نظريات وانظمة التعلم لعصر الذكاء الاصطناعي
علاء جواد كاظم
من المتوقع جدا أن تتغير انظمة ونظريات التعليم في المستقبل، وذلك بسبب التطورات المستمرة في التكنولوجيا، ومنها “تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي” والتعلم الالي لذا اصبحت الحاجة لأعادة النظر في نظريات التعلم امريا حيويا خصوصا في عصر الذكاء الاصطناعي والتقدم السريع في التكنولوجيا، ادوات الذكاء الاصطناعي بدأت تلعب دورما مهما في عملية التعليم والتعلم، ومن المهم جدا التطرق حول كيفية تكييف طرائق واساليب التدريس لمواكبة هذه التطورات السريعة في المجال الرقمي، ومن المهم جدا ايضا النظر في كيف يمكن للتقنيات الناشئة ان تسهم في تحسين عملية التعليم والتعلم، وكيفية توظيف ادوات الذكاء الاصطناعي لتحسين وتطوير طرائق واساليب التدريس التقليدية،ويعرف الذكاء الاصطناعي “AI” على انه تقنية تحاكي الذكاء البشري وقادرة على اداء وظائف ومهام تتطلب عادة ذكاء بشريا كالادراك والاستدلال والتعلم واتخاذ القرارات وحل المشاكل وغيرها من المهام الصعبة كتحليل البيانات وعمل التنبؤات المستقبلية، ومن انواع ادوات او تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل روباتات الدردشة والادوات الافتراضية المساعدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومن ادوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التعليم مثل Google Classroom, Course Hero, ALEKS, Coursera وغيرها من الادوات والمنصات التعليمية المستخدمة في عملية التعليم لانشاء محتوى تعليمي افتراضي، وفي ضوء هذه التطورات والاهمية المتزايدة في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي وبالاخص استخداماتها في التعليم، تطرح العديد من التحديات والفرص والتي يجب علينا ان ناخذها بنظر الاعتبار في فلسفة انظمة ونظريات التعلم الحديثة وهذه التوجهات والاسباب تبرز الى حاجة ملحة جدا ومنها كما يلي:
الشخصنة والتكيف
هي قدرة وامكانية الانظمة الذكية على تعديل انتاجها وسلوكها بناء على معلومات المستخدم وتفضيلاته، تعني ان قدرة النظام الذكي على انشاء محتوى تعليمي مخصص يتناسب مع احتياجات ومتطلبات كل متعلم على حدة، ونجد ان الشخصنة هي نظام يمكن ان يتعرف على خصائص المتعلم الفردية مثل اسلوب واهتمام ومستوى المعرفة لكل متعلم من اجل تقديم تجربة متعلم فريدة من نوعها، وبالمقابل نجد ان التكيف هو قدرة النظام على تغيير استجابته وتوصياته بمرور الوقت نتيجة لتفاعل المتعلم والتغير في سلوكه وهذا يعني ان نظام التكيف قادر على ان يتعلم من كل تفاعل وبالتالي سيصبح اكثر فعالية ودقة في تلبية احتياجات المتعلم التي تتناسب مع مستوى فهم الطالب وسرعة تعلمه، وتتكيف مع تقدمه لتقديم تحديات جديدة تتناسب مع مستواه التعليمي الجديد، هذه القدرات والامكانيات التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي التوليدي تعتبر وسيلة قوية لتقديم تجارب شخصية ومتطورة قائمة على تحليل البيانات الكيبرة “Big Data” وتعلم الالة “Machine Learning” في مختلف مجالات الحياة ومنها التعليم على حدا سواء.
التعلم القائم على البيانات
هو نهج تعليمي قائم على جمع وتحليل البيانات الهائلة”Big Data” لتوجيه وتطوير عملية التعليم، حيث يركز هذا النهج التعليمي على استخدام البيانات الكبيرة المجمعة من التقييمات التكوينية والاختبارات والملاحظات الصفية، لغرض فهم اداء المتعلمين وتحديد نقاط القوة والضعف وبالتالي يمكن تقديم رؤى حول كيفية تعلم الطالب بشكل اكثر فعالية، من مميزات هذا النهج القائم في فهم التعلم القائم على البيانات ان يستخدم معايير تعليمية محددة لتوجيه التعليم، ويساعد المعلمين على كيفية تصميم مناهج تعليمية متماسكة وهادفة المعنى، ويضمن تلقي المتعلمين التعليمات المستهدفة وتقييمهم بناء على اتقانهم اهداف التعلم، بالاظافة الى دور تحليل البيانات لتوفر رؤية قيمة حول اداء المتعلمين وتكيفهم للتعليمات وفقا لاحتياجاتهم الشخصية، ويساعد على تقديم التدخلات التربوية في وقت الضرورة، ويمكن القول ان استخدام التعلم القائم على البيانات يساعد المعلمين على تعزيز تحصيل الطلبة، وتقديم تعليم متخصص يدفع نحو التطور المستمر في بناء وانشاء بيئة تعليمية تتسم بالدينامكية التي تلبي الاحتياجات الخاصة والمتنوعة للطلبة وتعزيز فرص النجاح لديهم.
التعلم مدى الحياة
هو ببساطة عملية اكتساب او بناء المعارف والمهارات على مدار حياة الفرد، يتضمن هذا المفهوم من التعلم الاستفادة من فرص التعليم الرسمي والتعليم غير الرسمي لتعزيز وتطوير مهارات الفرد المهنية والشخصية، وهو بحد ذاته يعتبر من انماط التعلم الذاتي القائم على اكتساب مهارات ومعارف اظافية لغرض تحقيق النمو الشخصي والمهني للمتعلم، هذا النمط من التعلم يعتبر امرا ضروريا في الحياة التي تتسم بسرعة التغيرات والتطور التكنولوجي الهائل، حيث يمكن الافراد على مواكبة هذه التغيرات وتحسين نمط حياتهم نحو الافضل ويعزز فرصة الاندماج الاجتماعي وتنمية المواطنة الصالحة في المجتمع. ومن الفوائد والاسباب التي تشجع على التعلم مدى الحياة هو للصحة العقلية، احترام الذات، التقدم الوظيفي، تطوير المهارات العقلية، التواصل مع افراد المجتمع، والتعرف على اهم الاهتمامات والاهداف الشخصية، ومن هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليسهم في تعزيز نمط التعلم مدى الحياة من خلال توفير وسائل وادوات تعليمية تمكن المتعلم الوصول اليها في اي مكان او زمان، وهذا بدوره يتطلب اعادة النظر في امكانية وكيفية دعم وتعزيز الاشخاص للتعلم المستمر عبر مراحل حياتهم المتنوعة.
التفاعل بين الانسان والالة
التفاعل بين الانسان والالة يحتاج الى تظافر جهود جميع العلماء وخاصة في مجال علم النفس والتربية، لانه مجال متعدد التخصصات ويبحث في كيفية التواصل بين الانسان والانظمة الحاسوبية، ويتضمن هذا المجال كيفية تصميم وتقييم واجهات المستخدم التي تبسط وتعزز التفاعل بطريقة اكثر سهولة وفعالية في الاستخدام الامثل للتكنولوجيا وانظمتها الرقمية، على سبيل المثال، استخدام الذكاء الاصطناعي يساهم في تطوير وتعزيز هذا التفاعل عبر تمكين الانظمة من فهم الاوامر البشرية وسرعة الاستجابة لها بطرق ذكية، وتاتي اهمية هذا التفاعل القائم بين الفرد والالة من خلال تحسين الكفاءة الانتاجية للفرد في المؤسسة وتقليل الاخطاء البشرية، ويعزز الامان والراحة النفسية للاشخاص المستخدمين، هناك معايير وسياقات خاصة تحدد اذا ما كان ذكاء الانسان افضل ام ذكاء الالة، وعليه لابد من الاجابه على هذا السوال، حيث نجد ان الالة مصممة لاداء مهمة محددة وبكفائة وبدقة عالية وفي بعض الحالات يمكن ان تتفوق على البشر في سرعة الدقة والقدرة على التعامل مع البيانات الهائلة، ولكن نجد ان البشر يتميزون او يتمتعون بالقدرة والامكانية على الابداع والتعاطف واتخاذ القرارات وحل المشاكل والالتزام بالمسؤؤلية الاخلاقية وهي صفات لا يمكن ان تحققها الالة بنفس الطريقة، ويمكن القول ان الالة والانسان يكمل كل منهما الاخر من حيث تستطيع الالة تعزيز قدرة البشر وتمكنهم من تحقيق غاياتهم، بالمقابل امكانية البشر على ان يوجهوا الالة ويستخدمها بطريقة تعود بالنفع على البشرية، ومن هنا تبرز اهمية التعلم في عصر الذكاء الاصطناعي الذي يتضمن تفاعلا مباشرا بين المتعلمين وانظمة الذكاء الاصطناعي، وهذا بدوره يتطلب تطوير او ايجاد نظريات تعلم حديثة تاخذ بنظر الاعتبار كيف يمكن ان نحسن هذا التفاعل القائم بين الانسان والالة لجعله اكثر امان وفعالية وانسانية.
الاستخدام الاخلاقي والمسؤؤل للذكاء الاصطناعي
يشير هذا المفهوم الى مدى امكانية تطبيق المبادئ الاخلاقية والمسؤؤلية في تصميم وتطوير وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم والتي تثير قضايا اخلاقية تتعلق بخصوصة الفرد والتحيز والشفافية في التعامل مع الانسان، ليتضمن الالتزام بمعايير حقوق الانسان من النواحي اعلاه، وعليه ان نظريات التعلم الحديثة يجب ان تاخذ بنظر الاعتبار هذه النواحي من اجل ضمان ان يكون استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم اخلاقيا ومسؤؤلا، وبالمقابل ستظل هناك حاجة الى التوازين بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والبشرية من اجل الحفاظ على ضمان وجود العنصر البشري في التعليم.
تنمية مهارات المستقبل
الحاجة الى تطوير بعض المهارات في المستقبل مثل التفكير النقدي، والابداعي، والقدرة على التكيف مع التقنيات الرقمية الناشئة جاءت بسبب التغيرات الحاصلة في سوق العمل بفعل تاثير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، نجد ان الذكاء الاصطناعي والتعلم الالي مهارة تتضمن معرفة وفهم الخوارزميات وكيفية تطبيق ادوات التعلم الالي لتحليل البيانات واتخاذ القرارات وايجاد الحلول السريعة للمشاكل المعقدة، في حين نجد ان مهارة تحليل البيانات هي القدرة على جمع وتحليل وتفسير البيانات الضخمة لاتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، اما مهارة الامن السيبراني هي من المهارات المهمة مع زيادة وتيرة التهديدات الالكترونية في الفضار الرقمي لمكافحة الابتزاز الرقمي وحماية الانظمة والمعلومات الحيوية والشخصية للافراد والمؤسسات، بالمقابل نجد مهارة التفكير الابداعي والابتكاري وحل المشكلات ستكون قادرة على ايجاد حلول مبتكرة وجديدة لمشكلات العالم المتزايدة، وخصوصا مشكلة نقص المياة والتصحر والتغيير المناخي والفقر وغيرها، اما مهارة المرونة والقدرة على التكيف ضرورية مع التغييرات الحاصلة في سوق العمل ومتطلبات العصر الرقمي الحالي للقدرة على التكيف السريع مع متطلبات المستقبل، اما بخصوص مهارة الذكاء العاطفي فهي لفهم وادارة العواطف والمشاعر والاحاسيس البشرية للتعامل مع الاخرين من اجل تعزيز التعاون والعمل الجماعي – التعاوني، ونجد مهارة القدرة للعمل عن بعد او افتراضيا تتزايد مع متطلبات العمل في السوق والتجارة الرقمي لكي يكون كل الاشخاص قادرين على التعامل والاتصال والتعاون بكفاءة عالية ومن مواقع مختلفة في العالم، وهناك مهارات اخرى مثل مهارة التواصل ومهارة معرفة البرمجة ومهارة التفكير النقدي للقدرة على التفكير بشكل منطقي وتحليلي لتقييم الحالات واتخاذ القرارات الصحيحة.
المصدر: المدى