الانقراض الرقمي الطوعي.. موجة الانسحاب الكامل من الشبكات الاجتماعية
الانقراض الرقمي الطوعي.. موجة الانسحاب الكامل من الشبكات الاجتماعية
AI بالعربي – خاص
مع تزايد الضغوط النفسية والمعلوماتية على المستخدمين، بدأت ملامح ما يُعرف بـ “الانقراض الرقمي الطوعي” تتبلور كحركة انسحابية شاملة من المنصات الاجتماعية، حيث يتخلى الأفراد طوعًا عن حساباتهم الرقمية في مسعى لاستعادة السيطرة على وقتهم، صحتهم النفسية، وخصوصيتهم الشخصية.
يُشير مصطلح الانقراض الرقمي الطوعي إلى ظاهرة التوقف الكامل عن استخدام الشبكات الاجتماعية، ليس نتيجة اختراق أو إغلاق قسري، بل كقرار واعٍ نابع من مراجعة ذاتية لعلاقة الفرد مع التكنولوجيا. هذه الموجة تزداد زخمًا خاصة بين الفئات العمرية الشابة التي نشأت داخل البيئة الرقمية، لكنها بدأت تدرك آثارها السلبية المتراكمة.
في دراسة حديثة نشرتها جامعة ستانفورد، تبين أن 64% من الذين تخلوا عن الشبكات الاجتماعية أفادوا بتحسن في جودة النوم، و58% أشاروا إلى تحسّن في مزاجهم العام بعد الانسحاب. هذه النتائج تعكس أثر الاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي وما يصاحبه من قلق، مقارنة اجتماعية، وتشتت دائم.
الدافع الرئيسي خلف هذه الموجة لا يقتصر على الإرهاق النفسي، بل يشمل أيضًا المخاوف المتزايدة من استغلال البيانات، وتراجع الثقة بالمنصات الكبرى التي تتبنى نماذج أعمال تعتمد على التتبع والاستهداف الإعلاني. ومع تزايد الفضائح المتعلقة بتسريبات البيانات، أصبح الحفاظ على الخصوصية هدفًا أسمى لدى كثير من المستخدمين.
لا تقتصر مظاهر هذا الانسحاب على حذف التطبيقات فقط، بل تمتد إلى ما هو أعمق، مثل التخلص من الحاجة للتفاعل الدائم، التحرر من “فومو” (الخوف من فقدان شيء)، والعودة إلى علاقات أكثر واقعية وأقل وساطة رقمية. ويبدأ بعض المستخدمين في تبنّي بدائل تقنية أكثر احترامًا للخصوصية مثل البريد الإلكتروني المشفر أو المنصات اللامركزية.
وفي سياق أوسع، يُعتبر هذا الاتجاه أحد أشكال المقاومة الرقمية الجديدة، التي تعبّر عن رفض النماذج الاستهلاكية السائدة في بيئة الإنترنت، وتعيد طرح أسئلة جوهرية حول معنى التواصل والوجود الرقمي. إنه تحول نوعي في سلوك المستخدم، يضع أساسًا لما يُعرف بـ “التقشف الرقمي” كخيار فردي وجماعي في آن.
وفي ظل تطورات الذكاء الاصطناعي وزيادة الاعتماد على الخوارزميات التنبؤية في صياغة المحتوى وتوجيه السلوك، يصبح الانقراض الرقمي الطوعي موقفًا نقديًا تجاه واقع لم يعد يُحتمل من حيث التكرار، والضجيج، والمراقبة الصامتة. إنه انسحاب من أجل التوازن، لا هروب من الواقع.
ومع أن البعض قد يرى في هذه الظاهرة نوعًا من العزلة أو الانطواء، إلا أنها بالنسبة للكثيرين تمثل بداية جديدة لعلاقة أكثر نضجًا مع التقنية. فهل سيصبح الانقراض الرقمي هو الخيار القادم للأفراد الباحثين عن أنفسهم في زمن الاتصال الدائم؟
اقرأ أيضًا: اقتصاد القصص الشخصية.. لماذا أصبح الجميع يبيع تجربته؟