“الصورة التي لم تلتقط”.. توليد بصري يُفكك الذاكرة الجمعية

"الصورة التي لم تلتقط".. توليد بصري يُفكك الذاكرة الجمعية

“الصورة التي لم تلتقط”.. توليد بصري يُفكك الذاكرة الجمعية

AI بالعربي – متابعات

مقدمة

في الأزمنة السابقة، كانت الذاكرة الجمعية للشعوب تُبنى على الروايات الشفوية، وعلى النصوص التاريخية، ثم جاءت الصورة الفوتوغرافية لتصبح الدليل الأقوى على الحدث. الصورة التقطت لحظة ما، وحبستها في إطار، فصارت حجة دامغة في توثيق التاريخ. لكن اليوم، ومع دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المجال البصري، نحن أمام تحوّل خطير؛ إذ يمكن للنظام أن يُنتج صورًا لأحداث لم تقع، ويعرضها بواقعية تجعلها مقنعة لدرجة تُربك الوعي الجمعي. هذه هي “الصورة التي لم تلتقط”، صورة تفكك الذاكرة الجمعية، وتعيد صياغة الحقيقة، وربما تُعيد كتابة التاريخ من جديد.

الصورة بين الحقيقة والخيال

الصورة الفوتوغرافية طوال القرن العشرين كانت تُعامل كوثيقة، إذ اعتمدت المحاكم عليها، واستندت الصحافة إلى قوتها في الشرح، وتربت أجيال كاملة على ثقة شبه مطلقة بها. لم يكن أحد يشك في أن الصورة تعكس ما وقع بالفعل. غير أن التطور التقني جعل هذا الرابط يضعف تدريجيًا. مع بداية برامج التعديل الرقمية مثل “فوتوشوب”، صار بالإمكان التلاعب بالصورة. لكن ما فعله الذكاء الاصطناعي التوليدي تجاوز التعديل إلى الخلق من العدم.

الصورة الآن قد لا تكون لها أي علاقة بالواقع، لكنها تظهر بجودة وإتقان يجعل من المستحيل أحيانًا التفريق بينها وبين الحقيقة. هذا هو جوهر الخطر: أن تصبح الذاكرة الجمعية رهينة صور مزيفة لكنها مقنعة، وأن يُفكك الإدراك الجمعي إلى شظايا يصعب لملمتها.

كيف يولد الذكاء الاصطناعي الصور؟

النماذج التوليدية تعتمد على مليارات الصور المخزنة في قواعد البيانات، تتعلم منها الأنماط والعلاقات البصرية، ثم تُعيد دمجها لصناعة صور جديدة. هذه الصور ليست مجرد تجميع لعناصر سابقة، بل هي تكوينات جديدة، مشاهد لم يرها أحد، لكنها تحمل واقعية كاملة.

فإذا طلبت من الذكاء الاصطناعي صورة “مظاهرة في باريس عام 1910″، سيُنتج مشهدًا يبدو تاريخيًا، رغم أنه لم يُلتقط مطلقًا. وإذا طلبت صورة “زعيم سياسي في موقف غير لائق”، فسيُنتج صورة قد تدمر سمعته، حتى لو لم يحدث ذلك أبدًا. بهذا تصبح “الصورة التي لم تلتقط” أداة قادرة على صناعة واقع بديل.

أمثلة على استخدام الصور المولدة

شهد العالم في السنوات الأخيرة أمثلة عديدة تؤكد هذه الظاهرة. ظهرت صور مفبركة لزعماء سياسيين يلقون خطابات في أماكن لم يزوروها، وانتشرت على نطاق واسع قبل أن يتبين زيفها. وظهرت صور لحروب ومعارك لم توثقها الكاميرات، لكنها بدت حقيقية لدرجة استخدامها في حملات إعلامية مضللة. كذلك استُخدمت الصور التوليدية لإعادة بناء مواقع أثرية كما “يُعتقد أنها كانت”، وهو أمر يفتح الباب للتلاعب بالذاكرة التاريخية.

وفي المجال الاجتماعي، وُجدت صور عائلية تضم أشخاصًا غير موجودين أصلًا، لكنها وُضعت في ألبومات لتصبح جزءًا من الذكريات العائلية. هذه الأمثلة تُظهر كيف أن الذكاء الاصطناعي لم يعد يكتفي بإعادة إنتاج الواقع، بل صار قادرًا على تشكيل ماضٍ لم يوجد.

التأثير على الأفراد

عندما يشاهد الفرد صورة لم تُلتقط أصلًا، فإن عقله يتعامل معها كما لو كانت حقيقية. هذا يؤدي إلى ارتباك نفسي، حيث يصعب عليه الفصل بين ما حدث فعلًا وما صُنع رقميًا. ومع تكرار هذه التجارب، يبدأ في فقدان الثقة بكل صورة يراها، ما يخلق حالة شك دائم.

هناك أيضًا خطر خلط الذكريات الشخصية. فقد يدمج الإنسان صورة مولدة في ذاكرته، ليصبح مقتنعًا أنه عاش تجربة لم تحدث. هذا التفكيك للذاكرة الفردية يؤدي في النهاية إلى تفكيك الذاكرة الجمعية، لأن المجتمع هو مجموع ذاكرات الأفراد.

التأثير على المجتمعات

المجتمعات التي تبني وعيها على الصور تواجه أزمة وجودية أمام هذه الظاهرة. إذا لم تعد الصورة دليلًا، فكيف يمكن توثيق الأحداث؟ إذا كان من الممكن صناعة صور مقنعة لثورات لم تقع أو لمجازر لم تحدث، فإن التاريخ نفسه يصبح مجالًا للتلاعب.

السياسة هي الأكثر استفادة من هذا الوضع، إذ يمكن استخدام الصور المزيفة في حملات دعائية لتشويه الخصوم أو لتبرير قرارات مصيرية. الإعلام بدوره يفقد سلاحه الأهم: المصداقية. فحين يشك الناس في كل صورة تُنشر، تفقد الصحافة قوتها في التأثير. وهكذا نصل إلى مجتمع يعيش في “حقيقة بديلة” لا يمكن التحقق منها.

الوجه المشرق للتوليد البصري

رغم هذه المخاطر، يمكن النظر إلى الجانب المشرق للتقنية. التوليد البصري قد يكون أداة لإحياء التاريخ، عبر إنتاج صور لحقب لم تُوثق بالكاميرا. في التعليم، يمكن للطلاب أن يروا كيف كان شكل المدن القديمة أو كيف بدت الأحداث التاريخية الكبرى. في الفن، يُفتح باب جديد للإبداع، حيث يستطيع الفنانون صناعة عوالم خيالية بواقعية مذهلة.

كما يمكن استخدام الصور المولدة في العلاج النفسي، لمساعدة الأفراد على مواجهة صدماتهم عبر صور رمزية تُعيد تمثيل الحدث. هذا الجانب الإيجابي يوضح أن التقنية ليست شرًا مطلقًا، بل أداة يمكن توظيفها بشكل مفيد.

الوجه المظلم للتوليد البصري

لكن الوجه المظلم لا يمكن إنكاره. الصور المولدة قد تُستخدم لصناعة حملات تضليل واسعة النطاق، ولطمس الحقيقة، ولتشويه سمعة أشخاص أو جماعات. الأخطر أنها تُعيد تشكيل الهوية الجماعية للشعوب عبر صور مزيفة تُزرع في الوعي الجمعي.

فقد تُصبح صورة لمجزرة مختلقة جزءًا من ذاكرة أمة، بينما تُنسى مجزرة حقيقية لم تُوثق. وهكذا، لا يتم فقط تشويه الحاضر، بل يُعاد بناء الماضي على أسس وهمية. النتيجة هي فقدان الشعوب القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، وهو ما يقود إلى فقدان السيطرة على مصيرها.

كيف نحمي الذاكرة الجمعية؟

الحماية لا تأتي فقط من تطوير أدوات لكشف الصور المزيفة، بل من تعزيز الوعي النقدي لدى الأفراد. يجب تعليم الناس أن يشكوا، أن يبحثوا عن المصادر، وأن يدققوا في كل ما يُعرض عليهم. كما يجب وضع قوانين تُلزم المنصات الرقمية بالكشف عن المحتوى المولد.

التعاون الدولي ضروري، لأن الصور لا تعرف الحدود. وإذا لم تتوحد الجهود، فإن المجتمعات ستظل عرضة للتلاعب. وهنا يظهر دور الإعلام المستقل والمؤسسات الأكاديمية في بناء حصانة مجتمعية ضد التفكيك البصري للذاكرة.

صورة رقمية توليدية تعكس حدثًا لم يُلتقط لكنه يؤثر على الذاكرة

صورة رقمية توليدية تعكس حدثًا لم يُلتقط لكنه يؤثر على الذاكرة
صورة رقمية توليدية تعكس حدثًا لم يُلتقط لكنه يؤثر على الذاكرة


واجهة رقمية تكشف صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي

واجهة رقمية تكشف صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي
واجهة رقمية تكشف صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي


لوحة بصرية ترمز إلى تفكك الذاكرة الجمعية عبر التوليد البصري

لوحة بصرية ترمز إلى تفكك الذاكرة الجمعية عبر التوليد البصري
لوحة بصرية ترمز إلى تفكك الذاكرة الجمعية عبر التوليد البصري
طريقة مضمونة لتوليد صورك بدون تغيير ملامحك!

س: ما المقصود بالصورة التي لم تُلتقط؟
ج: هي صورة يُنتجها الذكاء الاصطناعي دون أن يكون هناك حدث واقعي وراءها.

س: كيف تؤثر على الذاكرة الجمعية؟
ج: لأنها تُعيد تشكيل إدراك الناس للتاريخ، وتجعلهم يصدقون أحداثًا لم تقع.

س: هل يمكن أن تكون لها فوائد؟
ج: نعم، في التعليم والفن والعلاج النفسي، لكن المخاطر تتفوق إذا غاب الضبط.

س: كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟
ج: عبر تطوير أدوات كشف، وتعزيز الوعي النقدي، وسن قوانين دولية للحد من التضليل.

الخلاصة

“الصورة التي لم تلتقط” لم تعد مجرد استعارة، بل حقيقة جديدة تصوغها الخوارزميات. الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي قادرة على إعادة كتابة التاريخ، وعلى تفكيك الذاكرة الجمعية للشعوب. وبينما تفتح هذه التقنية أبوابًا للإبداع والتعليم، فإنها تهدد أيضًا الحقيقة ذاتها. التحدي الأكبر هو أن نُبقي على خط فاصل واضح بين الصورة كفن والصورة كوثيقة، حتى لا نعيش جميعًا في تاريخ لم يحدث.

اقرأ أيضًا: ليس منطقًا بشريًا.. الآلة تُعيد ترتيب المعقول والمعيب

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature