح إذا توفرت لدى القادة الجدد ليبدعوا، وسينمو إبداعهم ليبتكروا حينما يبقون في هذه الدائرة بين النظرية والذكاء.

The Future Of Business: How AI Can Drive Organizational Change

اترك رد

Your email address will not be published.