مهارات القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أي مدى؟

11

AI بالعربي – متابعات

يمكن تعريف القيادة بأنها إحدى الصفات الأساسية للشخص الفعّال في مجاله، القادر على إدارة الأمور بكفاءة وجودة تتفوق على قدرات المدير أو المسؤول الإداري المعين من قبل الإدارة العليا. وغالبًا ما تكون هذه التعيينات مرتبطة بأطر ومبررات محددة وفق لوائح الترقيات. ومع ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت توجد في البيئة الرقمية، بدأ مفهوم القيادة يتطور ليصبح أكثر عمقًا، مما يجعل هذا المصطلح ليس مجرد مسمى، بل حالة تعكس جهودًا مضنية.

ماذا لدينا عن القيادة؟

القيادة هي العملية التي توجه الأفراد داخل المنظمة نحو تحقيق الأهداف المنشودة. القائد، بدوره، هو “الشخص الذي يؤثر في مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف معين”. يُعتبر القائد النموذجي الشخص الذي يتقدم الصفوف ويقود الآخرين من خلال المثال الشخصي، مما يشكل دافعًا للآخرين لاتباعه. ولتحقيق هذه المكانة القيادية، يجب أن يتحلى الشخص بالتزام عميق تجاه الهدف الذي يسعى لتحقيقه، حتى لو لم يحظَ بدعم الآخرين في البداية.

القيادة في العصر الرقمي

القيادة في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي تتطلب مهارات جديدة تتجاوز النماذج التقليدية، حيث أصبح على القادة التكيف مع تقنيات متطورة وتوجيه فرق العمل في بيئات رقمية ديناميكية. يعتمد القائد العصري على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واتخاذ القرارات المستنيرة، مما يساهم في تعزيز الابتكار وتحسين الأداء. كما تبرز أهمية القائد في بناء ثقافة رقمية تشجع على التعلّم المستمر والتكيف السريع مع التغيرات التقنية. بجانب ذلك، يجب أن يتمتع القائد بفهم عميق لتحديات الذكاء الاصطناعي وتأثيره على القوى العاملة، مع السعي لدمج التقنيات الحديثة بطرق تدعم أهداف المنظمة وتحقق التوازن بين التكنولوجيا والبشرية.

يمكننا فهم القيادة على أنها خُلُق يتمتع به أي شخص في أي موقع، سواء كان مديرًا أو غيره. فهي تعكس العديد من الجوانب الفطرية الموجودة في سلوك الإنسان وطباعه. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر القيادة مهارات يمكن التدريب عليها وتعلمها، مما يمكن الأفراد من الوصول إلى مستويات مُرضية في ممارستها وتحقيق الأهداف المرجوة منها.

مواصفات القائد الناجح

يمكن القول إن الفرق الشائع بين القيادة والإدارة يبرز في الصفات الأساسية للقائد الناجح الذي يمتلك مهارات فعّالة. القائد بالفطرة يمتلك جينات القيادة التي ينميها من خلال التعلم والخبرات العملية، حتى لو لم يكن حاصلًا على مؤهل علمي عالٍ. فهو يعمل على شحذ همم فريقه وتعزيز إنجازاتهم، ويعتمد روح الفريق، مبتكرًا ومبدعًا في كسر الروتين والبيروقراطية، ساعيًا لتطوير الأداء وتحقيق النجاح الجماعي.

على الجانب الآخر، قد يصل المدير إلى منصبه بفضل ترتيب تنظيمي أو استحقاق، وقد يمتلك مؤهلات علمية، لكنه قد لا يمتلك مهارات القيادة الحقيقية. يميل المدير إلى تثبيط فريقه من خلال الروتين وتعقيد الإجراءات، ويركز على مصلحته الشخصية، مما يؤدي إلى إخفاء التوجهات والأهداف عن الفريق. هذا يخلق بيئة محبطة ومركزية تعتمد على الأوامر.

تضع جميع هذه الفروق القيادة في إطار المسؤولية والتكليف، بعيدًا عن التشريف الذي يسعى إليه بعض الأشخاص. فالقائد الفعّال يسعى دائمًا نحو تطوير مهاراته والتعلم المستمر، وهو ما يتجلى في تفاعله مع المستجدات. القائد هنا يتسم بالمرونة والانفتاح، بينما قد يرى المدير في هذه المستجدات نوعًا من الازدواجية التي يخشاها، مما يجعله يخاف من فقدان مكانته.

الذكاء مقابل ما يمتلكه الإنسان

  • الأنظمة الخبيرة: تُعتبر الأنظمة الخبيرة نوعًا متقدمًا من نظم المعرفة، تهدف إلى تقليد خبرات المتخصصين لمساعدة المنظمات في اتخاذ قرارات فعالة. وتعتمد هذه الأنظمة على تحليل البيانات وتقديم نصائح مدعومة بالمعرفة، مما يسهل حل المشكلات المعقدة بسرعة وكفاءة أكبر من الخبراء البشريين. تتكون عادة من واجهة مستخدم، وقاعدة معرفة، وآلات استدلال وتحديث، وتُستخدم في مجالات متنوعة مثل الطب والكيمياء والمحاسبة.
  • الشبكات العصبونية: تمثل الشبكات العصبونية نظام معالجة معلومات مستوحى من الجهاز العصبي المركزي، تهدف إلى تعليم الحاسوب التفكير عبر محاكاة تفاعل العصبونات. تطورت هذه الفكرة منذ الأربعينيات، وتتكون الشبكات من ثلاث طبقات: المدخلات، والطبقة الخفية، والمخرجات، حيث ترتبط العصبونات عبر وصلات ذات أوزان معينة. تسمح هذه الهيكلية بإجراء عمليات معقدة وتحليل البيانات بشكل فعّال.
  • الخوارزمية الجينية: الخوارزمية الجينية هي نوع من برامج الكمبيوتر تحاكي العمليات البيولوجية، وتستند إلى مفهوم الانتقاء الطبيعي لحل المشكلات. ظهرت في عام 1975 على يد جون هولاند، وتُستخدم بشكل واسع في مجالات الأعمال والمالية لحل مشكلات معقدة تتطلب تحسين الأداء. وتعتمد على محاكاة الجينات الوراثية لتوليد حلول مثلى، وتعتبر جزءًا من الخوارزميات التطورية.
  • الوكيل الذكي: الوكيل الذكي هو كائن قادر على إدراك بيئته والتفاعل معها باستخدام مستشعرات وآليات تنفيذ. يتضمن سلوك الوكيل الذكي مكونات رئيسية مثل الإدراك، الذي يشمل البيانات المستقبلة، وردة الفعل، التي تمثل الأفعال التي يقوم بها الوكيل. الوكيل العقلاني يتصرف بطريقة منطقية تتوافق مع أهدافه، مما يجعله نموذجًا متقدمًا من الذكاء الاصطناعي.

القيادة والذكاء الاصطناعي  

صارت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تمتد لتشمل مجالات متعددة في علوم الحاسوب، سواء من ناحية العتاد أو البرمجيات. بشكل خاص، نجد تطبيقاته تبرز في مجالات مثل البيولوجيا، وعلم النفس، والرياضيات، بالإضافة إلى مجالات أخرى تركز على دراسة بنية ووظائف الدماغ البشري؛ وذلك لفهم آليات التفكير والتعلم والاستنتاج وتخزين ومعالجة المعلومات والمعرفة. كما تتضمن هذه التطبيقات تصميم واجهات بينية متطورة وخلق بيئات واقع افتراضي قادرة على محاكاة الذكاء البشري، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.

من هنا، يبدو أن مهارات القيادة المعتمدة على كفاءة وتطوير العمليات السابقة أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بالتطورات التكنولوجية. لكن السؤال يبقى: هل سيختفي القائد، أم ستندثر القيادة؟

واقع الأمر لا يمكن الرد على السؤال بـ”نعم” أو “لا”، وكفى، بل علينا التدقيق في درجة ومدى تطوير هذه مهارات القيادة، والنظر إلى حد تتلاءم مع قدرات هذا الذكاء. فالخيل نركبها، والسيارة مهما بلغت كفاءتها فنحن نقودها. لكنَّ الرهان يكون على القائد على الشخص الذي يمارس هذه القيادة، وكيف يكون ذكاؤه؟

في ورقة بعنوان “Leadership in an Artificial Intelligence Era” تم تقديمها إلى مؤتمر القيادة ” Leading Change Conference ” بجامعة “James Madison University” بفيرجينيا الأميركية عام 2021، فإنَّ الذكاء الاصطناعي ينقسم إلى نوعين رئيسيين: الذكاء الاصطناعي العام (القوي) والذكاء الاصطناعي الضيق (الضعيف). ويتميز الذكاء الاصطناعي القوي بقدرته على التعلم الذاتي وتجاوز تصميمه الأصلي، حيث استطاع التفوق على البشريين. في المقابل، يُعتبر الذكاء الاصطناعي الضعيف برنامجًا معقدًا يمكنه حل مشكلات محددة في مجالات ضيقة، لكنه لا يزال يعتمد على البرمجة البشرية.

الأمر هنا أصبح أكثر وضوحًا: فالذكاء الاصطناعي، رغم كونه تطبيقًا متقدمًا، يحمل مخاطر تهدد من يعتمد عليه دون تدقيق وتمحيص في اتخاذ القرارات، بغض النظر عن كفاءة شبكاته العصبونية أو خوارزمياته؛ حيث يبقى الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد.

علاوة على ذلك، ساهم التأثير الإعلامي في تضخيم هذه المخاوف، فقامت الصحافة ووسائل الإعلام بصناعة المشكلة، مما أعاد مخاطر سيطرة الآلة إلى دائرة الضوء. هذا أثار تساؤلات حول مستقبل العديد من المفاهيم، بما في ذلك القيادة في العصر الرقمي.

لذلك، هناك توصيات موجهة لصانعي السياسات والممارسين بضرورة التركيز على القضايا الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قبل أن يتحول إلى ذكاء قوي.

لكن، كيف نحدد سمات القيادة الناجحة في عهد الذكاء الاصطناعي؟

أشارت دراسة بعنوان “أثر القيادة في نجاح التحول الرقمي: دراسة تطبيقية بمستشفى الملك خالد في منطقة تبوك – المملكة العربية السعودية”، التي نُشرت في المجلة العربية للإدارة التابعة للمنظمة العربية للتنمية الإدارية، إلى التأثير الإيجابي للقيادة الناجحة في عصر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.

وأكدت الدراسة أهمية النظر إلى الأبعاد المختلفة للقيادة، مثل رؤية القائد، وقيادة التغيير الثقافي، وتمكين الموظفين؛ حيث يمكن أن تحقق القيادة تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا في المؤسسات. فمن خلال تقديم رؤية واضحة، يستطيع القائد توجيه الفريق نحو أهداف مشتركة وتعزيز الإلهام والابتكار. كما تسهم قيادة التغيير الثقافي في خلق بيئة عمل مرنة تدعم التكيف مع التحديات الجديدة، مما يعزز القدرة على التحول الرقمي.

علاوة على ذلك، فإن الدراسة المنشورة في ديسمبر 2024، أكَّدَت أنَّ تمكين الموظفين يشجع على الإبداع والمبادرة، مما يزيد من إنتاجية العمل ويعزز الروح المعنوية. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الإدارة الفعالة للعلاقات مع العملاء وأصحاب المصلحة دورًا حيويًا في ضمان النجاح في التحول الرقمي، حيث يسهم التواصل الجيد في بناء الثقة وتحقيق رضا العملاء. وبذلك تبرز القيادة كعامل أساسي في تحقيق التحولات المطلوبة وتحقيق النجاح المُستدام.

سمات القيادة في عهد الذكاء الاصطناعي

  • الحدس: الحدس هو قدرة فطرية يمتلكها البشر، تتفوق على ذكاء الآلات في تقييم الأنماط طويلة المدى وتنبؤات القادة. ويتطلب تحقيق أهداف المنظمة رؤى قيادية مبنية على خبرة سنوات في مجالات متعددة مثل الأعمال والظروف الاجتماعية.
  • المسؤولية الأخلاقية: الذكاء الاصطناعي لا يتحمل المسؤولية الأخلاقية لتبعات قراراته، مما يجعل الحكم الأخلاقي مهارة بشرية. ويجب على القادة التأكد من توافق قراراتهم مع القيم والأهداف التنظيمية.
  • إثراء الأخلاقيات: هناك أخلاقيات كالمرونة، وخلق بيئات عمل آمنة بتطبيق روح القواعد، وتقدير المسؤوليات مع الشجاعة في اتخاذ القرار، والشفافية، والتكيُّف مع أجواء العمل، كلها سلوكيات لا يتعامل معها الذكاء الاصطناعي إنسانيًا، فحين يطبقها المسؤول في موقعه سسيكون ناجحًا لأبعد مدى.
  • الذكاء العاطفي: الذكاء العاطفي هو مهارة حيوية للقادة، تُعرف بقدرة الأفراد على التعرف على عواطفهم وعواطف الآخرين. ووفقًا لاستطلاع Capgemini، يُعتبر الذكاء العاطفي مهارة ضرورية في عصر الذكاء الاصطناعي، مع توقعات بزيادة الطلب عليها بشكل كبير.
  • التفكير النقدي والإبداعي: التفكير النقدي يتضمن تحليل المشكلات من جميع الجوانب باستخدام الحقائق والمعرفة. هذه القدرة على التفكير بشكل منطقي وإبداعي لا تزال حكرًا على البشر، خاصة في تطوير حلول جديدة في عالم سريع التغير.

ختامًا، كل ما سلف من سمات هي في الواقع مهارات يمكن اكتسابها وتعلُّمها بالتدريب، وسيظل مفهوم القيادة يحيط ويحدُّ حدود تطبيقات الذكاء الإصطناعي لطالما كانت الإنسانية والالتزام متوافرين في عالمٍ أكثر ذكاء ونجاحًا، تتحدد على أساسهما القدرات والإمكانيات.

اترك رد

Your email address will not be published.