عشر توجهات تكنولوجية جديدة في 2021
د. حسام جميلي
باعتبار أن الحاجة أمّ الاختراع، فقد كان لانتشار جائحة كوفيد-19 دور أساسي في الخطى المتسارعة التي يشهدها العالم في عملية التحول الرقمي. ومع توجه الشركات نحو تبني أنظمة رقمية جديدة تماشياً مع الحاجة لهذه التقنيات، وسعياً منها لتعزيز قدرتها على الصمود في وجه الأزمات والتزوّد بالأدوات اللازمة لعالم ما بعد الجائحة، فقد باتت مواكبة التوجهات الحديثة في عالم التقنية أمراً بالغ الأهمية.
يقول الدكتور حسام جميلي، الشريك لدى بين أند كومباني في الشرق الأوسط: “في ظل العمل ضمن الأسواق التي تشهد تغيرات متسارعة، وظهور التوترات الجيوسياسية، وتفاقم تداعيات جائحة كوفيد-19، اضطرت شركات التكنولوجيا إلى مواجهة تحديات لم يسبق لها مثيل في العام الماضي. وحتى تكون هذه الشركات قادرة على التغلب على ما تواجهه من تحديات، لا بدّ لها من أن تعيد توضع أعمالها الأساسية وتوسيع آفاق قدراتها. قد يبدو ذلك صعباً على المدى القصير، غير أن قادة التكنولوجيا يدركون تماماً أنه سيؤتي ثماره على المدى الطويل”.
وسعياً من شركة بين أند كومباني للتعرف على أهم التوجهات والتطبيقات التكنولوجية المناسبة، فقد واظبت خلال العام الماضي على إجراء لقاءات دورية مع مجموعة مختارة تضم أكثر من 100 شركة وشركة ناشئة في مجال التكنولوجيا. وقد أثمرت هذه الجهود عن تحديد 10 توجهات رئيسية كان لها تأثير على مجموعة واسعة من القطاعات. وتساهم هذه التطبيقات التكنولوجية في إطلاق كم هائل من الفرص في عصر المؤسسات الرقمية والافتراضية.
1. الذكاء الاصطناعي الطرفي “يزرع الأدمغة” في أدوات المصنع وآلاته
يمثل “الذكاء الاصطناعي الطرفي” أو “الذكاء الاصطناعي في الحافة” الموجة التالية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن بنية تحتية للشبكات تسمح بتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على طرف الشبكة، وبالتالي فإنها ستكون أقرب من الأجهزة التي تجمع البيانات أو قد تكون في قلب هذه الأجهزة. ومن المرجّح أن تساهم المتغيرات المفاجئة والكبرى في الحركة على الشبكات جراء الانتقال إلى العمل عن بُعد بسبب جائحة كوفيد-19، في تسريع الخطى نحو الحوسبة الطرفية.
تشمل مزايا الحوسبة الطرفية حماية النطاق العريض وتعزيز الكفاءة من خلال معالجة المعلومات في موقع أقرب إلى مصدر البيانات والمستخدمين والأجهزة التي تحتاج إليها بدلاً من إرسال البيانات لمعالجتها في مواقع مركزية أو في البنية السحابية. ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي في الموقع، يمكن للمصنّعين التقليل من مشاكل التأخير وتسريع تقديم المعلومات في المصدر، في الوقت الذي تساهم في تخفيض استخدام الخدمات السحابية والتكاليف الناتجة عن ذلك. كما تنخفض تكلفة الاتصال نظراً لأن معالجة جزء من البيانات محلياً تقلل من استخدام النطاق العريض وحزم البيانات الخلوية. ونظراً لإجراء عملية الاستقصاء في المكان نفسه، تصبح المصانع الموجودة في مناطق نائية، والتي تمتلك بنية تحتية ضعيفة للاتصال، أقل عرضة لمشاكل فقدان الاتصال، الأمر الذي كان من شأنه أن يتسبب بتأخير اتخاذ القرارات الحساسة والمهمة لسير العمل.
2. تقنيات الجيل الخامس تحدث نقلة هائلة في مجالات التصنيع
يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي، بالاعتماد على أبحاث شركة آي اتش اس ماركيت، أن تعود شبكات الجيل الخامس للأجهزة المتحركة 5G على الاقتصاد العالمي بمبلغ قدره 13.2 تريليون دولار أمريكي، وأن تساهم في توليد 22.3 مليون وظيفة بحلول عام 2035. ومن خلال إطلاق آفاق جديدة وهائلة من الأنظمة التكنولوجية، فمن المتوقع أن يساهم المعيار اللاسلكي العالمي إلى حد كبير في تسريع الانتقال نحو تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والحلول الصناعية لإنترنت الأشياء.
وبفضل قدرة تقنيات الجيل الخامس على تلبية متطلبات الطاقة لربط ملايين نقاط الاتصال بتطبيقات تستخدم البيانات بكثافة، فمن المتوقع أن تساهم هذه التقنيات في تعزيز قطاع التصنيع ورفده بمزيد من القدرات الرقمية الجديدة والأكثر قوة. وباعتبار أن تقنيات الجيل الخامس أسرع من تقنيات الجيل الرابع بمائة مرة، فيمكنها تخفيض الزمن اللازم لمشاركة البيانات بشكل هائل إلى جانب إنهاء التأخير في المعالجة لتضمن قدرة أنظمة المصانع على التفاعل الفوري. وتضمن المزايا الفريدة والموثوقة لتقنيات الجيل الخامس الاتصال المستقر والثابت بالشبكة في أي مكان وفي أي وقت على أرض المصنع، وبالتالي ضمان استمرارية العمليات التشغيلية الهامة دون انقطاع. ويمكن لتقنيات الجيل الخامس أيضاً أن تساهم في إطلاق عصر التواصل بين الآلات.
3. بيانات الهواتف الذكية تدعم تأمين المركبات القائم على الاستخدام وتعزز سلامة السائقين
من المتوقع أن تصل قيمة سوق التأمين القائم على الاستخدام إلى 126 مليار دولار بحلول عام 2027، وكانت التطورات في مجال الاتصال عن بعد، الذي تعرفه غارتنر، الشركة العالمية للأبحاث والاستشارات، بأنه “استخدام تقنيات الأجهزة اللاسلكية و”الصندوق الأسود” لنقل البيانات بشكل فوري وإعادتها إلى المؤسسة”، قد ساهمت بوضوح في سوق التأمين القائم على الاستخدام، وذلك من خلال تقديم برامج تعتمد على السلوك أثناء القيادة لتأمين السيارات”.
وبناءً على التوقعات لوصول أعداد مستخدمي الهواتف الذكية إلى 3.8 مليار مستخدم في عام 2021، فإن إمكانات الاتصال عن بعد باستخدام الهواتف الذكية ترتقي بالتأمين القائم على الاستخدام إلى مستوى أعلى، وذلك بتمكين المستخدمين من استعمال تقنيات الاستشعار والتتبع الموجودة في الأجهزة الذكية من أجل جمع البيانات الفورية وفهم عادات القيادة لدى العملاء. ويؤدي ذلك إلى منح شركات التأمين فرصة لتكون أكثر تنافسية وابتكاراً عند وضع برامج التأمين المعتمدة على السلوك مع تعزيز سلامة السائق.
4. أتمتة تقنيات الذكاء الاصطناعي وتبسيطها تجعل المؤسسات المالية أكثر ذكاء
تتوقع البنوك وشركات التأمين زيادةً بنسبة 86% في استثمارات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، وذلك وفقاً لوحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونوميست. وحتى تتمكن الشركات من تحقيق الاستفادة القصوى من كافة إمكانات الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون الموظفون ممن لا يمتلكون معرفة جيدة بالحاسوب قادرين على استخدامه بحيث يعزز أداءهم التشغيلي – ولهذا السبب، سيكون من المهم للغاية عند تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، أن تكون هذه المنصات سهلة الاستخدام، وأن تمكّن موظفي الشركات من بناء النماذج سريعاً وفهم المعلومات التي تقدمها بسهولة واتخاذ القرارات بثقة.
5. الاهتمام الفعلي بحقوق إثبات الهوية والوصول إلى الشبكات في مجال الأمن السيبراني
وفقاً لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول، ساهمت جائحة كوفيد-19 في توفير فرص غير مسبوقة للمجرمين السيبرانيين لزيادة هجماتهم. إلا أن معظم الشركات تبالغ في تقدير أدائها في مجال الأمن السيبراني، حيث إن 24% منها فقط تلبي المعايير اللازمة بحسب دراسة أجرتها بين آند كومباني عام 2020. ولا بد من تحديد نقاط الضعف المشتركة في أمن تقنية المعلومات وتطوير مستوى نضج الأمن السيبراني للتمكن من بناء المؤسسات الرقمية القادرة على الصمود في وجه الكوارث والهجمات.
ومن الأساليب التي يتبعها المهاجمون، الهجوم على البنية التحتية للسجل النشط في الشركة، والذي يتحكم بحقوق تحديد هوية المستخدمين والوصول إلى شبكة الشركة. وبتلك الطريقة، يمكن للمهاجم السيبراني السيطرة على هاتف الرئيس التنفيذي وانتحال هويته والوصول إلى المعلومات السرية والداخلية. على الشركات تصميم خططها الأمنية بما يتناسب مع حماية سجلها النشط، وعليها الاستثمار في إمكانات الرصد للكشف عن الهجمات فوراً والتحقيق في أي اختراق للسجل النشط.
6. تقنيات القوى العاملة تعزز المرونة وتزيد الأرباح
يكلّف غياب الموظفين الشركات على الصعيد العالمي مئات المليارات من الدولارات سنوياً. فعلى سبيل المثال، يعتمد قطاع تجارة التجزئة اعتماداً كبيراً على التفاعل وجهاً لوجه بين العملاء والموظفين في المتاجر – وهو أمر زادت صعوبته للغاية في ظل آثار جائحة كوفيد-19. تفضل 88% من شركات التجزئة حول العالم زيادة أعداد الموظفين عن حاجتها بدلاً من المخاطرة بنقص عدد العاملين، وهو أسلوب يؤدي إلى ارتفاع تكلفة العمالة وتخفيض الأرباح. ولكن يمكن لتقنيات إدارة القوى العاملة أن تساعد الشركات في قطاع التجزئة على زيادة مستوى المرونة في العمل عبر الاستجابة السريعة لارتفاع مستويات النشاط وغياب الموظفين، وبالتالي تحسين الأداء التشغيلي وزيادة مستوى الأرباح.
7. البيانات الصحية أشبه بمنجم للذهب
من المتوقع أن تصل قيمة سوق البيانات الضخمة في قطاع الرعاية الصحية إلى حوالي 70 مليار دولار خلال عام 2025، أي حوالي ستة أضعاف قيمتها التي بلغت 11.5 مليار دولار عام 2016. يقدم التسارع الملموس في جمع البيانات الصحية للقطاع فرصة غير مسبوقة للاستفادة من الإمكانات الرقمية المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، في تحسين قدرات العلاج. كما يمكن للاستخدام الذكي للبيانات الصحية أن يساهم في تحسين رعاية المرضى والارتقاء بها إلى مستويات أعلى.
ومن خلال التعاون مع فريق المنتجات وابتكار التجارب لدى بين آند كومباني، قامت شركة أوروبية رائدة تعمل في مجال توزيع المستلزمات والخدمات الطبية بتطبيق الذكاء الاصطناعي، ومن ضمن ذلك تعلّم الآلة، عند علاج الجروح التي يصعب شفاؤها من خلال تطوير تطبيق للأجهزة المتحركة يستخدمه العاملون في مجال الرعاية الصحية. ويستخدم التطبيق الذي اعتمد باعتباره جهاز طبي، تقنيات التعرف على الصور لتحديد ما إذا كان الجرح ملتهباً أو مصاباً بعدوى ما. وقد أدى استخدامه إلى انخفاض هائل في كميات المضادات الحيوية غير الضرورية وتخفيض زمن شفاء الجروح الصعبة من سنوات إلى أشهر.
8. علوم الإدراك وتقنيات التلعيب في العمل تمنح الفوز لأصحاب المواهب في قطاع الموارد البشرية
بحلول العام 2025، سيشكّل جيل الألفية ثلاثة أرباع القوى العاملة حول العالم. وفيما تعمل المؤسسات بشكل متزايد مع مجموعة من المرشحين المتمرسين بالتعامل مع الإمكانات الرقمية، فسيكون عليها تحديث عملية التوظيف التي تتبعها. فاستخدام التكنولوجيا لتطوير عملية مبتكرة للتوظيف من شأنه تحسين أداء فرق الموارد البشرية وتسريع عملية تحديد المرشحين الواعدين، كما أنه يلبي توقعات الجيل الجديد من المواهب. على الشركات الاستفادة من البرمجيات التي يمكنها تقييم الخبرة والمهارات التقنية والقدرات الفكرية والمهارات الشخصية والملاءمة الثقافية والعديد من العناصر الأخرى ضمن تجربة سلسة يشارك فيها المرشح، بحيث تعزز الموضوعية والتنوع في العملية من خلال إلغاء التحيّز القائم على العمر أو العرق أو العوامل الأخرى. إنها عملية مختلفة بالفعل عن عملية التوظيف التقليدية.
9. الانتقال من البيع إلى التأجير يمّكن مزاولة الأعمال بطريقة صديقة للبيئة
بحلول العام 2029، يتوقع أن يحل الاقتصاد الدائري مكان الاقتصاد الخطي حول العالم، وفقاً لـ “غارتنر”. كما أن الانتقال من العلاقات التعاقدية القائمة على بيع المنتجات إلى نموذج من الإنتاج والاستهلاك قائم على المشاركة والتأجير وإعادة الاستخدام وإعادة تدوير المواد والمنتجات الموجودة، يحظى بالأفضلية في ظل تفضيل المستهلكين والمعنيين للانتقال نحو الاستدامة. تواجه المؤسسات ضغوطات متزايدة لتقليل استهلاك الموارد الطبيعية في إنتاج منتجاتها وخدماتها. ووفقاً لـ جيم سوليفان، رئيس مسرّع الابتكار والاستدامة العالمية لدى SAP، فإنه بوسع التكنولوجيا مساعدة البشرية على حماية المحيط الحيوي للكوكب بشكل أفضل والانتقال إلى الاقتصاد الدائري الشامل.
10. استخدام التكنولوجيا للقضاء على هدر الغذاء
وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يتعرض أكثر من 30% من الغذاء في العالم للفقدان أو الهدر كل عام. وباستخدام التقنيات التي تقلل الهدر، بات من الممكن تقليل كميات الأغذية التي تتجه للنفايات لدى الشركات وقطاع التجزئة بشكل كبير إلى جانب تعزيز الأمن الغذائي وتخفيف معاناة مئات الملايين من البشر الذين لا يجدون قوت يومهم.
لقد أحدثت جائحة كوفيد-19تحولاً تكنولوجياً هائلاً وغير مسبوق في كافة القطاعات. وفي خضم السعي نحو بناء قدرات رقمية جديدة وقوية، والتزود بالأدوات اللازمة للمستقبل القريب، تحتاج الشركات والمؤسسات إلى شركاء مبتكرين. ومع خلال اختيار مجموعة موثوقة من “الحلفاء”، فلا بد لهذه الشركات أن تهيئ أعمالها للازدهار في المستقبل، عن طريق تبني هذه التوجهات التكنولوجية البالغة الأهمية التي باتت تفرض نفسها في الوقت الحالي.