كيف يمكن للشركات تحويل الذكاء الاصطناعي من فكرة إلى استراتيجية: خطوات منهجية للتبني الفعّال

23

محمد بن نخيلان الشمري

مؤخرًا، تشرفت بحضور ورشة عمل استثنائية بعنوان “الذكاء الاصطناعي للقادة”، نظمتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية. كانت الورشة بمثابة منصة معرفية جمعت قادة الأعمال لاستكشاف استراتيجيات عملية لتبني الذكاء الاصطناعي في شركاتهم. استعرضت الورشة العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لتبني الذكاء الاصطناعي، وأكدت على دوره كمحرك رئيسي للتحول الرقمي وتحقيق العائد على الاستثمار في بيئات العمل المستقبلية.

هذا الحدث سلط الضوء على فجوة كبيرة في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي: رغم أن الجميع يتحدثون عن الذكاء الاصطناعي، إلا أن قلة فقط هم من يترجمون الحديث إلى أفعال ملموسة.

الذكاء الاصطناعي: الإمكانات غير المستغلة

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بدءًا من خدمة العملاء، إلى التسويق، وحتى البرمجة. الأدوات المتقدمة مثل ChatGPT وGitHub Copilot أصبحت قادرة على تحسين الإنتاجية بنسبة تصل إلى 25% في بعض القطاعات.

لكن رغم هذه الإمكانات الهائلة، تُظهر الأرقام فجوة مقلقة: استبيان أجرتهBoston Consulting Group   كشف أن 89% من الرؤساء التنفيذيين يعتبرون الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى لعام 2024، لكن فقط 6% منهم قاموا بخطوات فعلية لتطوير مهارات موظفيهم في هذا المجال.

هذا التفاوت يبرز مشكلة أساسية: كيف يمكن للشركات الانتقال من الحديث عن الذكاء الاصطناعي إلى تطبيقه بشكل فعّال؟ سأناقش في هذه المقالة إطار عمل “عملي” لتبني الذكاء الاصطناعي بفعالية في الشركات

التقييم (Assess): أين نحن الآن؟

البداية دائمًا من تقييم الوضع الحالي. ما هي المجالات التي تستخدم فيها شركتك الذكاء الاصطناعي بالفعل؟ وأين تكمن الفرص غير المستغلة؟

هناك ممارسة تعرف بـ” secret cyborgs”، وهم موظفون يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاجيتهم بشكل فردي دون دعم رسمي من الشركة. هذا النهج الفردي لا يفيد المنظمة ككل، لكنه يُظهر الحاجة إلى توجيه هذه الجهود لتصبح جزءًا من استراتيجية شاملة.

التعلم (Learn): بناء ثقافة المشاركة والتعاون

التعلم ليس مجرد جلسات تدريبية، بل هو ثقافة يتم غرسها داخل الشركة. الشركات تحتاج إلى بناء “مجتمعات ممارسة” (Communities of Practice)  حيث يمكن للموظفين مشاركة الأفكار والخبرات حول استخدام الذكاء الاصطناعي.

هناك أمثلة ملهمة عن مجتمعات مثل “هاكاثونات الذكاء الاصطناعي” و“ورش العمل التفاعلية”، التي تجمع الموظفين لحل مشاكل حقيقية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه الجلسات ليست مجرد تمارين فكرية، بل أدوات فعّالة لتحفيز الابتكار وكسر الحواجز بين الأقسام المختلفة.

التجربة (Experiment): لا تنتظر الكمال

لا تنتظر الأداة المثالية أو اللحظة المناسبة للبدء. الشركات الناجحة تبدأ بتجارب صغيرة ومركزة لاكتشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي في أقسام مختلفة.

على سبيل المثال، قسم التسويق يمكن أن يختبر استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات العملاء، بينما يمكن لقسم الموارد البشرية استخدامه لتحسين عمليات التوظيف.

الدرس هنا واضح: ابدأ صغيرًا، تعلم من الأخطاء، وتكيف بسرعة.

البناء (Build): تحويل التجارب إلى عمليات مستدامة

عندما تنجح التجارب الصغيرة، يصبح الوقت مناسبًا لتحويلها إلى ممارسات مستدامة داخل الشركة.

إحدى الأفكار الرئيسية التي طرحتها الورشة هي أهمية العمل مع مزودي حلول مبتكرين لتسريع التنفيذ وتقليل الوقت المستغرق لتعلم الأنظمة الجديدة. عندما يتم دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات اليومية، يصبح جزءًا لا يتجزأ من طريقة عمل الشركة.

التوسع (Scale): من الحلول الصغيرة إلى التأثير الكبير

التوسع هو الخطوة الأخيرة. عندما تُثبت الحلول فعاليتها، يمكن نشرها على نطاق أوسع داخل المنظمة. الهدف هنا هو جعل الذكاء الاصطناعي جزءًا من الحمض النووي للشركة، بحيث يصبح عاملًا أساسيًا في تعزيز الكفاءة والابتكار.

مراكز التميز: الأساس التنظيمي للنجاح

إحدى أبرز الأفكار والممارسات المهمة لتبني الذكاء الاصطناعي هي إنشاء “مراكز تميز” (Centers of Excellence) للذكاء الاصطناعي داخل الشركات.

هذه المراكز تعمل كمحور لإدارة المشاريع، ووضع معايير الحوكمة، وتقييم المخاطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المراكز تطوير مقاييس أداء مخصصة لتقييم فعالية أدوات مثل ChatGPT وClaude.

بفضل هذه المراكز، يمكن تحويل التجارب الصغيرة إلى حلول مبتكرة قابلة للتوسع بشكل استراتيجي.

تحول الثقافة المؤسسية: الابتكار هو الأساس

النجاح في تبني الذكاء الاصطناعي لا يعتمد فقط على الأدوات أو الميزانيات، بل على الثقافة المؤسسية. الشركات بحاجة إلى خلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالأمان للتجربة والفشل.

هذا التحول يتطلب إعادة صياغة كيفية التفكير في الابتكار، حيث يصبح التعاون والاستكشاف هما المحرك الرئيسي للنجاح.

النتائج: العوائد الاقتصادية والاجتماعية لتبني الذكاء الاصطناعي

وفقًا لتوقعات McKinsey وPwC، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضيف بين 13 و15.7 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030. بالنسبة للشركات التي تتردد في تبني الذكاء الاصطناعي، هذا يعني التخلي عن فرصة لا تُعوَّض لتحقيق التقدم الاقتصادي.

في المملكة العربية السعودية، تبني الذكاء الاصطناعي بفعالية يمكن أن يكون المحرك الأساسي لتحقيق رؤية 2030، من خلال تعزيز الكفاءة وزيادة التنافسية عالميًا.

خاتمة: وقت العمل الآن

ورشة “الذكاء الاصطناعي للقادة” كانت تذكيرًا واضحًا بأن النجاح في عالم الأعمال اليوم يتطلب أكثر من مجرد الحديث عن الذكاء الاصطناعي. الشركات بحاجة إلى خطة منهجية تبدأ بالتقييم، ثم التعلم، والتجربة، والبناء، وأخيرًا التوسع.

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو فرصة لإعادة تعريف الطريقة التي نعمل بها ونبتكر. الآن هو الوقت لاتخاذ الخطوة الأولى وتحويل الذكاء الاصطناعي من فكرة إلى استراتيجية ناجحة.

المصدر: المال

 

اترك رد

Your email address will not be published.