مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير مثل البشر

23

AI بالعربي – خاص

العالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو ذات العالم بعده، فالتغير يطال كل شيء حولنا، ويصل إلى كل القطاعات ليغيرها بشكل نهائي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في تحسين كل منتج أو خدمة أو بنية تحتية موجودة في كل دولة من الدول، وفي الحقيقة فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل مستقبل البشرية للأفضل إذا ما أُحسن استخدامه.

ويرى سوندار بيتشاي رئيس شركة جوجل (Google) في مقابلة أجرتها معه شبكة “بي بي سي” (BBC) أن أهم ما جاء فيها، أن “اختراع الذكاء الاصطناعي سيكون أثره على البشرية أكبر من الاختراعات الأخرى، مثل النار والكهرباء أو الإنترنت”.

وقال بيتشاي في المقابلة: “إنني أعتبرها أكثر التقنيات التي ستطورها البشرية عمقًا، إذا كنت تفكر في النار أو الكهرباء أو الإنترنت فالأمر كذلك، لكنني أعتقد أن الأمر أكثر عمقًا”.

والذكاء الاصطناعي هو محاولة لتعليم الآلات محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أجل تسهيل حياة البشر وجعل الآلات تؤدي مهام كثيرة كانت تأخذ جهدًا ووقتًا كبيرًا من الإنسان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى “الذكاء” الموجود حقًا في الذكاء الاصطناعي، وبماذا يختلف عن الذكاء البشري، وهل يمكن تعليم الذكاء الاصطناعي القدرة على التحليل والتفكير بالقياس كما يفعل البشر؟

هذا الأسئلة كانت محور بحث مطول أجرته الدكتورة كلير ستيفنسون، الأستاذة المساعدة لطرق التحليل النفسي في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة أمستردام، وتم نشر نتائجه على منصة الجامعة، وتناقش فيه الفروقات بين الذكاء والتفكير التناظري لدى البشر، وتلك التي لدى الذكاء الاصطناعي من خلال البحث في القدرة على التحليل المنطقي لدى الطرفين، وكيف يمكن أن يتعلم الاثنان من بعضهما بعضا.

تقول الباحثة: “يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة معلومات أكثر من البشر، لكن هذا الذكاء لا يضاهي قدرة البشر على التفكير بالقياس، ويعتبر هذا النوع من التفكير المنطقي المبني على السبب والنتيجة أعظم قوة للذكاء البشري، حيث يمكن للبشر التفكير في حلول لمشاكل جديدة قد تواجههم في الحياة، قياسا على مواقف سابقة شبيهة حدثت في الماضي، وهذه القدرة غائبة فعليا عن الذكاء الاصطناعي.

والسؤال الرئيسي الذي كان وراء البحث الذي أجرته ستيفنسون، هو: “كيف تمكن البشر من أن يصبحوا أذكياء جدًا؟”.

وهي في معرض إجابتها عن هذا السؤال المحوري، تحلل تطور الذكاء والعملية الإبداعية لدى الأطفال مقارنة بالذكاء الاصطناعي. ويجمع بحث ستيفنسون بين معرفتها بعلم النفس التنموي وخلفيتها في النمذجة الرياضية وعلوم الحاسوب، وتقول الباحثة: “أحاول أساسا اختبار الذكاء البشري في الذكاء الاصطناعي والعكس”.

التفكير التناظري

بدأت كلير ستيفنسون مسيرتها الأكاديمية في مجال علم النفس التنموي، حيث بحثت في قدرات التعلم الكامنة لدى الأطفال: “ليس ما يعرفونه بالفعل، ولكن ما هم قادرون على معرفته وفعله”، حيث درست تطور التفكير القياسي والتحليل المنطقي الذي يربط الأسباب بالنتائج لدى الأطفال، من خلال دراسة قدرتهم على إيجاد حلول للمشاكل الجديدة قياسا على خبرات سابقة مشابهة.

على سبيل المثال، طلبت من الأطفال إيجاد العلاقة بين مجموعة مختلفة ومتنوعة من الكلمات، مثل: عطش، نزيف، شرب، ضمادة، طعام، قطع، ماء.

وتوضح الباحثة: “إذا أردت إيجاد الإجابة الصحيحة فعليك تطبيق العلاقة الكامنة بين هذه الكلمات، وذلك بدلًا من استخدام علاقات وارتباطات مألوفة”، وتؤكد أن التفكير التناظري المبني على القياس يعتبر أعظم قوة للذكاء البشري”.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التفكير بالقياس؟

في وقت لاحق من حياتها المهنية، أصبحت ستيفنسون مفتونة بفكرة تطبيق النماذج الرياضية لقياس العمليات الإبداعية، وربما يعود هذا إلى شهادة البكالوريوس التي تحملها في علوم الحاسوب، تقول الباحثة: “أركز في أبحاثي الآن على الذكاء الاصطناعي المعرفي وقدرته على تقليد الذكاء البشري، وأحاول معرفة واكتشاف مدى قدرة الخوارزميات على التفكير بالقياس وحل المشاكل بناء على حوادث مشابهة، بعبارة أخرى مدى قدرتها على الربط بين أن العطش هو للشرب والضمادات للنزيف، نحاول أنا وزملائي معرفة مقدار الذكاء الموجود حقًا في الذكاء الاصطناعي”.

وتوضح الباحثة: لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال نحتاج أولًا إلى تقسيم الذكاء إلى نوعين:

النوع الأول: هو المعرفة المكتسبة، مثل القدرة على إجراء العمليات الحسابية، أو ما يمكن أن نطلق عليه اسم “الذكاء المتبلور” (crystallized intelligence).

النوع الثاني: هو مهارات التفكير المنطقي والقدرة على حل المشكلات، وهو ما نطلق عليه اسم: “الذكاء السائل” (fluid intelligence).

تقول ستيفنسون: “إن برامج وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تتمتع بسعة تخزين هائلة، أكبر بكثير من ذاكرة الإنسان، ويمكنها استرداد المعلومات ومعالجتها بسرعة البرق، وهو الشيء الذي لا يقدر عليه البشر، وهذا هو النوع الأول من الذكاء، وهو في الحقيقة بسيط للغاية مقارنة بالنوع الثاني من الذكاء، وهو القدرة على التحليل والتفكير بالقياس”.

وتوضح الباحثة: “يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج حلول من خلال التفكير المجرد بعد تدريب مكثف، وفي المناطق التي يتم تدريبه عليها فقط، لكن الذكاء الحقيقي يكمن في القدرة على التعميم (ability to generalize)، وهو الشيء الذي لا يملكه الذكاء الاصطناعي ويعاني بشدة معه”.

مسائل بونغارد

تعتبر “مسائل بونغارد” (Bongard problems) مثالًا معروفا على القيود التي تحد من قدرات الذكاء الاصطناعي.

كان ميخائيل بونغارد عالم حاسوب روسيا صمم في أواخر الستينيات من القرن الماضي مسائل تتطلب من الناس اكتشاف الأنماط المتكررة فيها، وتتكون كل مسألة من مجموعتين من الأشكال، ولكل مجموعة سمة مشتركة. والتحدي هو اكتشاف هذه السمة المشتركة، وبهذه الطريقة يمكن تحديد الفرق بين المجموعتين.

وتقول ستيفنسون: “يحاول العلماء تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه تعلم حل هذه المشكلات، ولكن يبدو أن قدرته المحدودة على التفكير والتحليل تمثل مشكلة.. والبشر يكسبون هذه المعركة بالذات في الوقت الحالي”.

ماذا يحدث عندما يتعلم الذكاء الاصطناعي التفكير القياسي؟

يهدف بحث ستيفنسون وزملائها إلى إنشاء رابط بين إمكانات تعلم الذكاء الاصطناعي وإمكانات تعلم الأطفال، وتأمل بعد ذلك في تطبيق هذه المعرفة لمزيد من التطوير لكل من الذكاء الاصطناعي وبيئات تعلم الأطفال.

تقول ستيفنسون: “تخيل ما سيحدث إذا تمكن الذكاء الاصطناعي من إتقان التفكير القياسي والقدرة على التحليل بشكل أكثر مرونة وإبداعًا، حيث يمكنه استخدام هذه القدرات الجديدة مع قدراته الهائلة على إجراء العمليات الحسابية للربط بين موضوعات شديدة التنوع، ولا يبدو في الظاهر أي رابط يجمع بينها، على سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي حينها إيجاد العلاقة التي تربط بين الأمراض وبين تغير المناخ، وهما موضوعان مختلفان، إذا استطعنا تعليم الذكاء الاصطناعي القدرة على القياس فإنه سيساهم بشكل مذهل في حل المشكلات المعقدة التي تواجه البشر في هذه الحياة”.

اترك رد

Your email address will not be published.