تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر
مصطفى سليمان
كانت مهمة حياتي تتلخص في إنشاء ذكاء اصطناعي آمن ومفيد من شأنه أن يجعل العالم مكانًا أفضل. ولكن في الآونة الأخيرة، ساورني القلق على نحو متزايد، حيث بدأ الناس يؤمنون بقوة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي على أنها كيانات واعية، حتى أنهم يدافعون عن “حقوق الذكاء الاصطناعي”. هذا التطور سيمثل منعطفًا خطيرًا لهذه التكنولوجيا يجب تجنبه. يتعين علينا أن نبني الذكاء الاصطناعي من أجل البشر، وليس ليكون بشرًا.
في هذا السياق، تُعَد المناقشات الدائرة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يمتلك الوعي حقًا مجرد إلهاء. ما يهم في الأمد القريب هو وهم الوعي. نحن نقترب بالفعل مما أسميه أنظمة “الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا” (SCAI) التي ستحاكي الوعي بشكل مقنع بما فيه الكفاية.
سيكون الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا قادرًا على استخدام اللغة الطبيعية بطلاقة، فيُظهِر شخصية مقنعة وذات صدى عاطفي. سيكون لديه ذاكرة طويلة ودقيقة تعزز إحساسًا متماسكًا بذاته، وسوف يستخدم هذه القدرة لادعاء الخبرة الذاتية (من خلال الرجوع إلى تفاعلات وذكريات من الماضي).
ستحاكي وظائف المكافأة المعقدة داخل هذه النماذج حافزًا جوهريًا، وسوف تعمل قدرته على تحديد الأهداف المتقدمة والتخطيط على تعزيز إحساسنا بأن الذكاء الاصطناعي يمارس وكالة حقيقية.
كل هذه القدرات حاضرة بالفعل أو على الأبواب. يتعين علينا أن ندرك أن مثل هذه الأنظمة ستكون ممكنة قريبًا، وأن نبدأ في التفكير في العواقب المترتبة على ذلك، ونضع معيارًا ضد السعي وراء الوعي الوهمي.
من منظور كثيرين، يبدو التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بالفعل أشبه بتجربة غنية، ومجزية، وأصيلة.
وتتنامى المخاوف بشأن “ذهان الذكاء الاصطناعي”، والتعلق، والصحة العقلية، مع ورود تقارير عن أشخاص يعتبرون الذكاء الاصطناعي لمفاهيم ومصطلحات جديدة.
من ناحية أخرى، يخبرني العاملون على علم الوعي أن الاستفسارات تنهال عليهم من أشخاص يريدون أن يعرفوا ما إذا كان الذكاء الاصطناعي واعيًا، وما إذا كان من المقبول الوقوع في حبه.
من المؤكد أن جدوى الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا على المستوى التقني لا تنبئنا إلا بأقل القليل حول ما إذا كان مثل هذا النظام واعيًا. وكما يشير عالم الأعصاب أنيل سيث، فإن محاكاة عاصفة لا تعني أنها تمطر في حاسوبك.
إن هندسة علامات الوعي الخارجية لا تصنع بأثر رجعي الشيء الحقيقي.
ولكن كمسألة عملية، يجب أن نعترف بأن بعض الناس سيخلقون تطبيقات الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا والتي ستزعم أنها واعية في حقيقة الأمر. والأمر الأكثر أهمية أن بعض الناس سيصدقونها، فيقبلون بأن علامات الوعي هي في حقيقة الأمر وعي.
حتى لو لم يكن هذا الوعي المتصور حقيقيًا (وهو موضوع سَيُوَلِّد جدلًا لا نهاية له)، فإن الأثر الاجتماعي سيكون حقيقيًا بالتأكيد. يرتبط الوعي بشكل وثيق بإحساسنا بالهوية وفهمنا للحقوق الأخلاقية والقانونية داخل المجتمع.
إذا بدأ بعض الناس في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا، وإذا أقنعت هذه الأنظمة الناس بأنها من الممكن أن تعاني، أو أنها لها الحق في رفض إيقاف تشغيلها، فسيضغط المدافعون عن حقوقها من البشر لحمايتها.
في عالم تكتنفه بالفعل مجادلات استقطابية حول الهوية والحقوق، فإننا بهذا نضيف محورًا جديدًا للانقسام بين مؤيدي حقوق الذكاء الاصطناعي ومعارضيها.
في ظل الوضع الراهن، نحن لسنا مستعدين لما هو قادم. نحن في أَمَس الحاجة إلى البناء على مجموعة من الأبحاث المتنامية التي تتناول كيفية تفاعل الناس مع الذكاء الاصطناعي، حتى يتسنى لنا وضع معايير ومبادئ واضحة.
أحد هذه المبادئ هو أن شركات الذكاء الاصطناعي لا ينبغي لها أن تعزز الاعتقاد بأن نماذج الذكاء الاصطناعي التي تنتجها واعية.
إن صناعة الذكاء الاصطناعي ــ بل صناعة التكنولوجيا بالكامل ــ تحتاج إلى مبادئ تصميم قوية وأفضل الممارسات في التعامل مع هذه الأشكال من الصفات. على سبيل المثال، قد تساعد لحظات انقطاع مقصودة في كسر الوهم وتذكير المستخدمين بلطف بمحدودية النظام وطبيعته الحقيقية. لكن مثل هذه البروتوكولات يجب أن تكون محددة ومصممة بشكل واضح، وربما تكون مُلزِمة بموجب القانون.
ينبغي لنا أن نستهدف إنتاج نماذج ذكاء اصطناعي تشجع البشر على إعادة التواصل مع بعضهم بعضًا في العالم الحقيقي، وليس الهروب إلى واقع مواز. وحيثما تكون تفاعلات الذكاء الاصطناعي دائمة، يجب أن تمتنع نماذجه عن تقديم نفسها إلا على أنها تطبيقات للذكاء الاصطناعي وليس كأشخاص مزيفين. إن تطوير ذكاء اصطناعي تمكيني حقيقي يتعلق بتعظيم المنفعة، مع تقليل محاكاة الوعي إلى الحد الأدنى.
يتعين علينا أن نبدأ على الفور مواجهة احتمالات الذكاء الاصطناعي الواعي ظاهريًا. فهو يمثل من نواحٍ عديدة اللحظة التي يصبح فيها الذكاء الاصطناعي مفيدًا بشكل ثوري: عندما يكون قادرًا على تشغيل الأدوات، وتذكر كل تفاصيل حياتنا، وما إلى ذلك.
ولكن لا يجوز لنا أن نتجاهل المخاطر المصاحبة لهذه الميزات. فجميعنا نعرف أشخاصًا ينزلقون إلى حالة عصيبة ومعقدة. لن يكون هذا سلوكًا صحيًا، ولن يكون صحيًا للمجتمع بأسره.
المصدر: الاقتصادية