
“التحكم الأخلاقي الذاتي” في الأنظمة المستقلة.. من يحدد الصواب والخطأ؟
AI بالعربي – خاص
مع التوسع الكبير في الاعتماد على الأنظمة المستقلة مثل السيارات ذاتية القيادة، الروبوتات التفاعلية، والطائرات بدون طيار، لم يعد السؤال الأساسي هو: هل تستطيع الآلة أن تفكر؟ بل أصبح: هل تستطيع الآلة أن تُميز بين الصواب والخطأ؟ هنا يظهر مفهوم “التحكم الأخلاقي الذاتي” بوصفه محاولة لتزويد الأنظمة الذكية بقدرة على اتخاذ قرارات أخلاقية، وهو تحدٍّ تقني وفلسفي يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والآلة.
ما هو التحكم الأخلاقي الذاتي؟
التحكم الأخلاقي الذاتي هو قدرة النظام المستقل على تقييم خياراته بناءً على معايير أخلاقية محددة مسبقًا أو مكتسبة أثناء التشغيل، ثم اتخاذ القرار الذي يتوافق مع هذه المعايير. يهدف هذا المفهوم إلى بناء آلات قادرة على التصرّف بمسؤولية، خاصة في البيئات التي قد تتسبب فيها الأخطاء بأضرار بشرية أو بيئية جسيمة. هذا يعني أن الآلة لا تعمل وفق تعليمات برمجية جامدة فقط، بل لديها إطار تقييمي يمكنه ترجيح الأفعال الأخلاقية.
لماذا تحتاج الأنظمة المستقلة إلى أخلاقيات؟
في سيناريو سيارة ذاتية القيادة تواجه حادثًا لا مفر منه، هل تنحرف لتفادي إصابة خمسة أشخاص وتعرض الركاب للخطر؟ مثل هذه المواقف الأخلاقية لا يمكن حلها فقط بمعادلات رياضية، بل تحتاج إلى نوع من “الحس الأخلاقي” داخل النظام. وفي مجالات مثل الرعاية الصحية، قد تواجه الروبوتات الطبية قرارات مصيرية حول أولويات العلاج، ما يجعل وجود أخلاقيات مدمجة أمرًا حيويًا.
كيف يُبرمج الذكاء على التمييز الأخلاقي؟
برمجة الأنظمة الأخلاقية تبدأ بوضع قواعد ومعايير تستند إلى مبادئ فلسفية مثل النفعية، الحقوق الفردية، أو العدالة الاجتماعية. تُستخدم تقنيات التعلم الآلي لتعريف النظام على أمثلة من القرارات الأخلاقية، مع اعتماد خوارزميات تعزيزية تُكافئ التصرفات المتوافقة مع القيم الأخلاقية. كما يجري تطوير ما يسمى بـ “الطبقات الأخلاقية” داخل الشبكات العصبية، والتي تُحاكي طبقة تقييم تسبق الفعل النهائي للنظام.
التحديات الفلسفية والتقنية
رغم جاذبية الفكرة، إلا أن بناء ذكاء أخلاقي ذاتي يواجه تحديات ضخمة. أولًا، الأخلاق نفسها ليست مطلقة، بل نسبية وتختلف بين الثقافات والمجتمعات، فكيف تُبرمج الآلة لتكون “عادلة” عالميًا؟ ثانيًا، قدرة الأنظمة على تفسير قراراتها الأخلاقية لا تزال محدودة، مما يثير تساؤلات حول المساءلة القانونية إذا اتخذت الآلة قرارًا خاطئًا. كما أن هناك مخاوف من استغلال هذه الأنظمة لأغراض منحازة أو غير أخلاقية من قبل المطورين أو المستخدمين.
تطبيقات عملية للتحكم الأخلاقي الذاتي
في الأمن والدفاع، تُطوَّر أنظمة طائرات بدون طيار قادرة على تقييم المواقف وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين. في الرعاية الاجتماعية، يُمكن للروبوتات المساعدة في اتخاذ قرارات إنسانية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة. أما في الفضاء الرقمي، فقد تُستخدم الأنظمة الأخلاقية في الإشراف على المحتوى وحماية المستخدمين من الأذى النفسي أو المعلومات المضللة.
من يحدد الصواب والخطأ للآلات؟
يبقى السؤال المفتوح: من الذي يقرر ما هو “أخلاقي” بالنسبة لهذه الأنظمة؟ هل هي الشركات المطورة، المشرّعون، أم المستخدمون؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب حوارًا عالميًا يجمع بين الخبراء التقنيين والفلاسفة والمجتمعات المحلية لوضع معايير عادلة يمكن الاعتماد عليها.
نحو ذكاء اصطناعي مسؤول وأخلاقي
التحكم الأخلاقي الذاتي قد لا يحل كل المعضلات، لكنه خطوة مهمة نحو بناء ذكاء اصطناعي أكثر مسؤولية وإنسانية. في المستقبل، لن يكون السؤال ما إذا كانت الآلة قادرة على التفكير، بل ما إذا كانت قادرة على التفكير بشكل أخلاقي.
اقرأ أيضًا: “الاسترجاع الديناميكي للذاكرة”.. هل يمكن للنماذج أن تتذكر وتتجاهل بوعي؟ – AI بالعربي | إيه آي بالعربي