وعد الذكاء الاصطناعي .. ووعيده

24

مارتن وولف

في عام 1900، كان لدى المملكة المتحدة 3.3 مليون حصان. كانت هذه الحيوانات تستخدم في الجر والنقل والفروسية. اليوم، لم يتبق سوى الترفيه. الخيول تكنولوجيا عفا عليها الزمن. انخفضت أعدادها في المملكة المتحدة نحو 75 في المائة. هل يمكن للبشر أيضا أن يصبحوا تكنولوجيا عفا عليها الزمن تحل محلها آلات ليست فقط أقوى وأكثر براعة، لكن أكثر ذكاء، بل وأكثر إبداعا؟ يقال لنا إن هذا الخطر بعيد. رغم ذلك، هذه مسألة اعتقاد. ربما تستطيع الآلات أن تفعل الكثير مما نحتاج إلى القيام به على نحو أفضل مما نستطيع، باستثناء كوننا بشرا وحنونين.

حتى لو لم تهددنا ثورة كهذه، فإن التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي مهمة للغاية. وفقا لبيل جيتس، هي أهم تطور منذ أجهزة الكمبيوتر الشخصية. إذن، ما الآثار المحتملة؟ هل يمكننا السيطرة عليها؟

نقطة البداية الطبيعية هي الوظائف والإنتاجية. ورقة أعدها ديفيد أوتور، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلفون مشاركون، تعطي إطارا تحليليا مفيدا واستنتاجات واقعية حول ما حدث في الماضي. فهي تميز بين زيادة العمالة والابتكار الذي يؤدي إلى أتمتة العمالة. وتخلص إلى أن “أغلبية العمالة الحالية تعمل في تخصصات وظيفية جديدة تم إدخالها بعد عام 1940”. لكن مركز ثقل هذا العمل الجديد تحول من الإنتاج ذي الأجر المتوسط والمهن الكتابية قبل عام 1980 إلى الخدمات المهنية عالية الأجر، وبشكل ثانوي، الخدمات منخفضة الأجر بعد ذلك. بالتالي، أدى الابتكار بشكل متزايد إلى اضمحلال الوظائف ذات الدخل المتوسط.

علاوة على ذلك، تولد الابتكارات أنواعا جديدة من العمل فقط عندما تكون مكملة للوظائف، وليس عندما تحل محلها. أخيرا، تأثيرات الأتمتة التي تؤدي إلى تآكل الطلب تزايدت في العقود الأربعة الماضية، بينما لم تتزايد تأثيرات الحاجة إلى العمالة. لا شيء من هذا يبعث على البهجة، خاصة أن نمو الإنتاجية الإجمالي كان متواضعا للغاية منذ عام 1980.

إذن، ماذا عن المستقبل؟ في هذا الصدد، يتسم تحليل أجراه بنك جولدمان ساكس بالتفاؤل والواقعية في آن معا. فهو يجادل بأن “الجمع بين الوفورات الكبيرة في تكاليف العمالة، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتعزيز إنتاجية العاملين الذين بقوا على رأس عملهم، كل هذا يزيد من إمكانية ازدهار إنتاجية العمل”. في النهاية سيكون هذا مشابها لما تبع ظهور المحركات الكهربائية والكمبيوترات الشخصية. تقدر الدراسة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي على وجه الخصوص، قد يرفع النمو السنوي لإنتاجية العمل في الولايات المتحدة بواقع 1.5 نقطة مئوية. ستكون الزيادة في البلدان ذات الدخل المرتفع أكبر منها في البلدان النامية، رغم أن التوقيت غير مؤكد.

على الصعيد العالمي، تشير الدراسة إلى إمكانية أتمتة 18 في المائة من العمل عن طريق الذكاء الاصطناعي، مرة أخرى مع تأثيرات أكبر في البلدان ذات الدخل المرتفع. في حالة الولايات المتحدة، تراوح الحصة المقدرة للعمل المعرض للذكاء الاصطناعي بين 15 و35 في المائة. وستكون الوظائف الأكثر هشاشة هي المكاتب والوظائف الإدارية والقانونية والعمارة والهندسة. وستكون الوظائف الأقل تعرضا في قطاعات البناء والتركيب والصيانة. من الناحية الاجتماعية، سيكون التأثير الأكبر في العاملين ذوي الياقات البيضاء الذين لديهم مستوى تعليمي جيد نسبيا. يكمن الخطر في هذه الحالة في انتقال الطبقتين الوسطى والوسطى العليا إلى الأسفل. ويبدو التأثير الاجتماعي والسياسي لهذه التحولات واضحا للغاية، حتى لو كان التأثير الكلي هو بالفعل زيادة الإنتاجية. فعلى عكس الخيول، لن يختفي الناس. لأن لديهم أصواتا انتخابية أيضا.

مع ذلك، هذه الآثار الاقتصادية بعيدة كل البعد عن كونها القصة بأكملها. الذكاء الاصطناعي هو تغيير أكبر من ذلك بكثير. إنه يثير أسئلة عميقة حول من نحن. قد تكون أكثر التكنولوجيات تحويلا على الإطلاق لإحساسنا بأنفسنا.

فكر في بعض هذه التأثيرات الأوسع. نعم، قد يكون لدينا قضاة لا يرتشون وعقلانيون وعالم أفضل. لكن قد يكون لدينا أيضا عالم من المعلومات والصور والهويات المزيفة تماما. وقد يكون لدينا احتكارات وأثرياء أكثر تنفذا. وقد تكون لدينا مراقبة شبه كاملة من قبل الحكومات والشركات. وقد يكون لدينا تلاعب أكثر فاعلية بكثير في العملية السياسية الديمقراطية. يجادل يوفال هراري بأن “الديمقراطية هي محادثة، والمحادثات تعتمد على اللغة. عندما يخترق الذكاء الاصطناعي اللغة، يمكن أن يدمر قدرتنا على إجراء محادثات هادفة، وبالتالي تدمير الديمقراطية “. ويجادل دارون أسيموجلو، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بأننا بحاجة إلى فهم هذه الأضرار قبل أن نطلق عنان الذكاء الاصطناعي.

لكن مشكلة إخضاع الذكاء الاصطناعي للأنظمة هي أنه على عكس الأدوية، مثلا، التي لديها هدف معروف “جسم الإنسان” وأهداف معروفة “علاج من نوع ما”، أنه تكنولوجيا ذات أغراض عامة. إنه متعدد القوى. يمكنه أن يغير الاقتصادات والقدرة التنافسية الوطنية والقوة النسبية والعلاقات الاجتماعية والسياسة والتعليم والعلوم. ويمكن أن يغير طريقة تفكيرنا وابتكارنا، وربما حتى كيفية فهمنا لمكاننا في العالم.

لا يمكننا أن نأمل التغلب على كل هذه الآثار. فهي معقدة للغاية. وسيكون الأمر أشبه بمحاولة فهم تأثير المطبعة في القرن الـ15. لا يمكننا أن نأمل الاتفاق على ما ينبغي تفضيله وما ينبغي منعه. وحتى لو فعلت بعض البلدان ذلك، فلن نوقف البقية على الإطلاق. في عام 1433، أوقفت الإمبراطورية الصينية محاولات لبناء قوة بحرية. إلا أن هذا لم يمنع آخرين من فعل ذلك، وهزيمة الصين في النهاية.

الإنسانية تسعى إلى المعرفة والقوة وهي مستعدة لإبرام أي صفقة تقريبا لتحقيق ذلك، بغض النظر عن العواقب. لقد عانينا تأثير ثورة وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا وسياستنا. ويحذر بعضهم من العواقب على أولادنا. لكن لا يمكننا إيقاف الصفقات التي أبرمناها. ولن نوقف هذه الثورة أيضا. ستستمر ثورة الذكاء الاصطناعي.

المصدر : الاقتصادية
اترك رد

Your email address will not be published.