مهما كان رائعًا .. الذكاء الاصطناعي لا يضاهي الحس الصحافي

36

دانيال توماس ومادوميتا مورجيا

تمثل الصفقة التاريخية لترخيص المحتوى بين شركة النشر الألمانية أكسل شبرينغر وشركة أوبن أيه أي المدعومة من مايكروسوفت اختراقا كبيرا في الجهود التي تبذلها صناعة الإعلام لتأمين مستقبلها التجاري مع قيام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بقفزتها الجيلية المقبلة.

فالمجموعات الإعلامية لا تواجه تهديدا وجوديا من الذكاء الاصطناعي التوليدي فحسب، الذي ينتج نصوصا وصورا وصوتيات وفيديو لا يمكن تمييزه عن تلك التي ينتجها البشر، بل إنها تقاتل حول استخدام شركات التكنولوجيا الكبرى لمحتواها لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي.

وركز المسؤولون التنفيذيون خلال الأشهر القليلة الماضية على ضمان أن تقدم شركات التكنولوجيا الكبرى، على عكس الأعوام الأولى من ظهور الإنترنت، تعويضا عادلا لصناعة الإعلام.

ويخضع اتفاق هذا الأسبوع للتدقيق من قبل الناشرين المنافسين بوصفه خريطة طريق محتملة للكيفية التي ستنجح بها العلاقة في المستقبل.

ستسمح الاتفاقية، التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من اليوروات سنويا، للشركة التي أنشأت تشات جي بي تي باستخدام محتوى من أسماء مثل بوليتيكو وبيلد وبيزنيس إنسايدر. وتعكس كثيرا مما كانت الصناعة محتارة بشأنه طوال العام: كيف تقيم أرشيفات المحتوى التي تمتد لعقود مضت من الزمن مع مورد تدفق دخل من الصحافة الجديدة.

ووصف المحلل الإعلامي إيان ويتاكر الصفقة بأنها “نموذج يحتذي به الآخرون كلهم – رسوم ثابتة للبيانات التاريخية، إضافة إلى رسوم سنوية مستمرة”.

وعلى مدار العام الماضي، التقت شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى بما فيها أوبن أيه أي وجوجل ومايكروسوفت وأدوبي بمديرين تنفيذيين لشركات إخبارية من ضمنها نيوز كورب وأكسل شبرينغر والنيويورك تايمز والجارديان ميديا جروب وصحيفة فاينانشال تايمز لمناقشة قضايا حقوق النشر والترخيص المتعلقة بمنتجات الذكاء الاصطناعي مثل روبوتات الدردشة ومولدات الصور.

وقالت جي إم جي إنها تأمل من صفقة أكسل شبرينغر “أن تمثل تغييرا في الاتجاه يدخل بموجبه مطورو نماذج [الذكاء الاصطناعي] الذين يستخدمون المحتوى الخاضع لحقوق الطبع والنشر لبناء وتدريب منتجاتهم عبر الدخول في اتفاقيات تجارية مع مالكي حقوق الطبع والنشر الذين يستثمرون في وسائل الإعلام والأخبار والمعلومات ذات الجودة العالية”.

ومثلت الأعوام الأولى للإنترنت تحولا هائلا في القيمة من وسائل الإعلام إلى صناعة التكنولوجيا، حيث استخدمت شركات مثل جوجل وفيسبوك المحتوى المتاح مجانا للمساعدة على بناء إمبراطوريات إعلانية بمليارات الدولارات.

ربط الأشخاص المطلعون على المناقشات بين أكسل شبرينغر وأوبن أيه آى بشكل مباشر، الصفقة بنيات المجموعة الإعلامية لمنع نتيجة مشابهة مثل الانتشار السريع لروبوتات الدردشة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي والتي تجذب حركة المرور بعيدا عن المواقع الإخبارية.

وكان لدى رئيس شركة أكسل شبرينغر، ماتياس دوبفنر، توترات طويلة الأمد مع صناعة التكنولوجيا، فقد دعا إلى تنظيم أوثق لعمالقة الصناعة مثل جوجل بشأن المخاطر التي تهدد حقوق الأفراد والمنافسة. وفي رسالة بعثها عام 2021 إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قال إن “الهيمنة المطلقة لمنصات التكنولوجيا تعني اختفاء التنوع في المنتجات والخدمات الصحافية والفنية والتجارية”.

ومن المتوقع أن تحذو مجموعات إخبارية أخرى حذو أكسل شبرينغر بسرعة، إذ قال روبرت تومسون الرئيس التنفيذي لشركة نيوز كورب، الشهر الماضي، إن مالك صحف التايمز، وول ستريت جورنال، وذا صن “يتطلع إلى المستقبل في تعظيم قيمة المحتوى المتميز لدينا للذكاء الاصطناعي”.

وقال إن المجموعة “تجري مناقشات متقدمة مع مجموعة من الشركات الرقمية التي نتوقع أن تحقق إيرادات كبيرة مقابل استخدام مجموعات محتوانا التي لا مثيل لها”، وذلك في إشارة إلى “مرحلة جديدة من المفاوضات مع نشأة الذكاء الاصطناعي التوليدي”.

أما الشركات الأخرى فما تزال أكثر حذرا، حيث قال أحد كبار المديرين التنفيذيين في الصناعة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “من الواضح أن الأمر متروك لكل شركة إعلامية لتقرر ما يناسب استراتيجيتها. وذلك سيعتمد على مدى اعتمادهم على الإيرادات من القراء أو الإعلانات”.

وتوصلت شركة أكسل شبرينغر لخطة دفع من مستويين، حيث ستحصل على رسوم لمرة واحدة مقابل محتواها التاريخي المستخدم لتدريب الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مورد دخل متكرر من استخدام المحتوى الجديد.

وهناك “مكافآت إضافية” – في الواقع مدفوعات إضافية – للمحتوى المتداول، ما يعني أنه سيتم الدفع أكثر للمجموعة الإعلامية في كل مرة يتم فيها استخدام مقالاتها من قبل الذكاء الاصطناعي. كما تمت في الماضي مناقشة نماذج أخرى – مثل استخدام عدد الكلمات لتحديد مقدار التعويض – من قبل الصناعة.

الصفقة ليست حصرية، ما يعني أن أكسل شبرينغر يمكنها إبرام اتفاقيات مشابهة مع شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى.

يقول المحللون إنه من الصعب الحكم على الصفقة من ناحية تجارية نظرا إلى عدم الكشف عن الشروط المالية. فيما قال شخص قريب من المحادثات إن أكسل شبرينغر ستحصل على “مبلغ من ثمانية أرقام”.

كما أشار أحد المسؤولين التنفيذيين في الشركات الإعلامية إلى أنه بغض النظر عن تفاصيل هذه الصفقة، فإن “تحقيق الدخل يحدث بشكل أفضل عندما يكون على موقع الإنترنت الخاص بك”. وإذا كان استهلاك الصحافة ذات الجودة العالية يحدث على منصة شخص آخر على المدى الطويل “فهذا لا يبدو لي أنه شيء جيد”.

وأضاف المدير التنفيذي أنهم “فوجئوا حين رأوا أن أوبن أيه أي قد أبرمت هذه الصفقة لأنها لم تكن النغمة التي اتبعتها مايكروسوفت”، مشيرا إلى أن شركات الذكاء الاصطناعي أظهرت سابقا أنها لم تتوقع أن تضطر إلى الدفع مقابل المحتوى الإعلامي “لأنها لا تعتقد أنها تنتهك حقوق الطبع والنشر”.

لكن التوصل إلى صفقة أمر منطقي بالنسبة إلى شركة أوبن أيه آي، ليس فقط من حيث منحها إمكانية الوصول إلى مجموعة من المعلومات التي تستطيع تدريب نماذجها المستقبلية ولكن لأي مشكلات تنظيمية مستقبلية قد يواجهها القطاع.

يتطلب تطوير الذكاء الاصطناعي مكتبات كبيرة من الأعمال المكتوبة “لتدريب” الأنظمة أو تحسينها. من الناحية النظرية، فإن المعلومات ذات الجودة الأفضل مثل الصحافة المتميزة مدفوعة الأجر ينبغي أن تستحق مزيدا من المال.

وقال دوغلاس مكابي، المحلل في شركة إندرز، إن “الصحافة كأحد مدخلات الذكاء الاصطناعي جذابة للغاية… التدريب يجري على نطاق واسع وعميق: فهو ليس مجرد مجموعة من الحقائق والتعليقات الجديدة، ولكنه المراجع الثقافية، والطريقة التي تتواصل بها اللغة بدقة، من خلال اللهجة وأسلوب التعبير، والتسلسل الهرمي للأفكار الثقافية والموضوعات المترابطة”. وأوضح أن صفقة أكسل شبرينغر صاغت هذا المبدأ “بطريقة ترحب بها شركات الإعلام الأخرى”.

ووافقت أوبن أيه أي هذا العام على صفقة لترخيص القصص الإخبارية من أرشيف وكالة أسوشيتيد برس التي تعود إلى 1985 للمساعدة على تدريب نماذجها، لكنها بخلاف ذلك استخدمت محتوى الإنترنت المتاح مجانا من أجل تشات جي بي تي.

وقالت أكسل شبرينغر إنها، كما فعل عديد من الناشرين الآخرين، سبق ومنعت برنامج أوبن أيه أي من البحث في مواقعها الإلكترونية عن المواد التدريبية. لكن المطلعين على الصناعة يقولون إن من “شبه المستحيل” قياس المدى الذي استهلكت به الصحافة بالفعل لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

وأدى هذا إلى التهديد باتخاذ إجراءات قانونية – من قبل مجموعات من المؤلفين مثلا، بمن فيهم الممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان- واللجوء إلى الرقابة التنظيمية. كما فتحت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية تحقيقا سينظر جزئيا فيما إذا كانت شركة أوبن أيه أي متورطة في ممارسات غير عادلة أو خادعة تتعلق بالخصوصية أو أمن البيانات في سرقة البيانات العامة.

وقال غيل دينيس، المحامي المختص في الملكية الفكرية من شركة بينسنت مايسونز في لندن: “لقد بدا في السابق أن لمطوري الذكاء الاصطناعي اليد العليا، لكن ميزان القوى يتحول لمصلحة منشئي المحتوى. دون الوصول إلى هذه الأعمال، لا يمكن أن يستمر تطوير الذكاء الاصطناعي”.

هذا الاعتراف الضمني بقيمة الصحافة في المرحلة التالية من التطور التكنولوجي هو موضع ترحيب وكذلك بتفاصيل التسوية المالية، وفقا للمديرين التنفيذيين في الوسائل الإعلامية والذين يأملون أن تمهد صفقة هذا الأسبوع الطريق ليتبعها كبار مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي الآخرون.

وقال تومسون الشهر الماضي: “مهما كان الذكاء الاصطناعي بارعا، فإنه لا يضاهي التقارير الرائعة والحس الصحافي الحقيقي”.

المصدر: الاقتصادية 

اترك رد

Your email address will not be published.