صناعة الذكريات المزيفة.. كيف تؤثر الصور التي لا وجود لها على وعينا الجماعي؟
صناعة الذكريات المزيفة.. كيف تؤثر الصور التي لا وجود لها على وعينا الجماعي؟
AI بالعربي – خاص
في زمن الذكاء الاصطناعي التوليدي، لم تعد الصورة مرآة الواقع، بل أصبحت أداة لصناعته من جديد، وربما لتزويره. تُنتَج اليوم آلاف الصور بواسطة الخوارزميات دون أن يكون لها أي وجود في العالم الحقيقي، لكنها سرعان ما تنتشر وتترسّخ في الذاكرة البصرية للجمهور، حتى دون تحقق أو تشكيك. وهكذا تتكوّن ما يُعرف بـ “الذكريات المزيفة”، التي تُبنى على صور لم تحدث، لكنها تُستقبل كما لو كانت حقيقية.
تعتمد هذه الظاهرة على قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد صور فوتوغرافية واقعية تمامًا لأشخاص، أحداث، أو أماكن لم توجد يومًا. يكفي أن تكتب وصفًا، حتى تنتج الخوارزمية صورة دقيقة لما طلبته. ومع الانتشار السريع لهذه الصور عبر المنصات، يغيب الفارق بين الموثّق والمُتخيَّل، ويبدأ اللاواقعي في التسلل إلى الوعي الجمعي على أنه جزء من التاريخ.
الأمر لا يقتصر على الترفيه أو الإبداع البصري، بل يتجاوز ذلك إلى تشكيل تصورات جماعية حول الحروب، الشخصيات العامة، أو الأحداث المفصلية. صورة طفل يبكي تحت الأنقاض قد لا تكون حقيقية، لكنها تُستخدم في حملة سياسية أو إنسانية وتؤثر في الرأي العام. وفي لحظة، تصبح هذه الصورة “حقيقة شعورية” لا يمكن فصلها عن السياق العاطفي الذي وُضعت فيه.
تشير دراسات علم النفس المعرفي إلى أن الدماغ لا يميز دائمًا بين الصورة المتخيلة والصورة الحقيقية عند تكرار التعرض لها، خاصة إذا ارتبطت بعاطفة قوية. وهذا ما يجعل الذكريات المصنوعة عبر الصور المزيفة أكثر خطورة، إذ إنها لا تكتفي بخداع العين، بل تُعيد برمجة الذاكرة، وتعيد سرد التاريخ بطريقة غير موثّقة.
وفي عالم تنتج فيه الخوارزميات آلاف الصور يوميًا، يصعب على المستخدم العادي التحقق من كل ما يراه. بل إن بعض وسائل الإعلام وقعت بالفعل في فخ نشر صور مولّدة على أنها حقيقية، ما يعكس هشاشة المعايير في عصر السرعة الرقمية، ويضع المسؤولية على عاتق الجمهور والمؤسسات في آنٍ واحد.
لكن الأخطر من التضليل الفردي، هو أن الذكريات الجماعية — تلك التي تشكّل وعي الشعوب — أصبحت معرضة للتحوير والتلاعب. صورة واحدة تُنسب إلى مذبحة، أو لحظة بطولية، أو لقاء سياسي، كفيلة بإعادة رسم التاريخ في أذهان الملايين، حتى لو كانت زائفة تمامًا. وهنا يفقد التوثيق معناه، وتُستبدل الحقيقة بإنتاج بصري مُصمَّم بعناية.
في مواجهة هذه الموجة، تصبح الحاجة ملحة إلى تطوير أدوات تحقق أكثر فاعلية، وإلى تعليم بصري جديد يربّي الأجيال على الشك المنهجي، لا على الاستسلام البصري. فالحقيقة لم تعد تُرى بالعين فقط، بل يجب أن تُسند أيضًا بالعقل والسياق والمصدر.
ويبقى السؤال: عندما تصبح ذكرياتنا مبنية على صور لم تُلتقط أبدًا، فهل يمكن الوثوق بأي شيء بعد ذلك؟ وهل سيتحوّل التاريخ إلى منتج بصري يُعاد تركيبه وفق الأهواء والخوارزميات؟
اقرأ أيضًا: الرأي المصنّع.. من يقف وراء الحسابات التي تصنع الاتجاهات على وسائل التواصل؟