الذكاء الاصطناعي.. ظاهرة معقدة ومتشعبة

68

د. طلال أبوغزالة

غالبًا ما يتم تصور الذكاء الاصطناعي “ProPro” على أنه كيان يتشبه بالإنسان أو الآلة، لكن هذا لا يعكس طبيعته وإمكاناته الحقيقية، فالذكاء الاصطناعي ظاهرة معقدة ومتشعبة، فيمكنه أداء مهام مختلفة والتعلم من البيانات وتوليد أفكار جديدة وتحسين نفسه. كما أنه يتخذ أشكالًا مختلفة ويتفاعل في بيئات وسيناريوهات مختلفة مما يجلب العديد من الفوائد للإنسانية في عالمنا الرقمي المليء بالبيانات الضخمة.  كما أنه يشكل مخاطر، مثل المعضلات الأخلاقية، والآثار الاجتماعية والاقتصادية، والتحديات العلمية، فضلاً عن عدم إمكانية التنبؤ به. لذلك، نحن بحاجة إلى تهيئة مستقبل الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة ومستدامة من خلال اعتماد نهج متعدد التخصصات وتشاركي وعالمي يشمل جهات فاعلة من مختلف المجالات والمناطق لبناء أساس قوي لدفع هذه التكنولوجيا إلى الأمام.

لذلك يجب أن نكون على دراية بالسياقات والرؤى التي تؤثر على توقعاتنا وتطلعاتنا ومخاوفنا فيما يخص الذكاء الاصطناعي، وأن نتذكر أن مستقبله ليس محدد مسبقًا، بل يتم إنشاؤه بالتشارك بين البشر والآلات. ولدينا القوة والمسؤولية لتشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي بطريقة تعكس قيمنا، وتحترم كرامتنا، وتعزز رفاهيتنا. ويتعين علينا أن نفكر في الذكاء الاصطناعي باعتباره ظاهرة معقدة ومتشعبة، وأن نتقبل الفرص والمخاطر التي ينطوي عليها. وإذا كان الذكاء الاصطناعي قويًا وتحويليًا كما يدعي خبراء التكنولوجيا، فيجب علينا أن ننظر بجدية في التواطؤ بين اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال، مثل شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومات والمؤسسات البحثية والتأكد من تقليل ذلك إلى أدنى حد ممكن.

فنحن ببساطة لا نستطيع أن نتحمل أن تخضع مثل هذه التكنولوجيا التحويلية لسيطرة مجموعة صغيرة، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تطوير قوة عالمية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تجنب التواطؤ في هذا المجال بهدف التلاعب بالسوق بشكل استراتيجي، والتأثير على الجمهور، والحصول على ميزة غير عادلة على المنافسين أو الخصوم بأي ثمن. إن احتكار البيانات والخوارزميات وموارد الحوسبة، من شأنه أن يضع القوة العظمى والنفوذ في أيدي القلة بشكل خطير، ويقوض تطبيق وإتاحة المنافسة والتنوع والديمقراطية في المجال، مما يؤدي إلى تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل غير خاضع للمساءلة.

ولا يمكننا أن نسمح باحتكار الذكاء الاصطناعي في أيدي قِلة من الناس، لأن هذا يمكن أن يقوض إمكاناته. ويتعين علينا أن نعمل على إضفاء طابع ديمقراطي عليه، وهو ما يعني جعل الذكاء الاصطناعي متاحاً وقابلاً للاستخدام من قبل مجموعة أكثر شمولاً وتنوعاً من الناس. كذلك يجب إضفاء الطابع الديمقراطي على استخدام الذكاء الاصطناعي وسبل تطويره وفوائده وإدارته، من خلال توفير الوصول إليه بأسعار معقولة، وضمان تجريده من أي تأثيرات، وتمكين السيطرة عليه، والتحقق من ملكية بياناته، من خلال تبادل البيانات والخوارزميات وموارد الحوسبة والمعرفة، وكذلك من خلال إشراك الجمهور في هذه العملية، وخاصة أولئك الذين يتأثرون أو يهتمون بالذكاء الاصطناعي.

ونتيجة لتأثير الذكاء الاصطناعي على العديد من المجالات، يجب علينا التأكد من أنه يتماشى مع مصالحنا وقيمنا وأننا قادرون على تشكيل مستقبله بطريقة مسؤولة ومستدامة. ويتعين علينا أيضاً أن نضمن أن الذكاء الاصطناعي مصدر للتمكين والتنوع والتعايش والإبداع المشترك، وليس مصدراً للتواطؤ والهيمنة والاستغلال، حتى نضمن إتاحة هذه التكنولوجيا للجميع، وليس فقط للقلة.

المصدر: البلاد

اترك رد

Your email address will not be published.