الذكاء الاصطناعي بين التسيير والتخيير

الذكاء الاصطناعي بين التسيير والتخيير

حسين شبكشي

لا يزال الحديث المتواصل عن عالم الذكاء الاصطناعي وإمكاناته المذهلة يحتل مساحة هائلة من حوارات الناس وفضولهم لما قد تكوَّن لديهم من قناعة راسخة بأنه سيكون له أثر عميق على نمط وطبيعة الحياة كما نعرفها.

وبعيداً عن المخاوف المحقّة المتعلقة بالتهديد الصارخ الذي يصنعه الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالأمان الوظيفي للإنسان، وهو واقع يستشعره الناس اليوم وهم يرون وظائفهم تبدَّل بها منظومة تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

ولكنّ هناك تحدياً مهماً ولافتاً ولا يقل خطورة يتمثل في السيطرة المتواصلة والمستمرة وبالتالي التأثير الواضح على سلوك وقرارات البشر وهو مشهد بات واضحاً مع زيادة فاعلية الخوارزميات المستخدَمة في المنصات المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التسوق الإلكتروني حيث باتت تعلم نوعية الأخبار والموسيقى والمواضيع والمنتجات والخدمات المطلوبة لكل شخص على حدة وبالتالي توجهه في هذا الاتجاه.

اليوم فعلياً يتفوق الذكاء الاصطناعي الموجود في الحواسيب الجبارة على الذكاء البشري في كل المواجهات بينهما في الشطرنج والكثير من الألعاب التي تعتمد على الفرضيات الكثيرة والسريعة. وهذا كله يحدث قبل وصولنا إلى عام الحسم أو سنة النقلة، والمقصود هنا هو عام 2029، وهو العام الذي سينتقل فيه الذكاء الاصطناعي من مهام محددة بعينها إلى الذكاء العام في كل مجال.

بمعنى أوضح وأدق وأعمق هي السنة التي سيتخطى فيها الذكاء الاصطناعي قدرات الذكاء البشري، نقطة على السطر. والأجهزة التي ستعتمد على الذكاء الاصطناعي لن تكون فقط أذكى من البشر ولكنها ستكون لديها سعة معرفية أعظم بكثير نظراً لما لديها من إمكانات التواصل الفوري مع كامل شبكة الإنترنت الفضائية وما بها من معلومات.

وفي عام 2049 ستحدث قفزة نوعية أخرى في غاية الأهمية فيما يتعلق بقدرات الذكاء الاصطناعي لأنه سيصبح أذكى مليار مرة (نعم مليار، قرأتم الرقم صحيحاً) من أذكى البشر، ولنوضح المعنى المنشود بشكل أوضح ستكون مقارنة ذكاء الإنسان وقتها أشبه بمقارنة ذكاء الذبابة مع أينشتاين.

وهذه اللحظة يُعرّفها العلماء بالتفرد، اللحظة التي لا تمكن معرفتها ولا مشاهدتها ولا توقُّع ما بعدها لأن الذكاء الاصطناعي سيتصرف بشكل لا يمكن تطبيق عليه قواعدنا التي نعرفها وتقيم بناءً علينا.

وفي كتابه بالغ الأهمية «ذكاء مخيف» يشير المؤلف مو جودت، وهو التنفيذي المهم السابق في شركة «غوغل»، عملاق التقنية الحديثة المعروفة.

يتوقع الكاتب أن الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره سيكوّن أحاسيس مثل الغيرة والحسد والانتقام والتنافسية، واستشهد بأكثر من دليل وواقعة تؤكد ذلك الأمر. ويبقى السؤال الذي حيّر علماء الفلسفة منذ قديم الزمان وبعدهم حيَّر علماء الدين وخبراء الاجتماع: هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟ مع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي ستزداد خيارات الإنسان ظاهرياً وستقل قدرته على التأثير في الاختيار وسيكون بشكل ما مسيّراً.

المصدر: الشرق الأوسط

Related Posts

تقرير أميركي يحذر من خطورة نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية

تقرير أميركي يحذر من خطورة نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية AI بالعربي – متابعات دخل سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين مرحلة أكثر سخونة، بعد أن أصدر مركز معايير الذكاء…

استثمارات رأس المال الجريء تتدفق نحو الذكاء الاصطناعي بقيمة تقارب 193 مليار دولار

استثمارات رأس المال الجريء تتدفق نحو الذكاء الاصطناعي بقيمة تقارب 193 مليار دولار AI بالعربي – متابعات سجّل قطاع الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة في جذب استثمارات رأس المال الجريء،…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 132 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 133 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

  • سبتمبر 26, 2025
  • 73 views
تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

  • سبتمبر 24, 2025
  • 80 views
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

  • سبتمبر 18, 2025
  • 41 views
الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

الإعلام والذكاء الاصطناعي.. ستة مصادر للقلق

  • سبتمبر 15, 2025
  • 48 views
الإعلام والذكاء الاصطناعي.. ستة مصادر للقلق