الذكاء الاصطناعي الأخضر.. خطوات الاستدامة وتحقيق الطموحات
AI بالعربي – خاص
باتت الأداة الذكية واحدة من معطيات العصر، إن لم تكن هي المُعطى الأكثر إبهارًا في عالمنا اليوم، حتَّى صارت مواتية وموائمة لكل التغيُّرات، فأصبح الاتجاه نحو تفوُّق ذكي يجيد رؤية الطموحات المستقبلية على صعيد العديد من المجالات، لا سيَّما وإن كانت هذه الأداء تتبع الذكاء الاصطناعي الأخضر.
ماذا لدينا حول الذكاء الاصطناعي الأخضر؟
يشر مفهوم “الذكاء الاصطناعي الأخضر”، إلى تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال إنشاء خوارزميات ونماذج وأنظمة صديقة للبيئة ومستدامة للحد من آثار أنشطة الإنسان على البيئة. الهدف من الذكاء الاصطناعي الأخضر هو تعزيز كفاءة الطاقة وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتعزيز الممارسات المستدامة.
أساسيات الذكاء الاصطناعي الأخضر
1. كفاءة الطاقة
الذكاء الاصطناعي يُسهم في تحسين كفاءة استخدام الطاقة عبر شبكات الطاقة الذكية التي تتكيف ديناميكيًا مع الطلب المحلي، مما يقلل الهدر ويزيد الكفاءة. تقنيات التعلم الآلي تُساعد في التنبؤ بإنتاج الطاقة المتجددة ودمجها بشكل فعال في الشبكات. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الطاقة في المباني والمدن الذكية عبر تحليل بيانات المستشعرات لضبط التدفئة، التهوية، التكييف، والإضاءة، مما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية.
2. التنقل الذكي
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحويل أنظمة النقل التقليدية إلى شبكات مستدامة وفعّالة من خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي للتنبؤ بأنماط المرور وتخفيف الازدحام. يدعم تطوير السيارات ذاتية القيادة التي تعزز السلامة وتقلل الحوادث وتستهلك طاقة أقل بفضل تقنيات التعلم المعزز. كما يُسهم في تحسين دقة جداول النقل العام لضمان كفاءة وصول الحافلات والقطارات.
3. الزراعة المستدامة
يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز كفاءة الزراعة من خلال تطبيقات مثل الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات المستشعرات والطائرات بدون طيار. يساعد في تحليل صحة المحاصيل، تحديد احتياجات الري والتسميد، وتقليل استخدام المواد الكيميائية، مما يقلل التأثير البيئي ويزيد الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، يُساعد في التنبؤ بالمحاصيل والكشف المبكر عن الأمراض لتقديم دعم فوري للمزارعين.
4. التصدي لتغير المناخ
يدعم الذكاء الاصطناعي جهود مواجهة تغير المناخ من خلال تحسين استهلاك الطاقة وتوقع الطلب على الكهرباء. يُستخدم أيضًا في اكتشاف تسربات الميثان ومعالجة الانبعاثات باستخدام تقنيات تعلم آلي متقدمة، مما يساهم في تقليل الكربون والانتقال إلى الطاقة النظيفة.
5. صياغة السياسات البيئية
يوفر الذكاء الاصطناعي أدوات قوية لتحليل البيانات الضخمة ودعم اتخاذ قرارات بيئية مستنيرة. تُستخدم النمذجة المعتمدة على الوكلاء لتصميم استراتيجيات تُشجع على المشاركة المجتمعية في الاستدامة. هذه التقنيات تتيح تطوير سياسات فعّالة للحفاظ على الموارد وتحسين إدارة البيئة.
نماذج ومجالات الاقتصاد الأخضر
أشارت دراسة بعنوان A review of green artificial intelligence: Towards a more sustainable future تم نشرها عبر مجلة Neurocomputing عام 2024، نحو أهمية مواءمة ممارسات الذكاء الاصطناعي مع الاعتبارات البيئية، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر وعيًا بالطاقة وكفاءةً لأنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تتيح ما يلي:
1. تحسين استهلاك الطاقة: يقدم الذكاء الاصطناعي حلولًا مبتكرة لتحسين استهلاك الطاقة عبر أنظمة إدارة ذكية تقلل من الهدر وتخفض الانبعاثات الكربونية من خلال تحسين الاستجابة لتغيرات الطلب.
2. دعم الزراعة المستدامة: يعزز الذكاء الاصطناعي الزراعة من خلال تحسين استخدام الموارد مثل المياه والأسمدة، وتقديم تحليلات دقيقة للمزارعين لتقليل التأثير البيئي ودعم ممارسات زراعية مستدامة.
3. تحسين عمليات إعادة التدوير: يدعم الذكاء الاصطناعي إعادة التدوير من خلال تصنيف النفايات وتحليلها، والتنبؤ بحجمها، مما يعزز ممارسات الاقتصاد الدائري ويقلل من النفايات.
4. تطوير المدن الذكية: يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الحياة في المدن الذكية من خلال تحسين استهلاك الطاقة، إدارة حركة المرور، تعزيز الأمن، وتقليل الانبعاثات الكربونية.
5. تطبيقات الذكاء المناخي: يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين إدارة البيانات المناخية من خلال التنبؤ بالكوارث البيئية، وتحليل تأثير التغير المناخي على الصحة العامة والاقتصاد، ودعم قرارات أفضل للتكيف والتخفيف.
6. تعزيز الشبكات الذكية بالطاقة المتجددة: يدمج الذكاء الاصطناعي بين استقرار الشبكات وموثوقيتها ومرونتها، مع تحسين توزيع الطاقة واكتشاف الأعطال وإدارة الأحمال الديناميكية لمصادر الطاقة المتجددة.
أهداف الذكاء الاصطناعي الأخْضر
في هذا السياق، يركز “Green-in AI” الذكاء الاصطناعي الأخْضر على ضرورة أن يكون ذاته أداة لتحقيق الاستدامة، من خلال تحسين كفاءته وتقليل استهلاك الطاقة أثناء تطوير واستخدام النماذج الذكية. بحسب دراسة بعنوان The role of artificial intelligence in achieving the Sustainable Development Goals تم نشرها عبر مجلة Nature Communications volume عام 2020، يشير ذلك إلى ضرورة استخدام خوارزميات وعمليات حسابية مصممة لتكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة؛ من أجل تحقيق تلك الأهداف:
1. تحسين الخوارزميات
يتطلب تحسين الخوارزميات تقنيات تهدف إلى تقليل متطلبات الموارد الحاسوبية، مما يقلل من استهلاك الطاقة. تتضمن هذه التقنيات “التدريب النادرSparse Training”، وتقنيات “التقليل من دقة العمليات الحسابيةLow-Precision Arithmetic “، التي تسهم في تقليل الاستهلاك العام للطاقة.
2. تحسين الأجهزة
يُعتبر اختيار الأجهزة الحاسوبية الأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة أمرًا بالغ الأهمية. على سبيل المثال، تُعد وحدات معالجة الرسومات (GPUs) ، والمعالجات المتخصصة (TPUs) أكثر كفاءة في تنفيذ المهام المتعلقة بالتعلم الآلي. كما أن استخدام “الحوسبة المتوازية” يساعد في توزيع العمليات الحسابية عبر معالجات متعددة، مما يُقلل من الوقت اللازم للتدريب ويسهم في تقليل انبعاثات الكربون.
3. تحسين مراكز البيانات
مراكز البيانات تعتبر من أكبر مصادر استهلاك الطاقة، ولذلك يتم تطوير خوارزميات لتحسين توزيع الأحمال الخادمة وتعديل أنظمة التبريد في مراكز البيانات. يعتمد هذا على التفاعل مع الطاقة النظيفة وتقليل استهلاك الطاقة من خلال تقنيات أكثر كفاءة، مثل استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الفاقد في الحرارة.
4. تقليص العوامل المقياسية البراغماتية
إن الحد من عدد المرات التي يتم فيها تشغيل الخوارزمية، خاصة تلك التي تتطلب حسابات كثيفة، هو بلا شك أسهل طريقة لتقليل استهلاك الطاقة. استراتيجية أخرى ممكنة هي تقليص الوقت المُستغرق في ضبط المعاملات الفائقة (Hyperparameter Tuning)، مثل استخدام أساليب بحث أقل استنفادًا.
التحديات والاتجاهات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي الأخضر
الثغرات المناخية وتحديات البنية التحتية
التغيرات المناخية السريعة والسلوك غير المسؤول في الإنتاج والاستهلاك يخلقان فجوات كبيرة تتطلب تدخلات مبتكرة للذكاء الاصطناعي، لكن نقص البنية التحتية المتطورة في العديد من الدول يعيق تطبيق هذه الحلول.
جودة البيانات والمصادر الموثوقة
يعتمد الذكاء الاصطناعي الأخضر على بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات مستنيرة، إلا أن عدم موثوقية البيانات أو محدودية مصادرها يمكن أن يؤثر سلبًا على كفاءة النماذج المستخدمة.
التشريعات والخصوصية
النمو السريع للذكاء الاصطناعي يضع تحديات أمام صياغة قوانين تنظم العمل وتضمن الخصوصية، مما يستلزم جهودًا دولية متضافرة لضبط استخداماته في مجالات مثل الطاقة النظيفة.
الخبرة المتخصصة
نقص التخصص في الذكاء الاصطناعي بمجالات معينة، مثل المناخ، يجعل من الصعب تطوير تطبيقات فعّالة ومستدامة، مما يتطلب بناء خبرات متعددة التخصصات لدعم تطور الذكاء المناخي.
ابتكارات مستقبلية صديقة للبيئة
الاتجاهات الناشئة تشمل تطوير الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير لتعزيز الشفافية، وتصميم مسرعات صديقة للبيئة، والحوسبة العصبية التي تحاكي الدماغ البشري، والأجهزة الذكية لجمع الطاقة، مما يتيح فرصًا لحلول مستدامة ومبتكرة.
ختامًا، قد لا يكون واقع الذكاء الاصطناعي الأخضر حاضرًا بقوَّة، لكن وضوحه ومساعي تنفيذه واعتمادات الحكومات لتيسيره وتطبيقه سيجعله واحدًا من شركاء المستقبل الفائق.