هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تغيير وجه العالم الذي نعرفه؟

17

AI بالعربي – خاص

معظم الناس ليسوا على دراية كبيرة بمفهوم الذكاء الاصطناعي “AI”، كمثال على ذلك عندما سُئل 1500 من كبار قادة الأعمال في الولايات المتحدة عام 2017 عن الذكاء الاصطناعي، 17% فقط منهم قالوا إنهم كانوا على دراية مسبقة به، بينما عدد كبير منهم لم يكونوا متأكدين من ماهيته أو كيفية تأثيره على شركاتهم الخاصة، حيث يدركون أن هناك إمكانية كبيرة لتغيير أساليب العمل، لكن لم يكن من الواضح بالنسبة لهم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي داخل مؤسساتهم.

وعلى الرغم من ضعف الإلمام به على كل نطاق واسع، إلا أن الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا التي ستغير كل مجالات الحياة، فهو أداة واسعة متعددة الاستخدامات والمجالات، تُمكّن الأشخاص من إعادة التفكير في كيفية دمج المعلومات وتحليل البيانات، ثم استخدام الأفكار الناتجة في تحسين عملية اتخاذ القرار، ونأمل من خلال هذه النظرة الشاملة أن نتمكن من شرح الذكاء الاصطناعي أمام جمهور يضم صانعي السياسات وقادة الرأي والمراقبين المهتمين، وتوضيح كيف سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تغيير العالم بالفعل، ومحاولة الإجابة على أسئلة مهمة تتعلق بالمجتمع والاقتصاد ونظم الإدارة والحوكمة.

نناقش في هذا المقال تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، في مجال التمويل والأمن القومي والرعاية الصحية والعدالة الجنائية والنقل والمدن الذكية، والتصدي لمسائل مثل مشاكل الوصول إلى البيانات والتحيز الخوارزمي، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والشفافية والمسؤولية القانونية عن قرارات الذكاء الاصطناعي، كما سنقارن بين المناهج التنظيمية في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي، ثم نختتم المقال بتقديم عدد من التوصيات لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي، مع حماية القيم الإنسانية المهمة.

من أجل تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي والمضي قدمًا نُوصي بتسع خطوات:

1- تشجيع وصول الباحثين للبيانات بشكل أكبر، دون المساس بالخصوصية الشخصية للمستخدمين.

2- استثمار المزيد من التمويل الحكومي في أبحاث الذكاء الاصطناعي غير السرية.

3- الترويج لنماذج جديدة من التعليم الرقمي، وتطوير القوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، ليتمكنوا من تزويد العاملين بالمهارات اللازمة للتعامل مع اقتصاد القرن الحادي والعشرين.

4- إنشاء لجنة استشارية اتحادية خاصة بالذكاء الاصطناعي، لوضع التوصيات المتعلقة بالسياسة العامة.

5- التواصل مع المسؤولين الحكوميين والمحليين حتى يتم سن سياسات فعالة.

6- تنظيم المبادئ الشاملة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لعدم التقيد بالخوارزميات المحددة.

7- أخذ شكاوى التحيز على محمل الجد، حتى لا يقوم الذكاء الاصطناعي بتكرار أخطاء كالظلم تاريخي أو الإجحاف أو التمييز العنصري، القائم على البيانات أو الخوارزميات.

8- الحفاظ على آليات الرقابة والتحكم البشري.

9- فرض العقوبات على سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، مع تعزيز الأمن السيبراني.

1- صفات الذكاء الاصطناعي

على الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه بشكل موحد، لكن هناك اعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي يشير إلى الآلات التي تستجيب للتحفيز بشكل يشبه الاستجابات البشرية التقليدية، ووفقًا للباحثين “شوبهاندو” و”فيجاي”، ونظرًا لقدرة الإنسان على التفكير واتخاذ الأحكام وعقد النيات، فإن هذه الأنظمة البرمجية يجب عليها أن تتخذ اتخاذ قرارات تتطلب مستوى من الخبرة البشرية، وأن تساعد الأشخاص في توقع المشكلات وفي التعامل مع القضايا بمجرد ظهورها، وعلى هذا النحو فإنها تعمل بطريقة مُتعمدة وذكية ومتكيفة.

القصد- التعمد

صُممت خوارزميات الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات، باستخدام البيانات في الوقت الفعلي غالبًا، فهي على عكس الآلات غير النشطة التي تكون قادرة فقط على الاستجابات الميكانيكية أو المحددة سلفًا، حيث تجمع المعلومات المتنوعة مجموعة من المصادر المختلفة، عن طريق أجهزة الاستشعار أو البيانات الرقمية أو المدخلات الشفوية عن بعد، وعلى الفور تحلل المواد وبناء على الأفكار المستمدة من تلك البيانات، كما أنها ستكون قادرة على استيعاب التطور الهائل في التحليل وصنع القرار، بعد إدراج المزيد من التحسينات الهائلة على أنظمة التخزين وسرعات المعالجة والتقنيات التحليلية، أي إنها تُعَدّ بمنزلة آلية تحويل واتخاذ قرار من مواد مُجمَّعة سيتم تحليلها تلقائيًا، ولا يتوقف الأمر سبل يتم انتهاج أو اتخاذ أو صناعة أي قرار بناءً على نتائج ذلك التحليل.

الذكاء

يعمل الذكاء الاصطناعي بشكل عام، بالتزامن مع التعلم الآلي وتحليلات البيانات، حيث يأخذ التعلم الآلي البيانات ويبحث في الاتجاهات الأساسية السائدة، وإذا حددت حلًا مناسبًا لحل مشكلة عملية، فيُمكن لمصممي البرامج أن يأخذوا ذلك الحل لاستخدامه في تحليل قضايا محددة، كل ما هو مطلوب أن تكون البيانات قوية بما يكفي، حتى تتمكن الخوارزميات من تمييز الأنماط المفيدة من البيانات، التي تأتي في شكل معلومات رقمية أو صور من الأقمار الصناعية، أو معلومات مرئية أو نصية أو بيانات غير منظمة.

القدرة على التكيف

تمتلك أنظمة الذكاء الاصطناعي، القدرة على التعلم والتكيف لتتخذ القرارات في مجال النقل، فعلى سبيل المثال فإن المركبات شبه المستقلة تحتوي على أدوات تسمح للسائقين والمركبات، أن يعرفوا مناطق الازدحام القادمة أو أماكن الحفر أو أعمال الإصلاح على الطريق أو غيرها من العوائق المرورية المحتملة، ويمكن للمركبات أن تستفيد من تجربة المركبات الأخرى الطريق دون تدخل بشري، كما أن المجموعة الكاملة من الخبرات التي اكتسبتها تلك المركبات، يمكن نقلها بشكل كامل وفوري لأي مركبات أخرى تماثلها في نمط التشغيل، وأن تدمج الخوارزميات المتطورة وأجهزة الاستشعار والكاميرات والخبرة التي اكتسبتها، وأن تستخدم لوحات المعلومات والشاشات المرئية لتقديم المعلومات في الوقت الفعلي، حتى يتمكن السائقون البشريون من فهم حركة المرور المستمرة وأحوال مركباتهم، أما السيارات المستقلة بالكامل فإن الأنظمة المتقدمة يمكنها التحكم الكامل بالسيارة أو الشاحنة، وأن اتخاذ جميع القرارات الملاحية.

2- التطبيقات في مختلف القطاعات

لا يُمكن القول أن الذكاء الاصطناعي مجرد رؤية مستقبلية، فهو شيء موجود في عالمنا اليوم، حيث يُدمج ويُستخدم في مجموعة متنوعة من القطاعات، ويشمل ذلك قطاعات كقطاع المال والأعمال والأمن القومي والرعاية الصحية والعدالة الجنائية والنقل والمدن الذكية، وهناك العديد من الأمثلة التي يؤثر فيها الذكاء الاصطناعي على العالم بالفعل، وكما أنه يُعزز القدرات البشرية بطرق ملموسة.

يتمثل أحد أهم الأسباب للدور المتنامي للذكاء الاصطناعي، في الفرص الهائلة التي يقدمها للتنمية الاقتصادية، وقد قدّر مشروع أجرته شركة “برايس وتر هاووس كوبرز”، التي تُعد من أكبر شركات الخدمات المهنية في العالم، “أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يُمكنها أن تزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 15.7 تريليون دولار، أي بنسبة 14% كاملة بحلول عام 2030″، ويشمل ذلك 7 تريليونات دولار في الصين، 3.7 تريليون دولار في أميركا الشمالية، 1.8 تريليون دولار في أوروبا الشمالية، 1.2 تريليون دولار في إفريقيا وأوقيانوسيا، 0.9 تريليون دولار في باقي آسيا باستثناء الصين، 0.7 تريليون دولار في أوروبا الجنوبية، 0.5 تريليون دولار في أميركا اللاتينية، تسير الصين بخطى سريعة لأنها وضعت هدفًا وطنيا لاستثمار 150 مليار دولار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتصبح الرائدة عالميًا في هذا المجال بحلول عام 2030.

ومن ناحية أخرى، وجدت دراسة أجراها “معهد ماكينزي العالمي” في الصين أن “الأتمتة التي يقودها الذكاء الاصطناعي، يمكنها أن تقدم للاقتصاد الصيني ضخًّا في الإنتاجية، حيث من شأنها أن تضيف من 0.8 إلى 1.4 نقطة مئوية سنويًا لنمو الناتج المحلي الإجمالي اعتمادًا على سرعة التبني”، وقد وجد الباحثون أن الصين حاليًا متأخرة عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في استخدامات الذكاء الاصطناعي، إلا أن الحجم الهائل لسوقها في مجال الذكاء الاصطناعي، يعطيها فرصًا هائلة للاختبارات التجريبية وللتطوير المستقبلي.

قطاع المال – التمويل

تضاعفت الاستثمارات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المالية في الولايات المتحدة ثلاث مرات، لتصل بين عامي 2013 و2014 لما لحوالي 12.2 مليار دولار، ووفقًا للمراقبين في هذا القطاع فإن اتخاذ القرارات المتعلقة بالقروض، تجري الآن بواسطة برمجيات يُمكن أن تأخذ في اعتبارها مجموعة من البيانات المتنوعة ليتم تحليلها بدقة حول المقترض، بدلا من مجرد الحصول على درجة الائتمان والتحقق من الخلفية، بالإضافة إلى ذلك فهناك ما يسمى بالمستشارين الآليين، الذين ينشئون حافظات استثمارية مخصصة مما يُغني عن الحاجة إلى سماسرة البورصة والمستشارين الماليين، وقد صُممت تلك التقنيات المتقدمة لإخراج العاطفة من الاستثمار، واتخاذ القرارات على أساس الاعتبارات التحليلية وأن يتم ذلك في غضون دقائق.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك، ما يجري في بورصات الأوراق المالية، حيث أصبح التداول عالي التردد يجرى عن طريق الآلات التي حلت محل الكثير من القرارات البشرية، يقدم الأشخاص أوامر البيع والشراء، وتقارن أجهزة الكمبيوتر بينها في غمضة عين دون تدخل الإنسان، كما يمكن للآلات ملاحظة عدم كفاءة التداول أو فروق السوق على نطاق صغير للغاية، ويمكنها تنفيذ الصفقات التي تجني المال وفقًا لتعليمات المستثمرين، وتهمل هذه الأدوات في بعض الأماكن بواسطة الحوسبة المتقدمة، مما يكسبها قدرات أكبر بكثير على تخزين المعلومات بسبب تركيزها ليس على الصفر أو على واحد، بل على البتات الكمية “كيوبت”، التي يُمكنها تخزين قيم متعددة في كل موقع، مما يزيد بشكل كبير من سعة التخزين ويقلل من الوقت اللازم للمعالجة.

يمثل الكشف عن الاحتيال، إحدى الطرق الأخرى التي يُمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تفيد بها الأنظمة المالية، ففي بعض الأحيان يصعب تمييز الأنشطة الاحتيالية في المؤسسات الكبيرة، ولكن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحديد حالات الشذوذ أو الحالات المُغايرة أو الحالات المنحرفة التي تتطلب مزيدا من التحقيق، ويساعد ذلك المدراء في إيجاد المشاكل في وقت مبكر من الدورة قبل أن يصلوا إلى مستويات خطيرة.

الأمن القومي

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا جوهريًا في الدفاع الوطني، فمن خلال “مشروع ميڤن Project Maven”، فإن العسكرية الأميركية تقوم بنشر أنظمة الذكاء الاصطناعي، للتدقيق في الكميات الهائلة من البيانات والفيديوهات التي يجري التقاطها عن طريق المراقبة، ثم بعد ذلك تعمل على تنبيه المحللين البشريين بالأنماط المكتشفة أو على وجود نشاط غير طبيعي أو مريب، ووفقًا لما ذكره “باتريك شانهان” نائب وزير الدفاع يتمثل الهدف من استخدام التقنيات الناشئة في هذا المجال، على تلبية احتياجات المقاتلين الحربيين، وعلى زيادة سرعة ومرونة التطورات التقنية والتزود بها.

ستؤثر تقنيات تحليل البيانات الضخمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أثرًا عميقًا، في تحليل المعلومات الاستخبارية إذ يجري التدقيق بعناية، في قدر هائل من البيانات في الوقت الفعلي تقريبًا، مما يقدم للقادة وطاقمهم قدرًا من تحليل المعلومات الاستخباراتية والإنتاجية غير المرئية التي لم تتوفر بعد، وعلى نحو مماثل ستتأثر عمليات القيادة والتحكم نظرًا لقيام القادة من البشر باستخدام روتين معين، وفي الظروف الاستثنائية يقومون بتوجيه قرارات رئيسية إلى منصات الذكاء الاصطناعي، مما يقلل بشدة من حجم الوقت المرتبط بالقرار والإجراءات اللاحقة، وفي النهاية فإن الحرب تعتبر عملية تنافسية مرتبطة بالوقت، إذ تكون الغلبة بشكل عام للجانب الذي يتمكن من اتخاذ القرارات بشكل أسرع، والانتقال بأقصى سرعة إلى مرحلة التنفيذ، وفي الواقع يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الذكية، المرتبطة بأنظمة القيادة والتحكم التي تحظى بمساعدة الذكاء الاصطناعي، أن تنقل عمليات دعم القرارات واتخاذها إلى نمط أسرع يفوق سرعة الأساليب التقليدية المتبعة في شن الحرب، وستكون هذه العملية سريعة للغاية، خاصة إذا اقترنت بالقرارات التلقائية المتعلقة بإطلاق أنظمة الأسلحة المستقلة، والتي تتوفر بها تقنيات للذكاء الاصطناعي القادرة على إحداث نتائج مميتة، لدرجة أنه جرى استحداث مصطلح جديد خصيصًا لشرح معنى السرعة التي تُشن بها الحرب، وهو: السُرعة الفائقة لشن الحرب “hyperwar”.

ففي حين أن النقاش الأخلاقي والقانوني ما زال مستعرًا، حول إمكانية شن أميركا لحرب باستخدام أنظمة فتاكة مستقلة تستخدم الذكاء الاصطناعي، فإن الصينيون والروس ليسوا منهمكين كثيرا في هذا النقاش، كما يجب أن نتوقع مقدار حاجتنا إلى الدفاع ضد هذه الأنظمة التي تعمل بسرعات فائقة، والتحدي القائم في الغرب يتمحور حول مكان تمركز العقل البشري في مجموعة العمل، وفي نموذج يتطلب التفاعل البشري المحاط بسيناريو الحرب الفائقة السرعة، فإنه في نهاية المطاف سيحدد تفوق الغرب في التنافس على هذا الشكل الجديد من الصراع.

ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشدة على سرعة الحرب، فسوف يشكل انتشار التهديدات الإلكترونية السريعة والمباشرة، فضلا عن البرمجيات الخبيثة متعددة الأشكال، تحديًا حتى بالنسبة إلى الحماية الإلكترونية الأكثر تعقيدًا، القائمة على الأنظمة التي تكشف التدخلات عن طريق مراقبة الأحداث وتحديد الأنماط التي تحمل بصمة الهجمات المعروفة،. ويقتضي هذا إجراء تحسينات ملموسة على جميع الدفاعات الإلكترونية القائمة، كما أن الأنظمة الضعيفة ستتعرض للتغيير بشكل متزايد، وسوف ستحتاج إلى الانتقال نحو نهج متعدد المستويات يتمثل في الأمن الإلكتروني، الذي يتمتع بمنصات ذكاء اصطناعي سحابية ومعرفية، ويدفع هذا النهج المجتمع نحو قدرة دفاعية تعتمد على التفكير، يمكنها الدفاع عن عن الشبكات من خلال التدريب المتواصل على التهديدات المعروفة، وهي تتضمن هذه القدرة على الدفاع تحليلًا في منتهى الدقة لشفرة غير معروفة حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية تحديد ووقف الشفرات الخبيثة الواردة، وذلك من خلال التعرف على مكون معامل السلسلة الخاص بالملف، كانت هذه هي الطريقة المتبعة التي ساعدت بعض الأنظمة الرئيسية القائمة في الولايات المتحدة، على إيقاف هجمات فيروس واناكراي الإلكتروني “WannaCry” وعلى “Petya” المدمرة.

ينبغي أن تصبح الاستعدادات للحرب فائقة السرعة، وأن يكون الدفاع عن الشبكات الإلكترونية الحيوية من الأولويات العليا، نظرًا لأن الصين وروسيا وكوريا الشمالية ودولًا أخرى، تضخ موارد هائلة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لهذا المجال، ففي عام 2017 أصدرت الحكومة الشعبية المركزية الصينية، خطة الدولة للقيام ببناء صناعة محلية تساوي ما يقرب من 150 مليار دولار بحلول عام 2030، وكمثال على تلك الإمكانيات ابتكرت شركة البحث الصينية “بايدو”، تطبيقا للتعرف على الوجه يمكنه العثور على الأشخاص المفقودين، وبالإضافة إلى ذلك تقدم بعض المدن مثل مدينة شنجن ما يزيد على مليون دولار لدعم مختبرات الذكاء الاصطناعي، وتأمل هذه الدولة بأن يتمكن الذكاء الاصطناعي من توفير الأمن ومكافحة الإرهاب، وفضلًا عن تحسين برامج التعرف على الكلام فإن الطبيعة ذات الاستخدام المزدوج للعديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ستعني أن أبحاث الذكاء الاصطناعي التي ركزت على قطاع واحد في المجتمع، سيمكن تعديلها على بشكل سريع ليتم استخدامها في قطاع الأمن أيضًا.

الرعاية الصحية

تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي المصممين على تحسين التطور الحاسوبي في الرعاية الصحية، فعلى سبيل المثال تُعد شركة “Merantix” واحدة من الشركات الألمانية، التي تطبق نظام التعلّم العميق في المسائل الطبية، إذ تمتلك تطبيقًا متخصصًا في التصوير التشخيصي الطبي، الذي يكتشف العقد الليمفاوية داخل الجسم البشري من خلال التصوير المقطعي الحاسوبي “CT”، وطبقًا للمطورين يكمن السر في تصنيف العقد والتعرف على الآفات البسيطة أو الأورام التي يمكن أن تمثل بعض المشاكل، ويمكن للبشر القيام بذلك لكن سيتقاضى أخصائيو الأشعة 100 دولار في الساعة، وربما لن يتمكّنوا سوى من قراءة أربع صور في هذه الساعة، فإذا كان هناك 10,000 صورة فستصل تكلفة العملية إلى 250,000 دولار، مما يعد تكلفة باهظة في قيام البشر بهذه العملية.

وما يمكن أن يفعله التعلّم العميق في هذا الوضع، هو تدريب أجهزة الحاسوب على مجموعات من البيانات، حتى تتعلم التمييز بين العقدة الليمفاوية التي تبدو طبيعية وتلك التي تبدو غير طبيعية، وبعد القيام بذلك من خلال تمارين التصوير وشحذ دقة التصنيف، يمكن للمتخصصين في التصوير الشعاعي تطبيق هذه المعرفة على مرضى حقيقيين، وأن تحدد مدى تعرض شخص ما لخطر العقد الليمفاوية السرطانية، وبما أن عددا قليلًا فقط من النتائج من المحتمل أن تكون إيجابية، فإن الأمر يتعلق بالتعرف على العقدة غير الصحية في مقابل العقدة الصحية.

وقد تم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على قصور القلب الاحتقاني أيضًا، وهو من الأمراض التي تصيب 10% من المواطنين كبار السن، وتصل تكلفته إلى 35 مليار دولار سنويًا داخل الولايات المتحدة، وأدوات الذكاء الاصطناعي تعتبر مفيدة فهي تتنبأ مسبقًا بالتحديات المحتملة في المستقبل، كما أنها تخصص الموارد لتوعية المرضى والاستشعار والتدخلات الاستباقية، والتي سوف تُبقي المرضى بعيدًا عن المستشفيات.

العدالة الجنائية

استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة الجنائية، حيث طورت مدينة شيكاغو قائمة إستراتيجية تضم بيانات الأشخاص “Strategic Subject List”، قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي تعمل على تحليل الأشخاص الذين أُلْقي القبض عليهم نظرًا للخطر المتمثل في أن يصبحوا من مرتكبي الجرائم في المستقبل، وتصنف القائمة 400,000 شخص وفقاً لمقياس من 0 إلى 500، باستخدام عناصر مثل السن والنشاط الإجرامي والضحايا، وسجلات الاعتقال بسبب المخدرات والانتماء إلى عصابات، وبالاطلاع على البيانات اكتشف المحللون أن الشباب يمثلون عاملًا قويًا من عوامل التنبؤ بالعنف، وأن التعرض لإطلاق النار مرتبط بأن يصبح الشخص من مرتكبي الجرائم في المستقبل، وأن الانتماء إلى عصابات يحظى بقيمة تنبؤية ضئيلة، كما أن سوابق الاعتقال بسبب المخدرات ليست مرتبطة بالنشاط الإجرامي في المستقبل إلى حد كبير.

يدعي خبراء القضاء، أن برامج الذكاء الاصطناعي تقلل من الانحياز البشري في إنفاذ القانون، وأنها تؤدي إلى نظام حكم أكثر إنصافا، ويكتب “كالب واتني” الأستاذ بمعهد آر ستريت: “تعتمد الأسئلة القائمة على أسس تجريبية، والمتعلقة بالتحليل التنبؤي للمخاطر، على نقاط القوة المرتبطة بتعلم الآلة والاستدلال الآلي وأشكال الذكاء الاصطناعي الأخرى، وخلُصت محاكاة إحدى سياسات التعلم الآلي، إلى أن مثل هذه البرامج يمكن استغلالها لخفض معدل الجريمة بما يزيد على 24.8%، دون أي تغيير في معدلات السجن، أو تقليل عدد نُزلاء السجون بما يزيد على 42% دون أي تغيير في معدلات الجريمة”. ومع ذلك يشعر النقاد بالقلق، من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُشكّل نظاما سريا لمعاقبة المواطنين على جرائم لم يرتكبوها بعد، باستخدامها درجات المخاطر مرات عديدة لتوجيه عمليات اعتقال واسعة النطاق، وتتمثل نقطة الخوف في أن مثل هذه الأدوات قد تستهدف ظلمًا الأشخاص الملونين، كما أنها لم تساعد شيكاغو على الحد من موجة القتل التي ابتُليت بها في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من هذه الشواغل، فإن دول أخرى تمضي قدمًا في الاستخدام السريع لهذا المجال، ففي الصين على سبيل المثال تمتلك الشركات بالفعل موارد هائلة، وتمتلك حق الدخول إلى بيانات الأصوات والوجوه وبيانات الاستدلال البيولوجي بشكل واسع، مما يمكنها من مساعدتهم على تطوير تقنياتهم، فالتقنيات الجديدة تتيح إمكانية مطابقة الصور والأصوات مع أنواع أخرى من المعلومات، فضلا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعات البيانات الموحدة لتحسين إنفاذ القانون والأمن القومي، ومن خلال برنامج “Sharp Eyes” تمكن جهات إنفاذ القانون الصيني، من مطابقة صور الفيديو وأنشطة وسائل التواصل الاجتماعي والشراء عبر الإنترنت ومن سجلات السفر والهوية الشخصية، عن طريق نظام سحابي تابع للشرطة، وتسمح قاعدة البيانات المتكاملة للسلطات من اقتفاء أثر المجرمين ومنتهكي القانون المحتملين والإرهابيين، ومن زاوية أخرى أصبحت الصين إحدى الدول الرائدة في العالم، في أنظمة المراقبة التي تعمل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وسائل النقل

يُمثّل قطاع المواصلات مجالًا ينتج فيه الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ابتكارات كبرى، وقد توصل البحث الذي أجراه “كاميرون كيري” و”جاك كارستين” من معهد “بروكينغز”، إلى أن أكثر من 80 مليار دولار تم استثمارها في تكنولوجيا السيارات ذاتية التشغيل، بين أغسطس آب 2014 ويونيو حزيران 2017، وتشمل هذه الاستثمارات تطبيقات لكُلٍّ من القيادة الذاتية والتقنيات الأساسية الحيوية لهذا القطاع، تستخدم المركبات ذاتية الحركة سواءً سيارات أوشاحنات أوحافلات، نظم توصيل كنظم التوصيل الخاصة بالطائرات بدون طيار ذات القدرات التكنولوجية المتقدمة، التي تشمل خاصيات التوجيه الآلي للمركبات والفرملة وأنظمة تغيير الحارات، واستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار من أجل تفادي الاصطدام، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات في الوقت الفعلي، واستخدام أنظمة الحوْسبة والتعلم العميق عالية الأداء للتكيف مع الظروف الجديدة عبر الخرائط مفصلة.

تعد أنظمة الكشف عن الضوء وتحديد المدى “LIDAR” والذكاء الاصطناعي، بمنزلة عناصر أساسية بالنسبة للملاحة وتجنب الاصطدام، حيث تجمع أنظمة “LIDAR” بين أدوات الضوء والرادار، ويتم تثبيتها على سقف المركبات وهي تستخدم التصوير في بيئات تغطي 360 درجة، بواسطة رادار وأشعة ضوئية لقياس سرعة ومسافة الأشياء المحيطة بالمركبات، إلى جانب أجهزة الاستشعار الموضوعة مقدمة السيارة وعلى الجوانب والجزء الخلفي منها، توفر هذه الأدوات معلومات تساعد السيارات والشاحنات سريعة الحركة من الحفاظ على مسارها دون انحراف، وتساعدها على تجنب الاصطدام بالسيارات الأخرى، وتستخدم الفرامل والتوجيه عند الحاجة، وهي تقوم بذلك على الفور لتجنب الحوادث.

نظرًا لأن هذه الكاميرات وأجهزة الاستشعار، تجمع كمية هائلة من المعلومات وتحتاج إلى معالجتها على الفور، ولكي تتجنب الاصطدام بالسيارة في الممر بالجنب، تتطلب المركبات ذاتية التشغيل حوسبة عالية الأداء وخوارزميات متقدمة وأنظمة تعلم معمق، حتى تتأقلم مع كل مستجدات للحالات الطارئة، وهذا يعني أن البرامج الحاسوبية هي الأساس، وليس هيكل السيارة بذاته أو الشاحنة نفسها، وبفضل البرامج المتقدمة فإن بوسع السيارات الاستفادة من تجارب المركبات الأخرى على الطريق، وتعديل أنظمتها الخاصة بالتوجيه في حالة تغير الطقس أو القيادة أو وقوع أي ظروف في الطرقات.

تهتم شركات “مشاركة الرحلات Ride-sharing” بالسيارات ذاتية التشغيل، وهم ينظرون لما توفره من مزايا من حيث خدمة الزبائن وإنتاجية العمل، وتقوم جميع الشركات الكبرى المعنية بمشاركة الركوب، باستكشاف مدى جدوى استخدام السيارات بدون سائق، وتبرهن الطفرة اللافتة في مجال خدمات مشاركة الركوب وسيارات الأجرة مثل “Uber” و”Lyft” في الولايات المتحدة، ومثل “Daimler’s Mytaxi” و”Hailo” في بريطانيا العظمى، ومثل “Chuxing” في الصين، على الفرص التي يوفرها هذا الخيار في مجال المواصلات. حيث وقّعت شركة “Uber” مؤخرا على اتفاقية لشراء 24000 سيارة ذاتية التشغيل، من شركة فولفو من أجل خدمة مشاركة الركوب.

غير أن الشركة عانت انتكاسة في مارس آذار 2018، عندما اصطدمت إحدى سياراتها ذاتية التشغيل في ولاية أريزونا بأحد المارة وأردته قتيلا، وفور ذلك أوقفت أوبر وعدة شركات لصناعة السيارات تلك التجارب، وأجرت الكثير من التحقيقات حول الخطأ الذي حدث، وكيف أمكن لحادثة الوفاة أن تقع بهذا الشكل، ويسعى قطاع الصناعة والمستهلكين على حد سواء، من الحصول على ضمانات تطمئنهم بأن هذه التكنولوجيا آمنة وقادرة على الوفاء بوعودها المعلنة، وما لم تقدم إجابات مقنعة فإن ذلك الحادث قد يسبب تأخرًا، في وتيرة تقدم الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل.

اترك رد

Your email address will not be published.