أول مهنة قتلها الذكاء الاصطناعي

أول مهنة قتلها الذكاء الاصطناعي

شاهر النهاري

في العصور الماضية لم يجد الإنسان نفسه خصما لما يقوم هو بصنعه، إلا إذا كان مخترعا ناقصا، مثل جناح عباس بن فرناس، أو التماس كهربائي، أو خلل ميكانيكي يدل على سوء الصنعة، أو سلاح متفجر، تغدر فيه الآلة بمستخدمها.

وفي عصرنا لم يعد قتل الآلة للإنسان خيالا كما في الألعاب الالكترونية، بل تعداها للأكثر، كما نشر مؤخرا في “قمة القدرات القتالية الجوية والفضائية المستقبلية”، التي عقدت في لندن في مايو 2023، حيث تصرفت طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي، بذكائها الاصطناعي، وخلال اختبار محاكاة لتولي المسؤولية ووضع الحلول بذاتها، فلم تتردد أن قتلت مشغلها “نظريا” لكيلا يتداخل مع جهودها في إكمال مهمتها، حسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية!

مستقبل مرعب، فالطائرة الذكية عرفت كيف تعيد برمجة ذاتها، وكيف تختار الحل الأسهل في لحظة عصف ذهني للآلة، فحددت ضرورة إنهاء وجود الإنسان المزعج لها! في حياتنا الحالية غدت الآلة تحارب الإنسان في رزقه ومهنته، وتسعى لتحجيم عقله، وإظهار ضعفه الإنساني ببطء تفكيره وسهوه وعشوائية أفعاله، حينما يجد نفسه ضدا في مواجهة الآلة.

ومؤخرا طورت شركة “أوبن إيه آي” برنامج دردشات آلية ذكية مدهشة سمتها “شات جي بي تي“، والتي يستطيع أي طفل أو جاهل أو سكران تكليفها بتنفيذ ما يريد، وبالشكل الإبداعي المثالي، والذي يعجز عنه عقل وهواية وحرفة ونبوغ الإنسان المجرد من الآلة. تصور أن تطلب من الآلة كتابة مقال، تحدد أنت فيه لغته ومحتواه، وطوله، وأن تشترط فيه عدم استخدام أي اقتباسات من أي مقالات سبق ونشرت في الماضي، وأن تحدد للذكاء الاصطناعي صيغة للكتابة، جادة أو خيالية أو علمية أو متخصصة أو أدبية.

وعجبا، فستجد خلال لحظات مقالا متقنا مدهشا يعجز عن الإتيان به أعظم الكتاب وأكثرهم خبرة وموهبة وبحثا ومعرفة. الأمر جد مريع، والواقعة قاتلة لروح مهنة الكاتب، فمن سيبادر بعدها ويكتب وينشر مقالاته؟ وهو يدري أن الآلة تستطيع أفضل وأدق وأشمل مما سيقدم، وبوقت لا يذكر! وداعا للكاتب الفرعوني القديم، ولنساخ مخطوطات الماضي، ولكل كاتب عصري سيضحك من شدة الصدمة، ولكنه وبعد فترة من التفكر والكآبة والتدبر، لا بد أن يبكي محبطا، فكل ما يمتلكه من قدرات أصبحت مهددة بالانتزاع منه على يد آلة.

كتاباته وإبداعاته وكتبه وأرشيفاته الصحفية قريبا ستتفرق أحبارها بين قبائل الآلات. هذا قتل متعمد لروح وطموح الكاتب، ونفي تميز مهنته، فلا نعود نسمع عن وظيفة كاتب، حيث يستحيل عناد الوجود ومنافسة تطورات الذكاء الاصطناعي الدقيق العجيب القاتل لكل إبداع وبحث وتوصيف وتميز بشري، كون مجرد ضغطة زر قادرة على مسح كل قيمة صحفية وتميز في التعبير والتوصيل.

يا معشر الكتاب لقد اختاركم الذكاء الاصطناعي لتكونوا أوائل قتلاه الحقيقيين، ولتكون مهنتكم أول المهن الراحلة لرفوف المتاحف، ونصيحة مني بأن تستغلوا فرصتكم الأخيرة لترثوا أنفسكم، وزمانكم، كما رثى مالك بن الريب نفسه عند من كانوا يدفنونه بالقبر: أقول لأصحابي ارفعوني فإنه يقرّ بعيني أن سهيل بدا ليا. وأوكد لكم أن سهيل عصرنا ليس إلا لمعة زر الآلة الذكية، وربما ثنايا ضحكة الروبوت المنتصرة.

المصدر مكة

Related Posts

إيلون ماسك يطلق أداة “Grok Imagine” لتحويل النصوص إلى مشاهد سينمائية خلال ثوانٍ

AI بالعربي – متابعات في قفزة جديدة لعالم الذكاء الاصطناعي، كشفت شركة “xAI” المملوكة لإيلون ماسك عن أداة ثورية تحمل اسم “Grok Imagine”، تحوّل النصوص المكتوبة إلى مشاهد متحركة عالية…

الصين ترسل “كلبين آليين” لاكتشاف أنفاق الحمم على القمر

الترند العربي – متابعات في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الصين عن خطتها لاستخدام روبوتين رباعيّي الأرجل بدلًا من رواد الفضاء في مهمتها القمرية الجديدة. يحمل الروبوتان اسمي “آكل النمل”، و”السمندر”،…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 152 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 247 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 259 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

  • سبتمبر 26, 2025
  • 197 views
تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

  • سبتمبر 24, 2025
  • 219 views
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

  • سبتمبر 18, 2025
  • 151 views
الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف