حرب الذكاء الاصطناعي الخفيّة: أميركا في مواجهة صعود النماذج الصينية المفتوحة
AI بالعربي – متابعات
في الوقت الذي تضخ فيه شركات التكنولوجيا الأميركية مليارات الدولارات في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الاحتكارية، تتكشف على الجانب الآخر من العالم معركة مختلفة تمامًا داخل الصين، حيث تراهن الشركات الناشئة والعمالقة المحليون على إستراتيجية الانفتاح عبر النماذج مفتوحة الأوزان. هذه الحرب غير المعلنة بين الشرق والغرب تعكس صراعًا على النفوذ والانتشار أكثر من كونه مجرد تنافس تقني.
زلزال DeepSeek يغيّر قواعد اللعبة
في يناير الماضي، أحدثت شركة صينية ناشئة تُدعى DeepSeek مفاجأة مدوية عندما طرحت نموذجًا متقدمًا للذكاء الاصطناعي بميزانية محدودة لكنه مجاني بالكامل. هذه الخطوة لم تكن حدثًا عابرًا؛ بل أشعلت سباقًا عالميًا جعل النماذج الصينية – من DeepSeek إلى عمالقة مثل علي بابا – تكتسب زخمًا هائلًا خارج حدودها.
اليوم، عندما يتوجه رواد الأعمال الأميركيون إلى مكاتب شركات رأس المال المغامر مثل Andreessen Horowitz، هناك احتمال بنسبة 80% أن مشاريعهم الناشئة تعتمد بالفعل على نماذج صينية مفتوحة المصدر، كما يؤكد الشريك مارتن كاسادو.
سر الأوزان المفتوحة: الوصفة الصينية للتفوق
تتخصص الصين في النماذج مفتوحة الأوزان، أي توفير المعلمات الرقمية (الأوزان) التي تعلمها النموذج أثناء التدريب، دون الكشف عن الكود المصدري أو البيانات الأصلية.
يشبه الأمر إعطائك كتاب الوصفات بدلًا من تقديم طبق جاهز، لتتمكن من إعادة الطهو بما يناسب احتياجاتك الخاصة.
ورغم أن هذه النماذج أقل شفافية من البرمجيات مفتوحة المصدر الكاملة، إلا أنها في 2025 أثبتت تفوقها في اختبارات الأداء على نظيراتها الأميركية مثل نماذج Meta، واقتربت قدراتها من النماذج الاحتكارية المغلقة.
ارتباك العمالقة الأميركيين أمام المدّ الصيني
شركات مثل OpenAI وMeta تعيش حالة من التردد أمام المدّ الصيني.
OpenAI، التي أسست هويتها على الانفتاح، تحولت منذ 2020 إلى بيع النماذج الاحتكارية. لكن مع تزايد اعتماد المستخدمين على النماذج الصينية، اضطرت لإصدار نموذج مفتوح الأوزان جديد باسم gpt-oss، إلى جانب إطلاق GPT-5 الذي خيّب الآمال بقدراته المحدودة. هذا التوقيت جعل عودتها للانفتاح تبدو خطوة دفاعية أكثر من كونها إستراتيجية.
أما Meta، التي أشعلت حماس مجتمع المصادر المفتوحة بإطلاق Llama، فقد صرّح رئيسها مارك زوكربيرج أن شركته ستكون أكثر حذرًا مستقبلًا فيما يتعلق بفتح نماذجها، في ظل تركيزه على مشروع بناء “الذكاء الخارق”.
فلسفتان متناقضتان: السيطرة أم الانتشار؟
المشهد العالمي اليوم يكشف عن فلسفتين متضادتين:
الفلسفة الأميركية: بناء “سلاح خارق” واحد، نموذج احتكاري متفوق، هدفه تعظيم الأرباح والسيطرة عبر الضربة القاضية.
الفلسفة الصينية: نشر الذكاء الاصطناعي على أوسع نطاق ممكن عبر النماذج المفتوحة، لتصبح البنية التحتية الأساسية للتطبيقات العالمية. الهدف هنا ليس الربح المباشر، بل ضمان أن يكون الانتشار واسعًا بحيث يصعب تجاوزه.
كما يوضح بيرسي ليانج، مؤسس منصة Together AI، هذه النماذج المفتوحة تتيح للشركات والحكومات تكييفها بسهولة وتشغيلها محليًا دون الاعتماد على السحابة الأميركية، ما يمنح الصين ميزة إستراتيجية طويلة الأمد.
من يربح حرب الذكاء الاصطناعي؟
قد تبدو الشركات الأميركية متفوقة من حيث الإيرادات والقيمة السوقية، حيث تبلغ قيمة OpenAI وحدها نحو 500 مليار دولار، لكن السباق الحقيقي قد يُحسم بمعيار مختلف: الانتشار العالمي.
إذا نجحت الصين في جعل نماذجها مفتوحة الأوزان هي القاعدة الأساسية في بيئة الذكاء الاصطناعي الدولية، فإن “زلزال DeepSeek” لن يكون سوى البداية، بل الموجة الأولى من تسونامي قادم قد يغيّر موازين القوى عالميًا.
في النهاية، قد لا يكون الفائز هو صاحب النموذج الأكثر ذكاءً، بل من يمتلك النموذج الأكثر انتشارًا.