جوجل” مقابل “مايكروسوفت”: من سيفوز في سباق روبوتات المحادثة بالذكاء الاصطناعي؟
دان ميلمو جلوبال
كلَّف إنشاء “تلسكوب جيمس ويب” الفضائي 10 مليارات دولار (أي 8.3 مليار جنيه إسترليني)، لكنه خلف خسائر لشركة جوجل Google تتجاوز الـ160 مليار دولار بعد أن أجاب روبوت الدردشة الجديد لمحرك البحث عن سؤال بشأنه بطريقة غير صحيحة. لقد أعلنت كل من “جوجل” و”مايكروسوفت” عن خطط للبحث المعزز بالذكاء الاصطناعي هذا الأسبوع، مما ينقل سباق الفضاء بالذكاء الاصطناعي إلى مرحلة جديدة. ومع ذلك، فإن إطلاق روبوت المحادثة الجديد المعروف باسم “بارد”، قد أظهر خطأ بشكلٍ سيئ في أحد العروض التوضيحية.
لقد سُئل الروبوت المنافس ChatGPT المدعوم من شركة مايكروسوفت Microsoft عن التلسكوب وجاء في إحدى الإجابات أنه “التقط الصور الأولى لكوكب خارج نظامنا الشمسي”. وقد سارع الخبراء إلى ملاحظة عدم الدقة، وكذلك الحال بالنسبة للمستثمرين.
لقد خسرت الأسهم في شركة ألفابيت Alphabet، وهي الشركة الأم لشركة جوجل، مبلغ 163 مليار دولار في قيمتها خلال يومين. لكن الشركة لا تزال عملاقة حيث تزيد قيمتها على تريليون دولار، وهو ما يرجع بدرجة كبيرة إلى هيمنتها في مجال البحث، لكن إلى أي مدى؟
لقد أعلنت شركة مايكروسوفت أنها تستخدم التكنولوجيا لدعم الروبوت “تشات جي بي تي”، التي طورتها شركة “أوبين أي آي” OpenAI ومقرها سان فرانسيسكو، لتعزيز محرك بحث بينج Bing ومتصفح الويب إيدج Edge. وفي حين قررت الشركة عن ضخ استثمار بمليارات الدولارات في “أوبين إي آي” الشهر الماضي، أعلنت أن التكنولوجيا القائمة على إصدار أقوى من ChatGPT، سوف تساعد المستخدمين على تحسين القدرة على الاستعلامات بسهولة أكبر، وتقديم نتائج أكثر صلة، وتكون محدثة مما يسهل تسويقها. وفي هذا قالت “مايكروسوفت” إن “بينج” ذا المظهر الجديد سيكون متاحًا للجمهور في غضون عدة أسابيع، وأنه من الممكن للمستخدمين الانضمام إلى قائمة الانتظار للوصول المبكر.
لقد أدركت” جوجل” أنه من الواجب عليها أن تبدي استجابة بعد صفقة “أوبين إي آي” والنجاح الكبير الذي حققه الروبوت “تشات جي بي تي”. فقد أعلنت الشركة أن الروبوت “بارد” يخضع لاختبارات متخصصة، وأنه سوف يُتاح للجمهور على نطاق أوسع في الأسابيع المقبلة.
وأعلن “سوندار بيتشاي” Sundar Pichai، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، إن التكنولوجيا التي يقوم عليها “بارد” سوف يتم دمجها قريبًا في محرك البحث الخاص بها، وقد استشهد بحالة طلب” جوجل” بمظهر جديد، وما إذا كان من الأسهل تعلم العزف على البيانو أو الجيتار. ولسوء الحظ، فقد كانت استجابة التلسكوب هي التي حظيت بأكبر قدر من الاهتمام، وذلك بالتوازي مع عرض تقديمي مُخيب للآمال حول أحدث خطط البحث الخاصة بـ”جوجل” المدعومة بالذكاء الاصطناعي في باريس. كما قال “دان آيفز” Daniel Ives، المحلل في شركة الخدمات المالية الأميركية “ويدبوش سيكيوريتيز” Wedbush Securities، إن الفترة الأخيرة شهدت “قصة نجاح هائلة” للرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، “ساتيا ناديلا” Satya Nadella، لكن الفاعلية التي قامت بها شركة جوجل في باريس بخصوص كل من الروبوتات “بارد” Bard و”ستامبل”stumble قد ترك للشركة “أسئلة أكثر من الإجابات”.
ومع ذلك، فبينما بدا الأمر في البداية وكأن “جوجل” قد تجاوزت “بارد” من أجل تسويق صفقة الروبوت الخاص بـ”مايكروسوفت”، وكذلك الحدث الذي سيطر على الشركة، فإن هذا السباق سيكون طويلاً. فقد قال الخبراء إنه من غير المرجح أن تخرج “مايكروسوفت” سالمة وتخلو من أخطاء من قبيل مع حدث مع “جيمس ويب”. لكن في الواقع، واجه مستخدمو روبوت المحادثة “تشات جي بي تي” معلومات غير دقيقة أثناء استخدامه؛ إذ تدعم التكنولوجيا روبوت “بينج” الجديد، ومنتجات شركة مايكروسوفت الأخرى مثل” تيمز” Teams. لقد حذر الخبراء من أن النماذج اللغوية الكبيرة، التي هي أساس كلٍ من الروبوت “بارد” و “تشات جي بي تي”، قد تكون عرضة للأخطاء بسبب طريقة تركيبها. إذ يتم تغذية هذه النماذج بمجموعات بيانات تتكون من مليارات الكلمات التي تدرب الذكاء الاصطناعي على توليد استجابات تبدو معقولة للاستفسارات. إنهم يعملون بطريقة تشبه النص التنبؤي، حيث يعملون على بناء نماذج للتنبؤ بالكلمة أو الجملة المحتملة التي تأتي بعد مطالبة المستخدم.
وفي هذا يقول الدكتور “أندرو روجويسكي” Andrew Wisniewski من معهد الذكاء الاصطناعي المرتكز على الناس في جامعة ساري University of Surrey: “إن روبوت المحادثة (تشات جي بي تي) عبارة عن متنبئ بالعبارات، ذلك أنه نظام لحفظ مليار كتاب حتى يتمكن من تخمين ما يأتي بعد السؤال الذي تطرحه عليه. إن كل ما يقوله هو بالأساس إعادة صياغة لشيء قيل في وقت سابق من قِبَل إنسان ما. وهذا لا يعتبر ذكاء عن بُعد؛ ذلك أن هناك أنظمة للذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وفائدة بكثير، حيث تقوم بتشغيل الروبوتات أو تشخيص الأمراض أو توجيه السيارة أيضًا”.
ومع ذلك، فإن الاهتمام الهائل بالروبوت “تشات جي بي تي”، الذي سجل أكثر من مئة مليون مستخدم في شهرين، يُظهر رغبة كبيرة لتجربة بحث معززة بالذكاء الاصطناعي. فقد أشاد المعجبون بهذا الروبوت بقدرته على تلخيص المستندات، وترتيب النثر وكتابة الكود، بجانب أمور أخرى كثيرة. وأُعجب الصحفيون بملامح أولية لـ”بينج” الجديد الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي. وفي إحدى الحالات، يقدم إجابات أكثر دقة من الروبوت “تشات جي بي تي” لأسئلة مثل: “لماذا بدأت روسيا الحرب في أوكرانيا؟” ووفقًا لرسالة منصة Platformer الإخبارية، فإن “بينج” يمنح مظهرًا جديدًا للمستخدمين يتضمن خيارات الرد في نغمات احترافية معينة قد تكون غير رسمية أو متحمسة أو إعلامية أو مضحكة، وبتنسيقات مختلفة، بما في ذلك الفقرة أو البريد الإلكتروني أو حتى المدونة.
وتعد صفحة الأسئلة الشائعة في “بينج” ذات المظهر الجديد صريحة حول الأخطاء المحتملة، وتنص على أنه “يمكن للذكاء الاصطناعي ارتكاب أخطاء، وقد ترى ردودًا تبدو مقنعة ولكنها غير كاملة أو غير دقيقة أو غير مناسبة.” وقد قالت شركة جوجل إن خطأ التلسكوب يؤكد الحاجة إلى الاختبار الصارم الذي يخضع له الروبوت “بارد”، قبل إصدار روبوت واسع الانتشار للجمهور.
ولكن إذا تم الحفاظ على الاهتمام العام بالبحث المعزز من روبوتات الدردشة، كما يتضح من نجاح الروبوت “تشات جي بي تي”، فإن شركة مايكروسوفت لديها هدف كبير تستهدفه. إذ تهيمن شركة جوجل على سوق البحث العالمي بحصة تقدر بـ91%، وذلك وفقًا لشركة بيانات الإنترنت” لايك ويب” LikeWeb، مع الروبوت “بينج Bing “بنسبة 3% فقط. كما وضع محرك البحث الصيني “بايدو” Baidu روبوت المحادثة الخاص به في السباق والذي يسمى “إرني بوت” “Ernie bot”. ووفقًا لـ”مايكروسوفت”، فإن كل نقطة مئوية مكتسبة في حصة السوق، من المفترض أن تكون من “جوجل” وتمثل حوالي ملياري دولار إضافي من عائدات الإعلانات للشركة، في إشارة إلى الأعمال المربحة للإعلانات الموضوعة في نتائج البحث. لقد قالت شركة مايكروسوفت إن قدرة الروبوت “بينج” المعززة بالذكاء الاصطناعي على فهم الاستعلامات “بعمق أكبر” واكتساب رؤى حول المستخدمين الذين لديهم “تفاعل محادثة عميق”، سوف تكون عامل جذب بالنسبة للمعلنين. ومن الواضح أن “جوجل” توافق على ذلك.
إن هناك فجوة كبيرة يجب سدها بين الشركات؛ ففي أحدث نتائج ربع سنوية لها، سجلت شركة مايكروسوفت عائدات بلغت نحو 3.2 مليار دولار من إعلانات البحث والأخبار، بينما حققت “جوجل” 42.6 مليار دولار من عائدات البحث. كما تتطلب روبوتات الدردشة قدرًا كبيرًا من قوة المعالجة، لذلك فإن ثمة آثارًا من حيث التكلفة على أي حصول على حصة من السوق يرتبط بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الدفاع عن مكانة رائدة في السوق. لقد استثمرت “جوجل” بكثافة في الذكاء الاصطناعي واستخدامه في كل مكان في منتجاتها مثل “جوجل للترجمة” Google Translate، على سبيل المثال. وتمتلك شركة “ألفابيت” Alphabet شركة “ديب مايند” DeepMind في المملكة المتحدة، وهي إحدى شركات الأبحاث الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ إذ لا تزال “جوجل” في موقف قوي. فمن غير المعتقد أن الإصدار الجديد من “بينج” الذي يقوم على تقنية نموذج اللغة الكبيرة سوف ينطوي على تهديدٍ خطيرٍ لأعمال البحث في “جوجل”، التي تمتلك تقنية نموذج لغة كبيرة تتساوى على الأقل مع تقنيات “مايكروسوفت” و”أوبين إي آي”. ومع ذلك، فقد حققت “مايكروسوفت “إنجازًا كبيرًا من خلال جعل تقنية البحث تقريبًا بين عشية وضحاها سباقًا ذا اتجاهين مرة أخرى. ومن المهم التركيز على ما سوف تؤول إليه الأمور.
المصدر: The Guardian