أسواق العمل.. والذكاء الاصطناعي
د.وحيد عبد المجيد
رغم أن اختراع الروبوت يعود إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي عندما صمم “جورج دينول” أول آلةٍ كانت مهمتها التقاط أجسام ثقيلة وتحريكها إلى مكان آخر، لم ينتشر القلق من أثره في أسواق العمل إلا مع التطور السريع الذي حدث في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد خلق التطور الكبير في هذا المجال، وتوسع الاستثمارات فيه، وتصميم روبوتات تستطيع أداء وظائف يقوم بها البشر، مخاوف من ازدياد معدلات البطالة في العالم، ولكن عندما ازداد الاهتمام بدراسة أثر هذا “الوافد” التقني الجديد على سياسات التوظيف، أُثيرت أسئلةُ فتحت الباب أمام نقاشاتٍ أظهرت وجود تقديرات متباينة ينطوي بعضها على اطمئنان، ولا يخلو بعض آخر من تفاؤل، في مقابل التشاؤم الذي اقترن بالمخاوف من إحلال روبوتات محل البشر، ورغم أن هذا الاختلاف يؤدي إلى حالة عدم يقين بشأن مستقبل أسواق العمل، نلاحظ ازدياداً في التفاؤل بأن تكون الروبوتات إضافةً إلى عمل البشر، وليست خصماً من وظائفهم. وتُدَّعم بيانات التوظيف الراهنة، في الدول الأكثر تقدماً في مجال الذكاء الاصطناعي، هذا التفاؤل، إذ تُظهر وجود نقصٍ في العمالة في قطاعات عدة.
وتزداد الحاجة الآن إلى عمالةٍ بشرية في الدول التي يقل عدد سكانها بشكل مطرد. وهذا هو حال معظم الدول الأكثر تقدماً من الولايات المتحدة إلى الصين مروراً بأوروبا، حيث يقل الإقبال على الإنجاب في مقابل ارتفاع معدلات الإعمار بفعل تقدم الرعاية الصحية، فتتناقص نسبة الشباب إلى كبار السن. ولهذا فرغم ازدياد الاعتماد على الروبوتات في أعمال يدوية، حدثت أزمة كبيرة عندما أضرب عمال النظافة في فرنسا قبل أسابيع خلال الاحتجاجات على قانون تمديد سن التقاعد، كما يستمر الطلب على البشر، ويزداد، في أعمال انتشر استخدام الروبوتات فيها، مثل الحسابات والتحليل المالي، وبعض الأعمال القانونية، والتمريض ورعاية المُسنين، وغيرها. ويؤرق نقص العمالة حكومات معظم الدول المتقدمة التي يوجد بها أعلى معدلات استخدام الروبوتات.
ولأن الذكاء الاصطناعي لا يُقدَّم حلاً لهذه المشكلة في المدى القصير والمتوسط، لا تجد الدول التي تعاني نقصاً في العمالة سوى الحل غير المرغوب به من معظم مؤسساتها والرأي العام فيها، وهو زيادة معدلات الهجرة إليها، ولكن بطريقة انتقائية مُنظمَّة، وليس عبر فتح الحدود. وفي الولايات المتحدة مثلاً تُفيد بيانات رسمية أن عدد الذين سُمح لهم بالهجرة أو الإقامة في العامين الأخيرين يزيد عن ثلاثة ملايين. وحدث مثل ذلك بمعدلات أقل في دول أوروبية عدة، ولكن هل تستمر المعادلة الراهنة في أسواق العمل على هذا النحو في المدى الطويل، في ما يتطور الذكاء الاصطناعي بسرعة شديدة، وتُصَمم روبوتات قادرة على التعلم الذاتي؟ لعل صعوبة الجواب عن هذا السؤال هي أهم مصادر استمرار حالة عدم اليقين برغم أن أوضاع أسواق العمل في الوقت الراهن تبعث على التفاؤل.
المصدر: الحرة