إدارة المعرفة وثورة الذكاء الاصطناعي
فهد العرجاني
إذا أردنا أن نعتمد على الذكاء التقني فيجب علينا فهم المعرفة التقنية، ويعني أن نميز متى نضع الآلة الذكية في منطقة العمل الروتيني ومتى نضع الإنسان في منطقة العمل الإبداعي ومنطقة العصف الذهني بأسلوب إداري حديث يعود بالنفع سواء في قطاع الأعمال أو القطاع التعليمي، خاصة مع زيادة الارتباط والتداخل بين العالم الافتراضي والعالم المادي، إذا في نظري ستكون إدارة المعرفة هي المكون الأساسي للنجاح في علم الإدارة الجديد.
شاهدنا كيف اندمج العالم الافتراضي في حياتنا بشكل متسارع وفي واقعنا الحالي، لذا يجب على الشركات وقطاع الأعمال أن يتكيف بنفس السرعة، هذا لا يعني بالطبع أن يُستبدل الإنسان بالآلة اعتمادا على الذكاء الاصطناعي في أتخاذ جميع قرارتنا، والسبب أن التكنولوجيا ورغم قوتها فهي في النهاية نتاج معادلة برمجية، وسيبقى الذكاء البشري أحد أكثر الأصول قيمة في الثورة الصناعية الرابعة، وسيكون من أهم أسباب فشل بعض الإدارات هو عدم الموازنة بين ذكاء الآلة والرؤية البشرية الإبداعية. فإدارة المعرفة ستكون أمام محك قيادة “فرق العمل” والتي تحتوي على الإنسان والآلة معا، لذلك سيحتاج المدراء التنفيذيون على فهم نوعين من المعرفة – المعرفة المتحولة والمعرفة الضمنية – وكيفية الاستفادة من كل نوع وتوظيفه على اكمل وجه.
نحن نعيش في حقبة زمنية وثورة صناعية مختلفة غيرت وستغير بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها في عملنا ومجتمعنا وتواصلنا، كما كان للثورة الصناعية الثالثة أثر كبير، وفرت لنا المحركات البخارية والميكنة والكهرباء والإنتاج الضخم “Mass production” ومزج الرقمنة والكومبيوتر معا، أتت الثورة الصناعية الرابعة فأصبحت مصدر إلهام للحالمين اليوم. مع هذا التحول الصناعي سنشهد تقارب سيناريوهات تجاربنا المادية مع تجارب ترتبط بالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والواقع الافتراضي والروبوتات والهندسة الحيوية والسحابية، لنجد أن الآلة أخذت مكان الأعمال الروتينية لترفع حجم الإنتاج والرفاهية الاجتماعية وفاعلية التعليم.
في المقابل فإن المعرفة الضمنية يصعب قياسها أحيانا فهي غير ملموسة، وهي تأتي من طريقة التفكير المكتسبة من الخبرات البشرية المتراكمة مع بعض المهارات الأساسية – على سبيل المثال – قد يشعر موظف المبيعات المخضرم على انه قادر أن ينهي صفقة معينة قبل حضوره، أو الطبيب قد يكتشف ويشخص مرض لا يتطابق مع أعراض المريض.
ورغم ذلك فإنه يمكن قياس المعرفة الضمنية من خلال المقابلات والتدريب والإرشاد وورش العمل والمنتديات، فيمكن للمؤسسات اقتباس الأفكار وتحليلها وتنظيمها من خلال استخدام تقنية التعرف الصوتي بالذكاء الاصطناعي لإنشاء بنك معرفي مؤسسي يستخدم لتدريب الموظفين، بما سيثري نجاحات قطاع الأعمال.
بطبيعة الحال قاوم كثير من المختصين هذا التحول خوفا من أن الروبوتات والأتمتة سَتُخلّف فائض بشري في المنظمات، ولكن في الواقع هي فقط ستغير المهام والأدوار الوظيفية للكادر البشري، في تقرير PwC الصادر عام 2018 يوضح تأثير الذكاء الاصطناعي الإيجابي خلال العقدين القادمين على نسب التوظيف وخلق وظائف جديدة في الصين بسبب التقنيات ذات العلاقة مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار والمركبات الذكية ذاتية القيادة، بما سيؤثر على نمو الناتج المحلي بما يعادل 26% بحلول عام 2030، وفي مدينة شنغهاي على سبيل المثال سيطر الاقتصاد الرقمي على 50% من حجم الناتج المحلي عام 2020، وأصبح معدل نمو الوظائف الجديدة يتجاوز النصف مليون وظيفة سنويا.
ستبقى المهارة والإبداع البشري أهم عنصر في تنوع الإنتاج وإيجاد الحلول، توظيفها بالشكل الأمثل سيكون أكثر أهمية مع الثورة الصناعية الرابعة من خلال إدارة المعرفة التقنية ومعرفة كيفية التمييز بين المهارات القابلة للتحويل والمهارات الضمنية الكامنة في العنصر البشري، استغلالها واستثمارها هو ما سيرسم قصص النجاح الإداري في المنظمات الخاصة والعامة.