رُوَّاد الذكاء الاصطناعي.. أنظمة مستقبلية تتطلع نحو الآمال
AI بالعربي – خاص
يبقى الذكاء الاصطناعي واحدًا من تطوُّرات العصر، ويبقى هذا التطوُّر بابًا نحو العديد من المجالات التي تنفتح عليها الرؤية، لا سيما بين الحكومات والأنظمة العالمية، على رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبية وآسيوية أخرى، التي صارت تخطط، بل باتت في وضع استعداد تام وشبه جاهزية لإرساء تنسيقات على هذا النحو. فالتطوُّر الجديد ليس فقط لمجرَّد كاتبة نص أو مقال أو إنتاج محتوى على وسائط الميديا الترفيهية، لكنَّه منظومة كاملة، باتت تسير عليها الدول العظمى والمتطلّعة نحو المستقبل.
توقعات استثمارية ضخمة
تشير التوقعات إلى تسارع الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024 بزيادة قدرها 4% مقارنةً بعام 2023، وفقًا لتقديرات شركة جارتنر. من المتوقع أن يصل إجمالي إنفاق المنطقة على تكنولوجيا المعلومات إلى 183.8 مليار دولار في العام الحالي، مقارنةً بـ 176.8 مليار دولار في العام السابق. وعلى الصعيد العالمي، يُتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات نحو 5.1 تريليونات دولار، ما يعكس دور التكنولوجيا المتنامي في تحفيز الاقتصاد الرقمي ودعم مبادرات التحول الرقمي على المستوى الإقليمي والدولي.
المملكة العربية السعودية: البروز في مقدمة روَّاد الذكاء الاصطناعي
مع ظهور عدد من الدول العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، ونيتها استثمار 100 مليار دولار من خلال صندوق يركز على التصنيع المستدام، فإن هذا المبلغ الكبير من رأس المال يجعل الفكرة ليست مجرد حالة ترفيهية، بل خطوات مدروسة نحو مستقبل يُعدُّ واعدًا في أفق التطور التكنولوجي والحكومات المعتمدة على الحوكمة.
وتسعى السعودية لتصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن كونها اقتصادًا قائمًا على النفط فقط، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل كبير في السياسة الخارجية والداخلية للمملكة. وسوف يؤدي ذلك إلى تكثيف المنافسة في منطقة الخليج العربي لجذب الاستثمارات من الصين والولايات المتحدة وغيرها من القوى التكنولوجية.
دول أخرى في المقدمة
قطر: استثمار رائد في الذكاء الاصطناعي
برزت قطر كقوة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث استثمرت 2.5 مليار دولار في هذه التكنولوجيا بهدف تحفيز الابتكار ودعم خططها الاقتصادية الطموحة. من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطر إلى 1.9 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ 28.7%. ويتضمن هذا الاستثمار برامج لتطوير المدن الذكية، مثل مدينة لوسيل، التي تستفيد من أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة. وتمثل هذه الاستثمارات جزءًا من جهود قطر لبناء اقتصاد ذكي ومستدام، مع توقعات بأن تصل الاستثمارات الرقمية إلى 5.7 مليارات دولار بحلول عام 2026.
الإمارات: استثمارات سنوية ضخمة في الابتكار
تستثمر الإمارات العربية المتحدة 3 مليارات دولار سنويًا لتعزيز الابتكار، وتهدف خطتها للذكاء الاصطناعي لعام 2031 إلى دمج هذه التقنية في جميع الخدمات الحكومية. ومن المتوقع أن يسهم هذا القطاع بما يقارب 98 مليار دولار في اقتصاد البلاد بحلول عام 2030. كما تدعم الإمارات قطاعات الروبوتات والأتمتة من خلال مبادرات مثل برنامج دبي للروبوتات، الذي يسعى لجعل دبي واحدة من أفضل عشر مدن عالمية في هذا المجال، مما يعزز مكانة الإمارات كوجهة رائدة في التحول الرقمي والتكنولوجي.
الكويت: رؤية 2035 للتحول الرقمي
تركز رؤية الكويت 2035 على تحويل البلاد إلى مركز مالي إقليمي، حيث يتوقع أن تنمو سوق تكنولوجيا المعلومات إلى 39.8 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. ويعد التحول الرقمي جزءًا محوريًا من الرؤية، ويشمل تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز خدمات الجيل الخامس، وتوسيع خدمات الاتصالات المتقدمة. كما يتيح اتصال الجيل الخامس، الذي يغطي حوالي 97% من السكان، توفير بنية تحتية داعمة للاقتصاد الرقمي في الكويت.
مصر: استراتيجية شاملة للذكاء الاصطناعي
أطلقت مصر استراتيجية تستهدف توفير مليون فرصة عمل في مجالات التكنولوجيا، مع توقع وصول صادراتها الرقمية إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026. وتركز مصر على تعزيز البنية التحتية الرقمية عبر توسيع نطاق الإنترنت عالي السرعة، واستبدال شبكات النحاس بكابلات الألياف الضوئية. ويتوقع أن يسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات بنسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع دور كبير للذكاء الاصطناعي في تنويع الاقتصاد المصري وتعزيز الابتكار.
المغرب: طموحات إقليمية في الذكاء الاصطناعي
يسعى المغرب إلى تعزيز دوره الإقليمي في الذكاء الاصطناعي من خلال استثمارات استراتيجية يتوقع أن تصل بسوق الذكاء الاصطناعي إلى 1.15 مليار دولار بحلول عام 2030. وتدعم “مبادرة حركة الذكاء الاصطناعي” بجامعة محمد السادس التنمية المهارية والابتكار في المغرب، مع تركيز على القطاعات الحيوية مثل الزراعة والطاقة والصحة.
جاهزية الدول لاستقبال الذكاء الاصطناعي
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار يحذر من المخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بطرق غير آمنة أو خبيثة، مشددة على أهمية توافق هذه التكنولوجيا مع القانون الدولي وضمانات الأمان. والقرار، الذي اقترحته الولايات المتحدة ولاقى دعمًا كبيرًا من الدول الأعضاء، يشير إلى أن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي قد تعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
“أنْ نحكمه ولا يحكمنا”
وفي تصريحات عقب اعتماد القرار، أكدت ليندا توماس غرينفيلد، الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أن جميع أعضاء الجمعية العامة الـ193 اتحدوا على ضرورة “التحكم في الذكاء الاصطناعي بدلًا من السماح له بالتحكم فينا”.
وتضمن قرار الجمعية العامة تشجيع تطوير نظم الذكاء الاصطناعي المأمونة والموثوقة بهدف تسريع تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة. ودعا القرار الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة إلى تبني أطر تنظيمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي، مما يضمن استخدامًا أخلاقيًا وآمنًا لهذه التكنولوجيا.
كما حثت الجمعية العامة على تعزيز التعاون مع الدول النامية وتقديم الدعم اللازم لها، لضمان وصول شامل ومنصف إلى فوائد التحول الرقمي ونظم الذكاء الاصطناعي.
قمَّة سول وما طمحت إليه
عقدت كوريا الجنوبية قمة دولية، تحت عنوان “سول”SEOUL ؛ لوضع خطة عمل تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل مسؤول في المجال العسكري، وفقًا لتقرير وكالة رويترز. وشهدت القمة حضور ممثلين حكوميين من أكثر من 90 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وناقشت على مدار يومين في العاصمة سول مواضيع تتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الدفاعي، مع التأكيد على أهمية وضع ضوابط لضمان الاستخدام الآمن والمراقب لهذه التقنية المتطورة.
خرجت القمة بتوصيات متعددة، أهمها تغطية الجوانب القانونية لضمان الامتثال للقانون الدولي، وتحديد آليات تمنع اتخاذ قرارات تتعلق بالحياة والموت دون إشراف بشري مناسب. وهدفت القمة، التي استضافتها كوريا الجنوبية بالتعاون مع هولندا وسنغافورة وكينيا والمملكة المتحدة في سبتمبر 2024، إلى تعزيز دور الحكومات في حوكمة مجال الذكاء الاصطناعي الذي يهيمن عليه القطاع الخاص، لكنها شددت على أن الحكومات تظل المسؤولة الأساسية في اتخاذ القرارات ذات الصلة.
وبرغم التخوُّفات، فإنَّ أقدامًا وخُطى تسير بثبات نحو هذا التطوُّر، ويتم التعامل معه بحكمة لا تخلو من السعي نحو الضمانات الاقتصادية والقانونية، بل والإنسانية.
إذًا.. هل من مشكلة محتملة؟
مع تسارع اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي في القطاعات الحكومية لتبسيط العمليات وزيادة كفاءة الموظفين، تواجه الحكومات تحديات معقدة تتطلب حوكمة قوية لتحقيق الاستخدام المسؤول لهذه التقنية. إذ يرافق هذا التطور الهائل مخاطر عديدة، مثل احتمالية تقديم خدمات متحيزة أو تعرض الأنظمة لنقاط ضعف أمنية سيبرانية، بالإضافة إلى انتشار المعلومات المضللة.
لمعالجة هذه التحديات، تحتاج الحكومات إلى تبني استراتيجية تدريب شاملة لموظفيها تمكنهم من التعامل الفعّال مع البيانات، وتوقع المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا الجديدة بشكل استباقي.
هكذا قالها “ناعوم تشومسكي”
في مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، يناقش الفيلسوف نعوم تشومسكي والبروفيسور إيان روبرتس والدكتور جيفري واتومول، الفارق الجوهري بين الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “شات جي بي تي” والعقل البشري. ويشير تشومسكي وزملاؤه إلى أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على أداء مهام معينة بسرعة فائقة، لا يقترب من فهم اللغة كما يفعل العقل البشري. الذكاء الاصطناعي يعتمد على كمية هائلة من البيانات لتقديم الإجابة الأكثر احتمالية، في حين أن العقل البشري يستند إلى قواعد فطرية ومعرفة متأصلة تجعله قادرًا على تفسير الأحداث بطرق لا تعتمد على بيانات ضخمة.
يؤكد الكُتّاب أن أحد أهم سمات الذكاء البشري هو القدرة على التفسير السببي؛ أي تفسير الأحداث بناءً على مبادئ منطقية تسمح بالتنبؤات والتوقعات. على سبيل المثال، يفهم البشر سقوط التفاحة كظاهرة سببها قوة الجاذبية، وليس كحدث عرضي. على العكس، الذكاء الاصطناعي، وفقًا للمقال، لا يمتلك هذه المقومات؛ إذ يستطيع تعلم معلومات متناقضة، كفكرة أن الأرض مسطحة أو كروية، من دون أن يكون قادرًا على تحديد الحقيقة بناءً على سياق معرفي أوسع.
ختامًا، يُعد الذكاء الاصطناعي مشروعًا مستمرًا، وتطوره لن يظل مجرد أحلام أو طموحات غير واقعية، بل سيكون مدعومًا بحكمة رشيدة ورؤى علمية تتعامل مع التحديات. بذلك، ستُكتب قصة التقنية في القرن الحالي بأكمل وجه وأتمه.