صراع الرقائق الإلكترونية الأميركي – الصيني يحتدم .. الهدف الهيمنة على الفضاء
AI بالعربي – “متابعات”
تشهد الأسواق الدولية حاليا حربا شبه رسمية في مجال تصنيع وإنتاج الرقائق الإلكترونية. فمع نقص المعروض في الأسواق العالمية توقفت عديد من مصانع السيارات في العالم عن إنتاج أعداد السيارات التي كانت تخطط لإنتاجها.
فمن فورد وجنرال موتورز في الولايات المتحدة إلى هوندا في اليابان وانتهاء بالسيارات الكهربائية في الصين اضطرت شركات السيارات الكبرى إلى خفض الإنتاج بسب نقص الرقائق الإلكترونية.
ما يحدث الآن يكشف بوضوح أنه في القرن الحادي والعشرين يعد التحكم في تصنيع الرقائق الإلكترونية المتطورة بمنزلة التحكم في إمدادات النفط في القرن العشرين. إذ يمكن للدولة التي تسيطر على تصنيع تلك الرقائق أن تضعف بل وتخنق القوة العسكرية والاقتصادية للآخرين. وفعلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب هذا مع الصين من خلال الحد من قدرة شركة هواوي على الاستعانة بموردين خارجيين أبرزهم شركة “تي إس إم سي” التايوانية، ما ترك بصمات سلبية على أداء شركة هواوي العملاقة.
ولا شك أن وباء كورونا يتحمل جزء كبير من نقص الإمدادات العالمية من تلك الرقائق الإلكترونية، فعام الوباء اختزل التحول الرقمي من أعوام إلى أسابيع، وزاد الطلب العالمي على الأجهزة الإلكترونية، وزاد معه الطلب على الرقائق الإلكترونية الضرورية لتشغيل تلك الأجهزة.
في الوقت ذاته انخفض الطلب العالمي على السيارات في عام 2020، ومع تراجع المبيعات تقلص الإنتاج وتقلص معه طلب قطاع السيارات على الرقائق الإلكترونية. لكن تحسن الطلب على السيارات في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، في القارة الآسيوية عامة والصين على وجه التحديد بعد نجاحها في السيطرة على الفيروس، أدى إلى زيادة الطلب على تلك الرقائق الإلكترونية مرة أخرى، لكن مصنعي تلك الرقائق لم يكن لديهم المرونة أو القدرة الكافية على الاستجابة لمطالب السوق.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية” المهندس بي. فيليب الخبير في مجال هندسة الإلكترونيات، “هناك نوعان من شركات تصنيع أشباه الموصلات في صناعة الرقائق الإلكترونية، البعض منها مثل أنتيل وسامسونج وميكرون يصممون ويصنعون منتجاتهم الخاصة في مصانعهم. وهناك نوع آخر من المصانع التي تصنع الرقائق التي يصممها المستهلكون والمؤسسات العسكرية مثل شركة “تي إس إم سي” التايوانية، وهي الأكبر على مستوى العالم وتوجد الرقائق الإلكترونية التي تنتجها الشركة التايوانية في كل شيء تقريبا، و60 في المائة من إنتاج الشركة التايوانية يذهب لشركات أمريكية”.
ويؤكد أن بناء مصانع الرقائق أو المعروفة باسم المسابك عمل مكلف للغاية، وقد تصل تكلفة إنشاء مصنع جديد بأحدث المعدات نحو 25 مليار دولار أمريكي.
تلك المكانة المميزة لتايوان في تلك الصناعة دفعت البعض إلى البحث عن مجال آخر يمكنه فيه التميز بل والتحكم في كبرى الشركات الدولية المنتجة للرقائق الإلكترونية.
الخبير في مجال التقنيات الحديثة الباحث جانسبيرج جورج يعلق لـ”الاقتصادية” قائلا، “في عام 1984 تأسست شركة أيه إس إم إل الهولندية، وكان في السوق حينها 10 شركات منافسة تعمل على إنتاج المعدات التي تستخدمها شركات صناعة الرقائق الإلكترونية لتصنيع منتجاتها، الآن لم يبقى في السوق غير تلك الشركة الهولندية برأسمال يقدر بـ220 مليار دولار أمريكي”.
ويضيف “تلك الشركة عمليا تنتج الأدوات التي يستخدمها النجار لصناعة الأثاث. الوضعية المميزة لشركة أيه إس إم إل الهولندية جعلها عالقة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى الحد الذي مارست فيه إدارة ترمب على الحكومة الهولندية ضغوطا لوقف بيع معداتها وخبراتها التكنولوجية لشركات صينية”.
من جانبها، تعي الصين تماما طبيعة التحدي الذي تواجهه، ولهذا اشترت الشركات الصينية ما يقرب من 32 مليار دولار من المعدات المستخدمة لإنتاج الرقائق من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وبلدان أخرى، كما عملت على تخزين مزيد من الرقائق تحسبا للمستقبل، ما أدى إلى أن تقفز وارداتها من رقائق الكمبيوتر إلى ما يقرب من 380 مليار دولار أمريكي أي ما يمثل 18 في المائة من جميع واردات الصين.
بدوره، يؤكد البروفيسور ويلسون دين أستاذ الاقتصادات الآسيوية والاستشاري في عدد من المؤسسات الاقتصادية الدولية أن الموضوع لا يتعلق بإنتاج الرقائق الإلكترونية، وإنما بالصراع المقبل بين الصين والولايات المتحدة للهيمنة على الفضاء، تلك الهيمنة تتطلب من الفائز أن يكون لديه قدرة أعلى من منافسيه في جمع وتحليل ومعالجة البيانات بأسرع ما يمكن، لهذا السبب تنفق كل من الصين والولايات المتحدة الكثير من الأموال على أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة، وجميعها تتطلب رقائق الكمبيوتر.
ويضيف “الدراسات الأمريكية تظهر أنه في حال حرمان واشنطن من الوصول إلى إنتاج شركات الرقائق خاصة شركة “تي إس إم سي” التايوانية فإن صناعات الدفاع والإلكترونيات الاستهلاكية لديها ستتراجع لمدة خمسة أعوام على الأقل”.
هذا تحديدا ما يجعل تايوان جزء مهم في المواجهة الاقتصادية بين العملاقين الأمريكي والصيني، وبغض النظر عن معركة استقلال تايوان عن الصين، وما يرافقها من ضجيج دبلوماسي وإعلامي أحيانا وصمت وسكون أحيانا أخرى، فإن المعطيات تشير إلى أن الصين تستثمر وبكثافة في تايوان، واضعة نصب عينها صناعة الرقائق الإلكترونية، ودورها الراهن والمستقبلي في حسم الصراع المتعلق بـ”لمن ستؤول قيادة الاقتصاد العالمي”.
تدرك الصين أن سطوتها الاقتصادية العالمية لا يمكن أن تتحقق إذ ظلت مرتبطة في الأذهان بكونها مصنع العالم الذي ينتج المنتجات البسيطة من ملابس وأحذية، وأن تحقيق أهدافها سيرتبط بقدرتها على تصنيع منتجات أكثر تقدما وتطورا وتعقيدا لتكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
ومعظم تلك المنتجات خاصة الإلكترونية منها يتطلب تلك الرقائق، وتستخدم الصين حاليا 61 في المائة من رقائق العالم في المنتجات التي تصنعها سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير، لكنها تدرك أن عدم قدرتها على تصنيع احتياجاتها المتزايدة من تلك الرقائق سيكون نقطة ضعف، تحول بينها وبين هدفها المتمثل في قيادة الاقتصاد الدولي.
وفي هذا السياق، وضعت الصين خطتين للتصدي لمشكلاتها مع عالم الرقائق الإلكترونية. الخطة الأولى تأتي ضمن سياق خطة صنع في الصين 2025، وتلك الخطة أقرب ما تكون لخارطة طريق ترمي لتمويل تحديث البنية الصناعية في البلاد، وبتحسين البنية الصناعية تستطيع الصين تعزيز مسارها بالتحول من المنتجات التقنية المنخفضة إلى تطوير سريع للعديد من الصناعات عالية التقنية، مثل السيارات الكهربائية أجهزة الكمبيوتر من الأجيال الأكثر حداثة، والروبوتات والذكاء الاصطناعي وبالطبع الرقائق المتطورة، وهذا المسار يساعد على تقليل اعتماد الصين على التكنولوجية الغربية، ويعزز دور الشركات التكنولوجية الصينية على المستوى الدولي.
ويعتقد الباحث الاقتصادي إل. جي. كريس أن تلك الإجراءات أسهمت في تحرر شركات التكنولوجيا الصينية من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة عليها عند إدراج أسهم تلك الشركات في بورصة ناسداك لشركات التكنولوجيا، إذ تعمل الشركات التكنولوجية الصينية على طرح أسهمها للاكتتاب العام في الصين حاليا، بعد إنشاء الحكومة الصينية نسختها الخاصة من بورصة ناسداك وتطلق عليها اسم ستار.
الخطة الثانية، ترتبط أكثر بصناعة الرقائق الإلكترونية تحديدا، إذ وضعت خارطة طريق لتطوير وتوسيع تلك الصناعة بهدف تلبية احتياجات السوق المحلية من الرقائق بحلول عام 2030.
وقد رصدت 100 مليار دولار لتأسيس أكثر من 70 مشروعا، وقد نجحت الصين بفضل تلك الخطة في أن تقفز من صفر في المائة من الإنتاج العالمي من الرقائق إلى 16 في المائة حاليا. وعلى الرغم من أن جودتها لا تزال منخفضة مقارنة بمنافسيها الدوليين، إلا أن الأمر يتعلق فقط بالوقت لتكون الصين أكثر قدرة على منافسة خصومها وبمستوى من الكفاءة لا يقل عما ينتجوه.