هل تستطيع أنظمة الاتحاد الأوروبي مواجهة الذكاء الاصطناعي؟
سالم العنزي
وجد عميل في الأمن الداخلي الأمريكي صورا توثق عملية اعتداء جنسي على موقع ياهو. في واحدة من الصور ظهرت صورة غير واضحة لرجل أبيض ذي شعر بني ولحية صغيرة، ولكن كان من الصعب التعرف على التفاصيل الدقيقة للصورة بسبب جودة التصوير والزاوية المائلة للكاميرا مما أدى إلى عدم وضوح معالم الرجل المتهم في القضية. بعد بحث دقيق ومضن في الأنظمة والبرمجيات الخاصة بوزارة الأمن الداخلي ومشاركة الصورة مع وكالات الأمن الأخرى. لم يتم التعرف على المتهم في القضية. ولذلك تم الاستعانة بشركة خاصة ومتخصصة بالبحث عن الوجوه.
وكانت المفاجأة، حيث تعرف النظام التابع للشركة الخاصة على صورة المتهم، وربطها بصورة على موقع Instagram لرجل آسيوي مع سيدة في مطعم في لاس فيجاس. ولكن المشكلة أن المتهم لم يكن آسيويا ولا امرأة.
ولكن عند التدقيق في الصورة، كان هناك رجل في الزاوية العلوية للصورة يقف خلف طاولة الخدمة في المطعم. وكانت مواصفات هذا الرجل تطابق تماما مواصفات المتهم. وبعد التحقيق تم القبض على الرجل وحكم عليه بالسجن لمدة 35 عاما.
لم تنجح وزارة الأمن الداخلي والوكالات الأمنية الأخرى في العثور على صورة الرجل، لأن جميع الصور المتوفرة لديهم كانت عبارة عن صور رسمية وواضحة جدا يتم الحصول عليها عبر رخص القيادة وجوازات السفر والوثائق الرسمية الأخرى. بينما نجحت شركة Clearview AI لأنها قامت بمسح أهم مواقع الإنترنت وتحميل جميع الصور من الشبكات الاجتماعية إلى خوادمها الخاصة. مما وفر لها أكثر من ثلاثة مليارات صورة للأشخاص حول العالم.
بعدما نشرت صحيفة نيويورك تايمز القصة المذكورة خلال الشهر الماضي. أثيرت العديد من الأسئلة حول قانونية وأخلاقية ما قامت به الشركة من تجميع وتخزين صور الأشخاص من الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت بدون إذنهم ولا علمهم. بل وحتى بدون إذن أو علم الشركات المقدمة للخدمات نفسها. لذلك فإن شركات مثل (قوقل وفيس بوك ولينكدان) أرسلت رسائل إلى الشركة متهمة إياها بانتهاك شروط الخدمة الخاصة بهم وطالبوها بالتوقف عن استخدام صورهم.
قدرة الشركات على انتهاك خصوصية المستخدمين والحصول على بياناتهم ومن ثم معالجتها عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدون أي تراخيص وبدون علم أحد، هي واحدة من أكبر مشاكل المشرعين حول العالم.
لذلك فقد أصدر الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع تشريعات وقوانين جديدة تهدف إلى تنظيم وتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي ومتوقع أن تدخل حيز التنفيذ خلال سنتين من الآن. وذلك لوضع قيود على المراقبة الجماعية واستخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة بعض البيانات التي قد تؤثر الأفراد.
قوانين وتشريعات الاتحاد الأوروبي الجديدة تهدف إلى حماية الأفراد وتراهن على أن نجاح تطبيقات الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساس على موثوقية الجمهور وأخلاقيات الاستخدام، وفي نفس الوقت يوجد العديد من الشركات حول العالم تقوم بتطوير أنظمة وبرمجيات خاصة بالذكاء الاصطناعي.
وتراهن على أن النجاح يكون عبر الحصول على الحصة السوقية الأكبر، وذلك من خلال استغلال المناطق الرمادية في القوانين والأنظمة. هذه الشركات تراهن على أن هذه القوانين والأنظمة لن تكون عائقا أمام استخدام أنظمتها عند الحاجة. تماما مثل ما حدث في القصة التي ذكرناها في بداية المقال.