استدامة بناء المساجد.. الذكاء الاصطناعي وإعمار بيوت الله
AI بالعربي – متابعات
يدرك المسلم أن إعمار بيوت الله يعد من الأعمال العظيمة التي تجمع بين الأبعاد الدينية والدنيوية. فبناء المساجد يسهم في تعزيز العبادة والثقافة، خاصة عندما يتماشى مع النظام الذي تسير عليه الدولة. ويعتبر تطوير المساجد جزءًا أساسيًا من مسيرة الإعمار. لذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي، وما يقدمه من أدوات مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد، واقعًا ملموسًا في الدول التي تسعى إلى النمو والتقدُّم.
تنفق العديد من الدول العربية أموالها وتذلل اقتصادها في مجال البناء والتشييد، فنجد هذه الدول والأنظمة ترفع شعار التعمير رايةً لها، لتستلهم التجارب وتجعل منها واقعًا يعايشه مواطنوها.
مسجد مشروع “الجوهرة”
في خطوة تعكس التطور التكنولوجي في مجال البناء، شهدت مدينة جدة السعودية، مارس 2024، افتتاح أول مسجد في العالم يتم بناؤه باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تعد من أبرز تقنيات الجيل الرابع في الهندسة المعمارية. يمتد المسجد على مساحة تبلغ 5.600 متر مربع، ويعتبر إنجازه جزءًا من مشروع “الجوهرة” الضخم في محافظة جدة. تم افتتاح المسجد، الذي يُعرف باسم مسجد عبدالعزيز عبدالله شربتلي، بعد أن استغرقت عملية بنائه 6 أشهر.
تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التي استخدمت في بناء المسجد تعتمد على طابعات متقدمة تعمل بسرعة وكفاءة، حيث أشرفت شركة “جوانلي” الصينية، الرائدة في تصنيع هذه الطابعات، على تنفيذ المشروع. هذه التقنية تعزز من سرعة البناء وتقلل من الاعتماد على العمالة البشرية بشكل كبير، مما يفتح آفاقًا جديدة لبناء المباني الدينية وغيرها في المستقبل بطريقة أكثر استدامة. كما يُعد هذا المشروع جزءًا من سلسلة من التطورات في المنطقة التي تهدف إلى تبني أحدث التقنيات في مختلف القطاعات.
أيضًا، كانت شهدت الرياض أول تجربة ناجحة لبناء منزل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في يناير 2022، مما يعزز دور هذه التقنية في تغيير مستقبل البناء. هذه الآلة الرقمية تقوم بخلط المواد وصبها وفقًا لمخططات مبرمجة مسبقًا، دون الحاجة إلى استخدام القوالب التقليدية أو التدخل البشري المباشر، مما يجعلها تقنية فعالة وموفرة للوقت والجهد.
أسرع بناء لمسجد في دبي 2025
يُذكر أن إمارة دبي أيضًا أعلنت عن خطط لبناء مسجد بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على مساحة 185 مترًا مربعًا، يتسع لـ600 مصلٍ، ومن المتوقع الانتهاء منه في عام 2025. هذا التوجه الجديد في البناء ليس مقتصرًا على المساجد فقط، فقد شهدت السعودية إنشاء مبنى صناعي خرساني باستخدام نفس التقنية في الطائف عام 2023، والذي تم تشييده بسرعة كبيرة بفضل دقة وكفاءة الطابعات المستخدمة.
نموذج مسجد الكريستال في ماليزيا
يُعد مسجد الكريستال واحدًا من أبرز المعالم الدينية في جنوب شرق آسيا، حيث يحتل المرتبة الثانية من حيث الحجم في تلك المنطقة. يقع المسجد في مدينة كوالا تيرينجانو بشمال شرق ماليزيا، وتحديدًا على بحيرة بوترا جايا الاصطناعية في حديقة التراث الإسلامي. تأسس المسجد بتوجيه من السلطان ميزان زين العابدين في عام 2006، واستغرق بناؤه عامين ليتم افتتاحه رسميًا في 8 فبراير 2008.
يتميز مسجد الكريستال، الذي اعتمد بناؤه على بدايات تقنية ذكية، بتصميمه المعماري الفريد واستخدام مواد حديثة في بنائه، مما يجعله تحفة معمارية تلفت الأنظار. يقع المسجد في موقع استراتيجي محاط ببحر الصين من ثلاث جهات، مما يمنحه مشهدًا خلابًا يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. كما أن قدرته الاستيعابية الكبيرة التي تصل إلى أكثر من 15 ألف مصلٍ تعزز من مكانته كمركز ديني مهم.
المسجد مجهز بأحدث التقنيات، حيث يوفر شبكة “واي فاي” تتيح للزوار استخدام الإنترنت وتصفح المصاحف الإلكترونية، بالإضافة إلى تقديم كتب ومعلومات إلكترونية تساعد المصلين والزوار على الاستفادة الكاملة من خدمات المسجد. ولعل ما يزيد من جمال المسجد هو مشهده الليلي، حيث تضيء كشافات الضوء لتعكس بريق الكريستال، مما يجعل المبنى يبدو وكأنه قطعة من القمر نزلت على الأرض.
ليست أحلام الخيال العلمي
جسدت العديد من التجارب دور الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، مما أخرجها من عالم الأحلام والأوهام السينمائية إلى واقع ملموس. أصبحت هذه التكنولوجيا جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، بما في ذلك العبادة والصلاة، خصوصًا في الدول العربية والإسلامية. وقد سعت هذه الدول من خلال هذه المبادرات إلى تأسيس نهج مستدام يعزز من حيوية الحياة في هذه المجتمعات.
منحى إنساني
تسهم هذه التجارب في تعزيز الجانب الإنساني من خلال تهيئة نفسية ومجتمعية للمواطنين في هذه المجتمعات. وكذلك تسهم في جعل التفاعل مع هذه التكنولوجيا أكثر سلاسة، مما يقلل من احتمالية حدوث صدمة حضارية. وبالتالي، فإن سهولة دخول هذه التكنولوجيا ستجنبنا مخاطر مصطلحات مثل الغزو التكنولوجي وانحسار التقليد، مما يعني الانغماس في الحياة حقًّا في هذا الواقع.
تشير تقارير رسمية صادرة عن الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة في عام 2020، إلى أن قطاع البناء والتشييد مسؤول عن 38% من إجمالي انبعاثات الكربون في العالم. وهذا يعني أن هذه النسبة ستؤثر على كيفية التخطيط لتشييد المساجد في المستقبل.
ستسهم النظرة المستقبلية في جعل بناء المساجد ودور العبادة جزءًا من جهود الإعمار السريع والحيوي. وستركز هذه الجهود الحكومية على تشييد أماكن العبادة تحت إشراف متخصص، بعيدًا عن التصميم العشوائي الذي قد يتبعه بعض الأهالي. كما سيدعم ذلك البحث عن المواقع الأنسب لبناء بيوت الله، مع اعتماد أساليب أكثر استدامة تتماشى مع القيم الروحية للأجيال القادمة.