الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية: مفتاح تحول قطاع التصنيع في السعودية

17

خالد الشامي

تسهمُ التقنياتُ الرقميةُ المتقدمة في تحوّل قطاع التصنيع على مستوى المملكة العربية السعودية، من خلال تسهيلِ الاتصال والأتمتة والذكاء الاصطناعي، ممَّا يعزّز كفاءة الإنتاج والإنتاجية ومرونة الأعمال، وذلك وفقًا لتقرير حديث صادر عن مركز الثورة الصناعية الرابعة في المملكة.

وبالنظر إلى المستقبل، سيسعى برنامج “مصانع المستقبل” في السعودية إلى تعزيز هذا الزخم، من خلال تطبيق أفضل الممارسات العالمية للثورة الصناعية الرابعة وتعميق التحول الرقمي في القطاع.

كما يتجلَّى التزام المملكة بالنُّمو الصناعي من خلال استراتيجيتها لـ”رؤية 2030″، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية؛ إذ تهدف هذه الخطة الطموحة إلى توسيع مساهمة قطاع التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، من خلال زيادته ثلاثَ مراتٍ ليصل إلى أكثر من 238 مليار دولار أميركي، فضلاً عن مضاعفة الصادرات الصناعية غير النفطية لتصل إلى 149 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030.

وكجزء من هذه الاستراتيجية، أدركت المملكة العربية السعودية فرصة أنْ تصبحَ موطنًا للشركات المصنعة المتقدمة التي تضع التكنولوجيا الرائدة في صميم نجاحها. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، يتعيَّن على الشركات المصنعة في المملكة أن تتبنى الثورة الصناعية الخامسة؛ إذ تصبح التكنولوجيا أكثرَ ذكاءً، ويستفيد العمال من أدواتٍ تعزز إنتاجيتهم بشكل غير مسبوق.

في إطار الثورة الصناعية الخامسة، سيصبح الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة، وإنترنت الأشياء، جزءًا أساسيًا من عمليات التصنيع. ومع ذلك، فإنَّ هذا التحول لا يقتصر على استبدال العمالة البشرية، بل سيسهم في تحقيق مكاسب كبيرة في الاستدامة والكفاءة والإنتاجية من خلال تمكين البشر بالتكنولوجيا.

ويعد الذكاءُ الاصطناعي التوليدي محركًا رئيسيًا في هذا السياق؛ إذ يعزّز استخدام التكنولوجيا ويتيح تنفيذ المهام المعقدة من خلال اللغة الطبيعية. وتدرك الشركات السعودية بوضوح إمكانات هذه التكنولوجيا؛ إذ تخطط 68% منها لتبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي في أكتوبر من هذا العام.

الإنسان + الآلة: مزيج قوي

من خلال استخدام الذكاءِ الاصطناعي أداةً لتمكين الموظفين، يمكن للمصنعين السعوديين معالجة بعض من أكبر التحديات التي يواجهها القطاع.

تعد أزمة نقص العمالة في السعودية مثالًا بارزًا، حيث تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها، وتواجه نقصًا حادًا في المهارات، خاصة في المجالات التي تتطلَّب مهاراتٍ متخصصة مثل التصنيع المتقدم.

يساعد التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في مواجهة هذا التحدي؛ إذ يدعم كل عنصر الآخر. يجلب الموظفون مهارات مثل القدرة على التكيّف والإبداع وحل المشكلات، في حين يتفوق الذكاء الاصطناعي في السرعة والدقة في معالجة المهام. من خلال العمل بهذه الطريقة، يصبح الموظفون أكثر إنتاجية، ويشعرون بالرضا في عملهم، في حين تنخفض أخطاء الإنتاج.

إنَّ مرونة سلسلة التوريد تُعد مثالًا بارزًا آخر. ففي ظل التوترات الجيوسياسية الأخيرة والهجمات على الشحن في البحر الأحمر، تشعر الشركات المصنعة في الشرق الأوسط بقلقٍ متزايد بشأن استقرار سلسلة التوريد. ويأتي الذكاء الاصطناعي حلاً فعالاً في هذا السياق؛ إذ يتيح لصنّاع القرار الاستفادة من التحليلات في الوقت الفعلي والرؤى المستندة إلى البيانات لاتخاذ قرارات أكثر دقة. يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بمشكلات سلسلة التوريد وتقديم تحذيرات مبكرة بشأن التأخيرات أو النقص. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرةٌ على تحليل البيانات التاريخية والحالية للتنبؤ بالطلب، وتحسين إدارة المخزون وعمليات الإنتاج في الوقت المناسب.

اتخاذ الخيارات التكنولوجية الصحيحة

إذا أراد المصنعون السعوديون تحقيق أقصى قدر من الفاعلية والإنتاجية من التعاون بين الإنسان والآلة، فإنَّ اتخاذ الخيارات التكنولوجية المناسبة، لا سيما فيما يتعلَّق بأنظمة الإدارة المتكاملة، يُعد أمرًا حاسمًا.

معايير أساسية يجب على المصنّعين مراعاتها

أولًا: ينبغي أن تكون البنية التحتية الخاصة بهم مرنة وقابلة للتطوير، ما يمكّنهم من التكيّف بسهولة مع تغيرات السوق والاضطرابات غير المتوقعة في سلسلة التوريد. ومن الضروري إنشاء منصة مؤسسية تتيح رؤية في الوقت الفعلي لعملياتهم، وتعزز التعاون بين الفرق المختلفة. هنا، يمكن للذكاء الاصطناعي المتطور أن يلعب دورًا حيويًا في تسهيل العمليات من خلال إدارة المهام وتنظيم الجداول الزمنية بكفاءة.

ثانيًا: يجب على المصنعين تبنّي نهج “السحابة أولًا”. من خلال هذا النهج، يتمكنون من تقليل الاستثمار الرأسمالي الضخم، وتحرير موارد تكنولوجيا المعلومات التي كانت تُستهلك في صيانة البنية التحتية التقليدية، مما يتيح توجيه هذه الموارد نحو مشاريع ذات قيمة أعلى، مثل تحسين الكفاءة التشغيلية أو تعزيز تجربة العملاء. كما أنَّ الحلول السحابية توفر مستوى أمنيًّا متقدمًا لحماية البيانات والأنظمة الحساسة.

بناء مستقبل الذكاء الاصطناعي على أسس قوية

يَعِد الذكاء الاصطناعي بتحقيق تحول جذري في قطاع التصنيع. ومع ذلك، لتحقيق هذا التحول بشكل كامل، يحتاج المصنعون السعوديون إلى بناء أسس متينة من خلال اتخاذ قرارات استثمارية ذكية. الشركات التي تتجاوز البحث عن الكفاءة وتتبنى الابتكارات المتقدمة، التي تجعل من الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأساسية للثورة الصناعية الخامسة حجر الزاوية في استراتيجياتها، ستكون الأفضل استعدادًا للازدهار في المستقبل. ومع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، قد يجد منافسوهم صعوبة متزايدة في مواكبة هذا التحول.

المصدر: الشرق الأوسط

اترك رد

Your email address will not be published.