ما الذي يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي بشأن تغير المناخ؟ وما الذي يمكن أن يفعله تغير المناخ بشأن الذكاء الاصطناعي؟
AI بالعربي – متابعات
مع جعل الذكاء الاصطناعي أكثر انفتاحًا وديمقراطية من أجل مواجهة أزمة المناخ. أوضح تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة، الذي صدر في 4 أبريل 2022، بشكل لا لبس فيه أنه “هذه هي الفُرصة الوحيدة” بالنسبة للكوكب.
أما في إصدار التقرير، فقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” أننا “نسير بخطى ثابتة نحو عالم غير صالح للعيش”.
إذ هناك احتمال كبير بأن ترتفع درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية، أي ضعف الحد المُتفق عليه وهو 1.5 درجة مئوية. وما لم نتخذ تدابير جذرية لخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المئة خلال هذا العقد، فسنواجه ذلك التهديد الوجودي بكامل قوته. وفي هذا الصدد، فمن المثير للاهتمام أن بعض الباحثين حاولوا تحويل الذكاء الاصطناعي، وهي تقنية يُنظر إليها كثيرًا على أنها تهديد وجودي في حد ذاتها، إلى وسيلة للعمل المناخي. وبما أنني أعمل على كتاب عن الممثلين من غير البشر في القرن الحادي والعشرين، فأنا أشعر بالفضول الشديد حول كيفية ظهور هذه التجارب وماذا تكشف عن مستقبلنا الجماعي. فهل يمكن أن يكون تغير المناخ هو العامل المحفز الذي يحول الذكاء الاصطناعي ويجبره على أن يصبح أكثر استجابة للأزمات ويركز على الابتكارات التي تعالج المخاطر واسعة النطاق؟ فقد تكون مثل هذه التكنولوجيا هي بالضبط ما نطلبه في هذا الوقت العصيب. كما يمكنها توليد استجابات طارئة ومختلفة تمامًا عن نظام الخوارزمية بدافع تحقيق الربح والتضخيم والتحيز ونشر المعلومات المضللة التي اعتدناها. كما أنه من خلال إعطاء قدر أكبر بكثير للمدخلات من المجال، من شبكات المشاركين المنخرطين، يمكن أن يكون “الذكاء الاصطناعي المناخي” مغيرًا لقواعد اللعبة في النظام البيئي التكنولوجي، تمامًا كما هو الحال في النظم البيئية المادية التي تواجه حاليًا أكبر تهديداتها.
انعكست هذه الروح الجديدة في تقرير كتبته الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي وقُدّم في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP26) في نوفمبر الماضي. إذ يجادل المؤلفون المشاركون الخمسة عشر والباحثون والناشطون من اثنتي عشرة دولة، بأنه بينما يجب أن نكون يقظين بشأن التحيزات العرقية والجنسانية، فضلاً عن ميل البيانات الضخمة لإدامة عدم المساواة، فلا يزال بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حاسمًا في التنبؤ والتخفيف والتكيف بطرق لا يمكننا تجاهلها. خذ في حسبانك منصة التصور “هذا المناخ غير موجود” This Climate Does Not Exist التي صدرت في الوقت المناسب لتقرير COP26. إذ يوضح هذا المشروع، الذي أُنشئ من مجموعة من الباحثين الشباب المتحمسين، كيف يمكن إعادة توظيف التكنولوجيا التي قد تكون ضارة لجعل تغير المناخ ذاتيًا وعميقًا ولا يُنسى من عامة الناس.
ويولد مناظر واقعية مماثلة للفيضانات أو حرائق الغابات لأي عنوان شارع باستخدام نفس خوارزمية التعلم الآلي التي تتبادل البيانات المرئية والصوتية لإنتاج مقاطع فيديو مصطنعة وواقعية تُعرف باسم التزييف العميق. ووفقًا للباحثة الرئيسية “ساشا لوتشيوني”، في معهد كيبيك للذكاء الاصطناعي، فقد أصبحنا “غير مبالين قليلاً” بشأن الكوارث المناخية عندما تحدث للآخرين، ولكننا نلاحظها عندما نرى منازلنا مغمورة بعدة أقدام من الماء.
في حين أن التأثير الكامل لـ”هذا المناخ غير موجود” ما زال غير واضح، فإن الواضح هو أن الذكاء الاصطناعي قابل للتكيف بشكل هائل، وقادر على التمحور حول متطلبات مختلفة تمامًا في حالة الأزمات. ويكون أكثر إبداعًا عندما يُحفز الممارسين من خلال الكوارث الوشيكة. وتوضح مبادرتان أخريان، من شركة مايكروسوفت وناسا، أنه من أجل تلبية الأهداف المناخية الطموحة، يتطلب الذكاء الاصطناعي ديمقراطية تشاركية، وشبكات من المبتكرين في مكان العمل الذين هم على دراية وثيقة بمحيطهم ويعملون بشكل عاجل لهذا السبب.
وتعمل مايكروسوفت على تطوير جهاز كمبيوتر كوكبي ليكون القطعة المركزية في برنامجها “الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض” AI for Earth. الذي اقتُرح لأول مرة في عام 2019 من كبير مسؤولي البيئة في الشركة، “لوكاس جوبا”، ويهدف إلى العمل كمحرك بحث جغرافي مكاني لتسريع عملية اتخاذ القرارات المناخية و”تجنب الكوارث البيئية”. إذ إنه يجمع البيانات من وكالة ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ووكالة الفضاء الأوروبية، بالإضافة إلى البيانات التي جُمعت من خلال التعاون بين مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، وإدارة الأرصاد الجوية الصينية، ومعهد فيزياء الغلاف الجوي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم. ومع ذلك، فإن مجموعات البيانات المتطورة وحدها غير كافية. فقد كتب رئيس شركة مايكروسوفت، “براد سميث”، مدونة في عام 2020 أن الكمبيوتر الكوكبي يتطلب مدخلات نشطة من شبكات التعهيد الجماعي التي تتلقى منحًا من شركته، مثل “أنا عالم طبيعة” iNaturalist، وهي منصة تطبيقات الهواتف الذكية لعلماء البيئة الهواة لتحميل ومشاركة بيانات التنوع البيولوجي، التي تتوفر الآن في 37 لغة. وذكر أن “الكمبيوتر الكوكبي معقد جدًا”، وأنه “لا نستطيع بناءه بمفردنا” بدون “عمل ومطالب الحاصلين على منحنا”. كما يتطلب الذكاء الاصطناعي وجود مجتمعات مشاركة بالإضافة إلى مجموعات بيانات متعددة الجنسيات لإحداث فرق في النظم البيئية المعرضة للخطر. تؤكد منصة التحليل والخوارزمية متعددة المهام التي أعُلن عنها، مؤخرًا، والتي طورتها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، هذه النقطة نفسها. وسيبدأ المشروع مفتوح المصدر بجمع البيانات عن الكتلة الحيوية للغابات، وهو أمر بالغ الأهمية لمراقبة تغير المناخ؛ لأن الغابات تمتص الكربون عندما تزدهر وتطلق الكربون عندما تحترق وتموت. ونظرًا لأن أنواع الغابات تختلف اختلافًا كبيرًا من منطقة إلى أخرى، ولأن البيانات ستُجمع من مجموعة متنوعة من المصادر، “بما في ذلك أدوات الأقمار الصناعية ومحطة الفضاء الدولية والحملات المحمولة جوًا وبرًا”، فإن مهمة الذكاء الاصطناعي ستتمثل في الجمع بين مجموعات البيانات المتباينة هذه وجعلها “قابلة للتشغيل البيني”.
بدلًا من فرض مقياس عالمي واحد ظاهريًا في جميع أنحاء العالم، يسمح بروتوكول الإدخال من وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية للمجتمعات البحثية بالبقاء متنوعة، باستخدام لغاتهم وأساليبهم الخاصة. كما تعمل منصة الذكاء الاصطناعي القائمة على السحابة على دمج البيانات بشكل تحليلي لجعلها في متناول الجميع. وبطموح أكثر، تشجع هذه البنية الصديقة للمدخلات الباحثين على “تطوير الخوارزميات والرموز بشكل تعاوني” لتلبية الاحتياجات الخاصة بالمشروع. كما ستنتقل هذه الخوارزميات الجديدة إلى مستودع رمز الوصول المفتوح. وقد صُمم البرنامج طوال الوقت لإزالة العوائق التي تحول دون المشاركة والتأكد من أن أي شخص مهتم بالبيانات البيئية يمكنه المساهمة، وتحويل هذه المنصة إلى وسيلة لليقظة والإبداع على الأرض. نظرًا لأن تغير المناخ يؤثر في كل موقع بشكل مختلف، فإن ابتكارات الذكاء الاصطناعي هنا تعتمد على مدخلات واسعة النطاق كأساس تجريبي يحفز ويثبت وينوع.
هذه المجموعة الفرعية من الذكاء الاصطناعي، التي حولت أزمة غير مسبوقة إلى مصدر للتضامن، تتعارض تمامًا مع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج التعرف على الوجه، وأنظمة الأسلحة المستقلة. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، فإن الطريق إلى مستقبل غير كارثي ممكن من الناحية التكنولوجية. ويمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي للمناخ دورًا مهمًا في هذه المعادلة. فالأمر متروك لنا لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة.