فيلم “Oxygen”.. الذكاء الاصطناعي وفلسفة البقاء عند الإنسان

52

AI بالعربي – “متابعات”

يستثمر المخرج الفرنسي “ألكسندر آجا” الثورة العلمية في مجال المحاكاة الآلية لجسد الإنسان، وقفزات الذكاء الاصطناعي، وكذلك تجارب علم الاستنساخ، في تسليط الضوء على تجربة الإنسان مع الخطر، بتصوير الدقائق الأخيرة من حياته، وآليات متعددة لابتكار سبل البقاء على قيد الحياة، في فيلم الخيال العلمي والدراما “oxygen” المعروض حاليا على نتفيلكس، والمنتج أمريكيا وفرنسيا في أيار/ مايو 2021.

ويرفق الفيلم رسالة من إليزابيث “ميلاني لولان” التي تحاول التمسك بأمل البقاء على قيد الحياة، داخل صندوق تبريد لكائن حيوي، منعزل عن كوكب الأرض، ويتم رفع مشاعر التعاطف من قبل المشاهد معها تدريجيا، ويتحقق ذلك بواسطة عداد تنازلي للوقت المتبقي من رصيد عمرها، يحويه سيناريو “كريستي لوبلان” بذكاء، إذ تتحدد فرصتها في النجاة تبعا لنسبة الأكسجين الاحتياطي داخل جسدها، الذي يقدمه المخرج على أنه أقل من 50 في المئة، ويستمر في التناقص مع كل دقيقة في الفيلم.

2021-05-e43295ad

وتتعدد المسارات التي تقوم عليها بناية الفيلم، حيث تتراوح الأفكار ما بين صراع التمسك بالحياة، وسط بيئة طبية إلكترونية، خيالية بعض الشيء، تحمل لمحة من شرائح “إيلون ماسك” المكتشفة في 2020، حيث تراقب الشريحة المقترنة بجسد الإنسان الوظائف الحيوية للجسد، وتقدم اقتراحات لحلولها.

كما يعزز السيناريو حضور الثورة العلمية بطرح فكرة الاستنساخ من جديد، بوضع جسد مستنسخ في كوكب آخر غير الأرض، بهدف اكتشاف الحياة هناك.

ويقدم الفيلم أيضا لقطات من ورشات عمل ومؤتمرات علمية تتناول مشاريع لنقل الذاكرة من إنسان لآخر.

مختبر

المشهد الافتتاحي يقدم جرذا حائرا، يتمشى بقلق داخل متاهة شاسعة، تحوي ممرات بفتحات ضيقة، لكن، لا سبيل للنجاة لديه، في تلميح أولي من المخرج بأن السيناريو يسرد قصة لبطل يقع في متاهة، ويصارع من أجل الهرب، لكن الأمور قد تكون أكثر صعوبة مع مرور الوقت، كما يعطي ترميزا إلى أن مادة الفيلم مختبرية، قائمة على التجريب.

مشهد آخر يروي وقوع امرأة في الاحتجاز، ممده داخل صندوق زجاجي إلكتروني يشبه التابوت، ويبدو جسد المرأة محاصرا بشدة، حيث يربط وسطها بحزام بقاعدة الصندوق، وتخرج منه أسلاك إلكترونية مرتبطة من أطرافها بأزرار على حواف الحجرة الضيقة. ليس ذلك فحسب، فجسد المرأة كله مخترق بأسلاك وإبر موصلة بأطراف الصندوق، بما في ذلك رأسها.

2021-05-MV5BYWZmNDkyMTgtYTgxNi00Y2M1LTlkNWMtZjRkNTk0M2Y0NDc3XkEyXkFqcGdeQXZ3ZXNsZXk@._V1_

يرافق ذلك كله إضاءة بلون أحمر، تبعث على الترقب والريبة، وأصوات نبضات القلب المستخدمة داخل غرفة الإنعاش في المشفى تعطي مساحة غير عادية من القلق، مطلع الفيلم.

تواجه المرأة في ذلك كله صعوبة في التنفس، لتناقص الأكسجين المستمر داخل الصندوق، الشيء الوحيد الذي يدعمها هو وجود مأمور آلي، مصنوع بالذكاء الاصطناعي، داخل الصندوق، ويعمل على تلبية أوامر الكائن الحيوي داخل المجال الإلكتروني المحكم.

ذكاء اصطناعي

وتبدأ الأزمة الدرامية في محاولة السيدة استعادة ذاكرتها، لتكتشف أنها كانت في وقت سابق ترافق مريضا يقارب الموت، جريا خلف سرير متنقل، ويغلب على ملامحها الخوف والقلق. هذه الذكرى تكون بداية للحوار مع المأمور الآلي المتحدث بموجات صوتية من نوع Halogen، ويقدم صوته “ماثيو أمالريك” بطريقة لافتة.

2021-05-rl4pqMhgihdej

تحديات كبيرة تخوضها المرأة المحتجزة، من أجل الهروب من المكان، وبعد تساؤلات عديدة يجيبها عنها المحاور الذكي، وعدة اتصالات مع أناس خارج الصندوق، يتضح للسيدة بأنها محتجزة داخل آلة استنساخ بشري، على بعد ما يقارب 70000كم من كوكب الأرض، لمدة تقارب 12 عاما قضتها في سبات عميق، وجاء صحوها بسبب خلل طارئ في الصندوق الحيوي، فيما تستمر محاولاتها في فك رموز بوابة الآلة المغلقة، للهرب من الموت الحتمي، فهل يتحقق ذلك؟

تصميم متطور

لا تتوقف أدوات الفيلم عن الإمتاع، عند التصميم المتطور للمكان عبر المصمم ”مكسيم السكندر“، ولا عند تفرد السيناريو في إضفاء الإثارة والتشويق على مدار ساعة وأربعين دقيقة، وإنما أيضا على قدرة ”ميلاني“ على تجسيد شخصية تقترب من الموت بالتدريج، فمن الواضح أنها درست الشخصية جيدا، لتعطي ملامح القلق والخوف المقنعة، مع هبوط معدل الأكسجين المستمر، كما أبدت مشاعر الحسرة والخذلان في كثير من اللحظات، بعد فشل عدة محاولات للخروج من المأزق.

فيلم Oxygen 2021 مترجم

لكن السيناريو المحرض على القلق والغيظ، في جانب المشاهدين، يسمح بابتسامات متقطعة للبطلة، وقت نجاحها في التحايل على المحاور الآلي.

مكان فردي وبطولة فردية

اعتمد مجمل زمن الورطة الدرامية هذه على التصوير في مكان واحد، مع إدخال أماكن محدودة، خلال الرجوع بطريقة “فلاش باك”، أثناء محاولات “إليزا” المستمرة لتذكر الماضي.

جرأة اختيار مكان شبه وحيد لتنفيذ السيناريو، وكذلك البطولة، اعتمدت على الغموض الذي ساند كافة أدوات الفيلم، وجعل أي نقص محتمل غير صارخ، نظرا لارتفاع معدل الأدرينالين عند البطلة والمشاهدين.

2021-05-Oxygen-on-Netflix-5-things-to-know-about-the-confined

في هامش السيناريو هنالك عاطفة من نوع غريب، تجسدت بحنين “إليز” إلى شخصية من الذاكرة غير أكيدة الوجود، ويسهم القلق في تدعيم هذا الحب، على الرغم من عدم التلامس بينهما، وعدم تأكدها حتى من وجود ندبة في جبينه من عدمه.

عواطف مختلفة

فيما أسهمت موسيقى الفنان “بوب” التصويرية والمؤثرات الصوتية المرافقة للمشاهد في احتواء المشهد وتقديمه ناضجا، إذ اعتمدت رؤية الأصوات على التنوع والمفاجآت، فمثلا كانت الصعقات الكهربائية تحمل المزيد من الفزع، في اختبار حقيقي لعاطفة المشاهدين المشحونة بالترقب، منذ اللقطة الأولى. كما أسهمت الإضاءة المتنوعة ما بين الأحمر والأزرق والأبيض، في تخليق كوادر متنوعة، ومشحونة بعواطف مختلفة كان أبرزها القلق والترقب والخوف والغضب، والشعور بشح الأكسجين في الكثير من الأحيان، بالتشارك مع الخدع البصرية التي أعدها المخرج.

اترك رد

Your email address will not be published.