هل الذكاء الاصطناعي حقا بهذا الذكاء؟
جون ثورنهيل
المجموعة الهائلة من الجماجم البشرية التي جمعها العالم الأميركي صمويل مورتون في أوائل القرن الـ 18 تسلط الضوء على كثير من مخاطر استخلاص استنتاجات شاملة من البيانات -سواء في عصره أو عصرنا. من خلال سكب الرصاص بعناية في تجاويف الجمجمة ثم إعادة وضعها في أسطوانات القياس، قدر مورتون أحجام الدماغ بالبوصة المكعبة. كان هدفه هو تصنيف وترتيب الأجناس الخمسة في العالم: الأفارقة والأميركيون الأصليون والقوقازيون والماليويون والمنغوليون.
بحث مورتون، الذي وضع الجماجم القوقازية في قمة هرمه والجماجم الإفريقية في الأسفل، استشهد به على نطاق واسع الإمبرياليون والمستعمرون وأنصار الفصل العنصري على أنها بيانات متينة تثبت بشكل موضوعي الذكاء النسبي للأجناس المختلفة وتبرير تفوق الرجال البيض وشرعية الرق.
لم يقتصر الأمر على اكتشاف أن قياسات مورتون لاحقا تحتوي على أخطاء فادحة فقد تجاهل الحقيقة الأساسية القائلة إنه كلما زاد حجم الإنسان، زاد حجم الدماغ، لكن تم دحض كثير من الافتراضات التي قام عليها بحثه منذ ذلك الحين.
حجم الدماغ لا يتساوى مع الذكاء. ولا توجد أجناس بشرية منفصلة تشكل أنواعا بيولوجية مختلفة. لذلك من غير المنطقي تصنيف الأجناس وفقا للعقل أو الشخصية الفطرية.
كتبت الدكتورة كيت كروفورد في “أطلس الذكاء الاصطناعي: السلطة والسياسة والتكاليف الكوكبية للذكاء”: “كانت ممارسات التصنيف التي استخدمها مورتون سياسية بطبيعتها، وكان لافتراضاته غير الصحيحة حول الذكاء والعرق والبيولوجيا آثار اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى”. وتحذر من أن جميع أنظمة التصنيف مدمجة في إطار من الأعراف والآراء والقيم المجتمعية، حتى في برامج الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها اليوم ويفترض أنها مفرطة في العقلانية.
الذكاء الاصطناعي، الذي يعرف بشكل أكثر دقة وضيقا في معظم الحالات على أنه التعلم الآلي، مصمم ليقوم بالتمييز: لتحديد الأنماط وفصل ما هو استثنائي عن القاعدة. لذلك يجب أن نكون حذرين للغاية في تحديد ما نختار تصنيفه، وكيف نختار بياناتنا ونبني نماذجنا والإجراءات التي نتخذها بناء على مخرجاتها. تقوم أنظمة التعلم الآلي بتشغيل محركات البحث الخاصة بنا على الإنترنت، وتوصي بالمنتجات والخدمات لنا، وتؤثر في قرارات التوظيف والفصل من العمل في مكان العمل والإفراج المشروط وإصدار الأحكام في قاعة المحكمة.
كتاب كروفورد واحد من سلسلة الكتب الحديثة عن الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا الأغراض العامة التي تحدد بشكل متزايد عصرنا الخوارزمي. عديد من هذه الكتب تعيد صياغة حجج متشابهة ومألوفة، بناء على تخيلات محمومة أو استقراء متهور، لكن الكتب الثلاثة التي أقوم بمراجعتها هنا تجلب وجهات نظر جديدة ومختلفة للغاية للمناقشة. من خلال التقليل من أهمية المخاطر الوجودية التي يشكلها الذكاء الاصطناعي، يركز المؤلفون الثلاثة على التحديات الفورية والعملية لاستخدام الآلات لتعزيز البشرية، بدلا من استبدالها.
من وجهة نظر كروفورد، الذكاء الاصطناعي ليس مصطنعا ولا ذكيا. وتقول: “بدلا من ذلك، الذكاء الاصطناعي متجسد ومادي على حد سواء، ومصنوع من الموارد الطبيعية والوقود والعمالة البشرية والبنى التحتية واللوجستيات والتاريخ والتصنيفات. أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست مستقلة أو عقلانية أو قادرة على تمييز أي شيء دون تدريب مكثف في الجوانب الحاسوبية الواسعة مع مجموعات بيانات كبيرة أو قواعد ومكافآت محددة مسبقا”. وتقول إن الذكاء الاصطناعي، بمعنى ما، هو بالتالي سجل للسلطة.
كروفورد، الباحثة الرئيسة الأولى في قسم الأبحاث في “مايكروسوفت” تقدم تصحيحا قيما لكثير من الضجيج المحيط بالذكاء الاصطناعي ودليل تعليمات مفيدا للمستقبل. بينما تضخ شركات التكنولوجيا العملاقة وشركات رأس المال المغامر مليارات الدولارات في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، تتدافع الحكومات والهيئات التنظيمية والمجتمع المدني لمواكبة أحدث الاختراقات وفهم تداعياتها. تنشئ كروفورد إطارا قويا لفهم مخاطر هذه الثورة التكنولوجية، إضافة إلى تكاليفها البيئية وتقترح أفضل طريقة لتوجيهها نحو مزيد من النتائج الإيجابية.
في كتابه الرائع والأكثر تجريدا “ألف دماغ: نظرية جديدة للذكاء”، يبحث جيف هوكينز في طبيعة الذكاء نفسها، لدى كل من الإنسان والآلة. رغم أن هوكينز قضى نحو 20 عاما في مركز ريدوود لعلم الأعصاب النظري، إلا أنه يعترف بحرية أنه لا أحد يفهم حقا كيف تعمل كتلة الخلايا التي تزن ثلاثة أرطال في رؤوسنا. يكتب: “تظل لغزا. الهندسة العكسية للدماغ وفهم الذكاء، في رأيي، أهم مسعى علمي يقوم به البشر على الإطلاق”.
وجهة نظره الخاصة أن دماغ الإنسان هو حوار مستمر بين دماغ الزواحف القديم والحبل الشوكي الذي يبرز من أسفل الذي يدير آليات البقاء الغريزية لدينا، والقشرة المخية للثدييات، وهي الطبقة الخارجية الجديدة التي تحتل نحو 70 في المائة من الحجم وعضو الذكاء. من وجهة نظره، التي تتجاوز كثيرا من الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب، تعمل القشرة المخية الحديثة كنوع من “إطار التنبؤ بالذاكرة”، حيث تبني نماذج حول كيفية عمل العالم ثم تقوم باستمرار بالتنبؤات بناء على تلك النماذج. كل عمود من الأعمدة القشرية لدينا البالغ عددها 150 ألف عمود آلة تعلم صغيرة تتكيف باستمرار مع إطارها المرجعي استجابة للمحفزات الخارجية التي تتلقاها مثل حركات أعيننا، وترسل مدخلات جديدة إلى الدماغ ثلاث مرات في الثانية.
في شكل من أشكال الديمقراطية العصبية الموزعة، يقوم دماغنا بعد ذلك بحساب “عدد الأصوات” من جميع الأعمدة القشرية لتشكيل فهم موحد لما يحدث في العالم في أي وقت معين. كيف يبدو فنجان القهوة هذا وكيف رائحته وطعمه وملمسه؟ كتب هوكينز: “الإدراك أعمدة الإجماع التي يتم التوصل إليها عن طريق التصويت”. هذا ما يسميه “نظرية الألف دماغ للذكاء”.
إذا كانت نظريته صحيحة، فسيكون لذلك آثار كبيرة في الكيفية التي ينبغي أن يفكر بها ممارسو الذكاء الاصطناعي في ذكاء الآلة. في الوقت الحاضر، أنظمة الذكاء الاصطناعي جيدة فقط في شيء واحد ضيق مثل لعب الشطرنج أو لعبة Go، أو قراءة الأشعة السينية، وليس لديها ذكاء عام. سيتعين على الباحثين اكتشاف طرق لتوفير أطر مرجعية شبيهة بالبشر تمكن هذه الأنظمة من تعلم كيفية التعلم. كتب هوكينز: “لا شيء نسميه الذكاء الاصطناعي اليوم هو ذكي. ومع ذلك، لا توجد أسباب فنية تمنعنا من إنشاء آلات ذكية”.
في الواقع، إذا كان بالإمكان بناء الأطر المرجعية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، فيمكن للآلات أن تتجاوز القدرات البشرية بكثير. في حين أن الخلايا العصبية البشرية تستغرق ما لا يقل عن خمسة ميلي ثانية للقيام بأي شيء مفيد، يمكن للترانزستورات المصنوعة من السيليكون أن تعمل أسرع بمليون مرة ويمكن أن تفكر وتتعلم أسرع مليون مرة. رغم أن التوصيلات الفيزيائية للدماغ محدودة، فإن ذكاء الآلة سيكون له تقريبا مرونة غير محدودة في الاتصال.
في القسم الأخير من كتابه، يتكهن هوكينز بشكل مسل حول إمكانية وجود أشكال أخرى من الذكاء في الكون. وهو يقدم الحجة المنطقية تماما -من المستحيل الاعتراض عليها دون أي دليل على العكس- أن أي شكل من أشكال الذكاء خارج كوكب الأرض متطور بما يكفي ليجدنا، من غير المحتمل أن يهدد البشرية. لهذا السبب، يقترح علينا تسريع جهودنا للاتصال بأي أشكال حياة أخرى عن طريق إرسال رسائل إلى الكائنات الذكية خارج كوكب الأرض، أو METI. تتمثل إحدى طرق القيام بذلك في إطلاق “حاصرات شمس” عملاقة في الفضاء من شأنها أن تدور حول الشمس لملايين الأعوام وتعطل أنماط الضوء الطبيعي للشمس من أجل إرسال إشارات حول وجودنا لأي كائنات فضائية هناك.
في هذه الأثناء، بالعودة إلى الأرض، تستكشف الدكتورة كيت دارلينج طريقة جديدة للتفكير في علاقتنا بالروبوتات في كتابها “السلالة الجديدة: كيف نفكر حول الروبوتات”. في كثير من الأحيان، نقوم بتجسيد الروبوتات، ونشبعها بأسماء “مرحبا أليكسا” وميزات وخصائص. على سبيل المثال، تمت تسمية أكثر من 80 في المائة من المكانس الكهربائية الروبوتية من Roomba من قبل أصحابها: Dustin Bieber و Meryl Sweep هما من أفضل الخيارات. نميل إلى التفكير في الروبوتات بطريقة عدائية، صراع لا ينتهي بين البشر والآلات. لكنها تقول إن هناك حتمية خاطئة في مخاوفنا الحالية بشأن فقدان الوظائف وعمليات الاستحواذ التي تقوم بها الروبوتات.
بدلا من ذلك، تناقش دارلينج، الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نهجا أكثر تعاونا. وتقول إنه ينبغي أن ننظر إلى الروبوتات على أنها أقرب إلى الحيوانات: يمكن استخدام كليهما في العمل والأسلحة والرفقة. تمامًا مثلما أننا نستخدم الفئران التي تكشف عن الألغام، والحمام الذي يسلم الرسائل، والدلافين التي تبحث عن الغواصات، والحمير التي تحمل الأمتعة، بالتالي تستطيع نشر الروبوتات للقيام بجميع أنواع الأعمال المملة والقذرة والخطيرة. الفرق الواضح هو أنه بينما الحيوانات كائنات حية، فإن الروبوتات كائنات جامدة ليس لديها أي إحساس.
يشعر المحامون بالقلق منذ الآن بشأن أننا نجعل الأنظمة الآلية مسؤولة عن الضرر الذي يلحق بالبشر. هل تقع مسؤولية التصادم الناجم عن سيارة ذاتية القيادة على السائق أو الشركة المصنعة للسيارة أو مهندس البرمجيات؟ تقترح دارلينج أنه، للأفضل أو للأسوأ، لدينا كثير لنتعلمه هنا من تاريخ كيفية تعاملنا مع الحيوانات. لقرون، كنا نحمل أصحاب الحيوانات الخطرة المسؤولية عن أفعالها، ونقتل الوحوش الخارجة عن السيطرة التي تؤذي البشر. في العصور الوسطى، اجتاحت أوروبا موجة من المحاكمات للحيوانات حيث كانت الماعز والكلاب والأبقار والخيول تذهب إلى المحاكم. أجريت أول محاكمة مسجلة للخنازير في عام 1266 في Fontenay-aux-Roses، بالقرب من باريس، وبعد ذلك أحرق الحيوان المخالف لأنه أكل طفلا.
تميز معظم الأنظمة القانونية بين ترك الهامستر أو النمر في البرية وقد نحتاج إلى تمييزات مماثلة للروبوتات. ينبغي على المحامين المبدعين تكييف القوانين الحالية مع هذه التحديات الجديدة، حتى لو كانت أنظمة صنع القرار المؤتمتة غير مرئية تعمل على نطاق وتعقيد أكبر بكثير من أي شيء شهدناه من قبل. لكن دارلينج تحذر من أننا ينبغي أن نحترس من “منطقة الانهيار الأخلاقي”، لاستخدام العبارة الحكيمة لباحثة الذكاء الاصطناعي مادلين كلير إيليش، حيث نميل إلى إلقاء اللوم على مشغل الجهاز أكثر من مصممه.
تلخص دارلينج تفكير المؤلفين الثلاثة عندما كتبت أننا بحاجة إلى جعل التكنولوجيات الجديدة القوية تعمل لمصلحتنا، بدلا من العكس. وتضيف: “الإمكانات الحقيقية للروبوتات ليست إعادة إنشاء ما لدينا بالفعل. بل بناء شريك فيما نحاول تحقيقه”.