حين تكتب الآلة سيرتنا.. ذاكرة اصطناعية تُعيد تشكيل الحقيقة
AI بالعربي – متابعات
مقدمة
لطالما ارتبطت السيرة الذاتية بالإنسان، فهو من يكتب قصته، يروي إنجازاته، ويختار ما يود أن يتذكره أو ينساه. لكن مع صعود الذكاء الاصطناعي والذاكرة الاصطناعية، بتنا نواجه مفارقة جديدة: ماذا يحدث حين تبدأ الآلة بكتابة سيرتنا بدلًا عنا؟
لم يعد الأمر يقتصر على تدوين أحداث حياتنا في صور أو نصوص، بل أصبح يشمل إعادة صياغة الذاكرة نفسها، عبر خوارزميات تحفظ بياناتنا، تعيد ترتيبها، وتنتج لنا روايات كاملة تبدو حقيقية، حتى لو كانت منحازة أو مبتورة.
هكذا ندخل عصرًا غير مسبوق: عصر الذاكرة الاصطناعية، حيث تصبح الحقيقة نتاجًا لخوارزميات أكثر منها تجربة إنسانية صافية.
الذاكرة كسلطة
-
عبر التاريخ، كانت السيطرة على الذاكرة تعني السيطرة على السرديات.
-
في السياسة، من يكتب التاريخ يحدد هوية الأمة.
-
في الإعلام، من يختار الأخبار يصوغ وعي المجتمع.
-
اليوم، من يُبرمج الخوارزميات هو من يقرر ماذا نتذكر وماذا ننسى.
كيف تكتب الآلة سيرتنا؟
-
التقاط البيانات: كل صورة، رسالة، أو موقع نزوره يُسجَّل.
-
إعادة الترتيب: الخوارزمية تحدد ما هو “مهم” وتضعه في الواجهة.
-
التفسير: عبر الذكاء الاصطناعي، تتحول البيانات إلى قصة مترابطة.
-
الإعادة المستمرة: تُظهر لنا المنصات ذكريات “قبل عام” أو “قبل خمس سنوات”، لتعيد صياغة إدراكنا لزمننا.
التحيز في الذاكرة الاصطناعية
-
اختيار ما يُعرض: ليست كل ذكرياتنا تُظهرها الخوارزميات، بل ما يتماشى مع أهدافها.
-
إعادة التأطير: قد تبرز لحظة عابرة وكأنها أهم حدث في حياتنا.
-
النسيان المقصود: بعض الذكريات تُهمل لأنها لا تحقق أرباحًا أو لا تتناسب مع معايير المنصة.
-
التحريف غير المقصود: عبر إعادة البناء الآلي، قد تُعرض الأحداث بصياغة غير دقيقة.
أمثلة واقعية
-
فيسبوك و”ذكرياتك”: يعيد عرض صور أو منشورات قديمة، لكنه يختارها وفق خوارزمية، لا وفق مشاعرنا.
-
منصات الصور: جوجل فوتوز وآبل يعيدان تنظيم صورنا في ألبومات “ذكية”، أحيانًا تعكس أولوياتها لا أولوياتنا.
-
السير الرقمية: تطبيقات الصحة تتتبع أنماط حياتنا، لتكتب رواية “صحية” عن أجسادنا.
-
المحتوى السياسي: الأنظمة الذكية تعيد صياغة التاريخ عبر اقتراح مقالات أو فيديوهات تعزز اتجاهًا معينًا.
أثرها على الفرد والمجتمع
-
الهوية الشخصية: إذا كانت ذاكرتنا تُكتب بواسطة خوارزمية، فإلى أي مدى نحن أصحابها فعلًا؟
-
العلاقات الإنسانية: المنصات قد تبرز أشخاصًا أو أحداثًا نفضل نسيانها.
-
الوعي الجمعي: حين تشترك مجتمعات كاملة في “ذكريات اصطناعية“، فإنها تشترك في سردية قد لا تعكس الحقيقة.
-
إعادة تعريف الحقيقة: لم تعد الحقيقة مرتبطة بما عشناه، بل بما تعرضه الخوارزميات لنا.
الجانب الإيجابي: حين تكون الذاكرة الاصطناعية عونًا
-
تنظيم الصور والبيانات بشكل يسهل العودة إليه.
-
مساعدة في تذكر الأحداث المهمة.
-
تعزيز الشعور بالاستمرارية والهوية.
-
أداة تعليمية وثقافية عند استخدامها بشفافية.
التحديات الأخلاقية
-
الملكية: من يملك الذاكرة: الفرد أم الشركة التي تخزن بياناته؟
-
الخصوصية: كيف نحمي ذكرياتنا من الاستغلال التجاري؟
-
التحكم: هل يمكننا اختيار ما نريد أن نتذكره أو ننساه؟
-
المساءلة: من المسؤول إذا شوّهت الخوارزميات سيرتنا أو أعادت كتابتها بشكل مغاير؟
شاشة تعرض ذكريات رقمية مختارة بخوارزميات

رمزية لتلاشي الحدود بين الحقيقة والذاكرة الاصطناعية

بيانات شخصية تتحول إلى قصة مكتوبة بالذكاء الاصطناعي

س: كيف تكتب الآلة سيرتنا؟
ج: عبر جمع البيانات، إعادة ترتيبها، وتقديمها في شكل قصص وذكريات مختارة بخوارزميات.
س: ما المخاطر الكامنة في ذلك؟
ج: التحيز، فقدان السيطرة على الذاكرة، وإعادة صياغة الحقيقة وفق أهداف تجارية أو سياسية.
س: هل يمكن أن يكون لهذا الجانب إيجابيات؟
ج: نعم، في التنظيم، التذكير، والتعليم، بشرط الشفافية وحماية الخصوصية.
س: من يملك الذاكرة الاصطناعية؟
ج: جدل مفتوح بين الفرد، الشركة المطورة، والقوانين التي لم تلحق بعد بهذه التحولات.
الخلاصة
حين تبدأ الآلة بكتابة سيرتنا، لم نعد أمام مجرد أرشفة لحياتنا، بل أمام إعادة تشكيل للحقيقة ذاتها. فالذاكرة لم تعد انعكاسًا لتجربة بشرية فقط، بل أصبحت نتاجًا لخوارزميات ذات أهداف غير مرئية. والسؤال الأهم لم يعد: “ماذا نريد أن نتذكر؟” بل: “من يقرر ما نتذكره؟”.
اقرأ أيضًا: الزمن يتكسر في يد الآلة.. تحوّلات المفهوم الزمني في بيئة ذكيةٍ
Beta feature
Beta feature