لماذا يعزف الطلاب المصريون عن دراسة الذكاء الاصطناعي؟

23

إبراهيم عبد المجيد 

قبل ثلاث سنوات أنشئت أول كلية لدراسة الذكاء الاصطناعي في مصر، وتوالى إنشاء كليات وأقسام لدراسة هذا التخصص في جامعات عدة، لكن التخصص الذي أظهرت الدولة اهتمامًا كبيرًا بإدخاله المقررات الأكاديمية لا يبدو أنه يحظى بالقدر الكافي من الإقبال من جانب الطلاب، وأظهرت نتائج تنسيق قبول الطلاب في الجامعات وجود أماكن شاغرة في كليات الحاسبات التي تضم أقسام الذكاء الاصطناعي، في المرحلة الثانية للتنسيق، بينما أقبل معظم الناجحين في الثانوية العامة من شعبتي علمي رياضة على كليات الهندسة، التي شغل طلاب المرحلة الأولى من التنسيق كل مقاعدها، على عكس السنوات الماضية حيث كانت تشهد فراغ بعض الأماكن في كليات الهندسة بالأقاليم لطلاب المرحلة الثانية.

وتوجد كليات الذكاء الاصطناعي في تسع جامعات حكومية تغطي مختلف مناطق الجمهورية في العاصمة القاهرة والدلتا والصعيد، وتتنوع الأقسام داخل الكليات لدراسة مجالات مثل برمجة الآلة، واسترجاع المعلومات، وتكنولوجيا أنظمة الشبكات المدمجة، والروبوتات، والآلات الذكية، وعلوم البيانات.

أول كلية

وكانت أول كلية مستقلة مخصصة للذكاء الاصطناعي قد أنشئت عام 2019 في جامعة كفر الشيخ، بقرار من رئاسة الوزراء، وتم تحديد هدف الكلية بأنه “دعم جهود الدولة في البناء والحفاظ على الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي والنمو والإنتاجية من خلال التركيز على جهود التحول للتعلم العميق والتعلم الآلي، ودعم قطاع الصناعة وقطاع الأعمال في مصر بالكوادر البشرية، ودعم قطاع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي ومساعدة الشركات الناشئة على النمو لتصبح شركات مصرية قادرة على التميز عالمياً” بحسب بيان الحكومة حينها.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019 أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اهتمام الدولة بإنشاء كليات ذكاء اصطناعي جديدة خلال الأعوام القليلة المقبلة، خلال مداخلته بجلسة “الذكاء الاصطناعي والبشر… من المتحكم”، بمنتدى شباب العالم في شرم الشيخ.

الكليات التقليدية

إلا أن أنظار المتفوقين في الثانوية العامة ظلت باتجاه كليات القمة التقليدية مثل الطب والصيدلة والهندسة، ولم تحظ كليات الذكاء الاصطناعي بكثير من اهتمام خريجي شعبتي علمي علوم وعلمي رياضة، مما دفع عضو مجلس الشيوخ المصري ياسر الهضيبي إلى المطالبة بإعداد ندوات تثقيفية ودورات للتوعية بأهمية هذه الكليات في المستقبل ودورها في توفير فرص عمل لخريجيها بهدف تشجيع الطلاب على الإقبال عليها. ودعا الهضيبي في تصريحات صحافية وزارة التعليم العالي إلى التوجه لطلبة الثانوية العامة لتعريفهم بالكليات التكنولوجية الجديدة ليدركوا أهميتها في تطوير مستقبلهم الوظيفي بدلاً من كليات القمة التقليدية مثل الطب والهندسة، مضيفاً أن هناك عزوفاً “غير مفهوم” عن الالتحاق بكليات الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن التخصصات التكنولوجية ستكون الأكثر طلباً في سوق العمل خلال المستقبل القريب.

أقل من المتوقع

الذكاء الاصطناعي أحد أقسام كلية الحاسبات في جامعة القاهرة، أكبر وأعرق الجامعات المصرية، حيث تم تغيير اسم الكلية من “الحاسبات والمعلومات” إلى “الحاسبات والذكاء الاصطناعي” عام 2019. وقال عميد الكلية رضا عبد الوهاب إن ذلك التخصص كان موجوداً في السابق على مستوى الدراسات العليا، ثم أصبح هناك قسم مخصص للذكاء الاصطناعي منذ 2019، مشيراً إلى أن الأقسام الأربعة الأخرى في الكلية بها تطبيقات لها تماس مع الذكاء الاصطناعي أيضاً. أضاف أن الكلية خرجت في العام الدراسي المنتهي في يونيو (حزيران) الماضي أول دفعة من دارسي قسم الذكاء الاصطناعي، موضحاً أن التوزيع على الأقسام يكون قبل بداية العام الدراسي الثالث، بناءً على تنسيق داخلي وفق اختيارات الطلاب ودرجاتهم في أول عامين، ولفت إلى أن الإقبال على القسم المستحدث لم يكن قدر المتوقع، مرجعاً ذلك إلى حذر بعض الطلاب من التخصصات الجديدة وعدم رغبتهم في خوض التجربة، متوقعاً أن يزيد الإقبال مع الوقت على تخصص الذكاء الاصطناعي.

وقال عميد كلية “الحاسبات والذكاء الاصطناعي” إن المقررات دائماً ما تكون متواكبة مع سوق العمل، كما توفر الكلية تدريباً عملياً في الإجازة الصيفية للعام الدراسي الثالث داخل الشركات المتخصصة في هذا المجال، مشيراً إلى أن بعض الطلاب حصلوا على فرص عمل خلال فترة الدراسة وبعضهم يعمل حالياً في شركة “ميتا” أو “فيسبوك” سابقاً، كما أن مشروعات التخرج تتناول مشكلات واقعية يقدم الطلاب نموذجاً أولياً لحلها، وبعض الشركات تواصلت مع أصحاب مشروعات تخرج لتوظيفهم بعد إعجابهم بالمشاريع، ما يؤكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة مطلوبة بقوة في سوق العمل.

فرص العمل

في المقابل، قال سيد عطا رئيس قطاع التعليم بوزارة التعليم العالي والمشرف العام على مكتب تنسيق القبول بالجامعات إن هناك إقبالاً على كليات الذكاء الاصطناعي، لكنه لم يكشف عن أعداد المتقدمين للالتحاق بتلك الكليات. وقال في تصريحات تلفزيونية إن على كل طالب تحقيق التفوق في الكلية التي يلتحق بها.

بدوره، رأى الخبير التربوي والأستاذ بجامعة عين شمس حسن شحاتة أن الكليات التقليدية لن يكون لها مستقبل، وخريجي كليات القمة مثل الصيدلة والهندسة لن يجدوا فرص عمل مستقبلاً. أضاف أن الكليات الجديدة تكون أهميتها غير واضحة لأولياء أمور الطلاب ما يستدعي تكثيف التوعية بها في وسائل الإعلام عبر عرض التخصصات الجديدة وطرق الدراسة والفرص المتاحة في سوق العمل، وتوقع أن تكون الكليات التكنولوجية والتخصصات الجديدة ضمن كليات القمة بدءاً من العام المقبل، مؤكداً أن معيار اختيار الكلية يجب أن يكون احتياجات سوق العمل في المستقبل.

وقال الخبير التربوي محمد عبد العزيز إن دراسة تخصص الذكاء الاصطناعي لا ترقى إلى تدشين كليات لتدريس التخصص، في ظل عدم وجود كليات مستقلة لذلك التخصص على مستوى العالم، لافتاً إلى أنه كان من الممكن الاكتفاء بأقسام للذكاء الاصطناعي في كليات الحاسبات والمعلومات مما يؤدي الغرض من دراسة التخصص مع تطوير الدراسة العملية، ورجح عبد العزيز في تصريحات صحافية أن يكون ضعف الإقبال على تلك الكليات يرجع إلى عدم توضيح وزارة التعليم العالي المعلومات الكافية للطلاب.

تخصصات جديدة

أضاف أنه لا يوجد تخصص للذكاء الاصطناعي بحد ذاته وإنما يختلف التطبيق العملي له في كل مجال، داعياً وزارة التعليم العالي والجامعات إلى توضيح ما إذا كانت الشهادات في هذا المجال ستكون معتمدة، وهل ستتم شراكات مع جامعات دولية تدرس التخصص نفسه، وبحسب تصريحات لوزير التعليم العالي السابق خالد عبد الغفار، فإن عدداً من الدراسات يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في نحو 7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر بحلول عام 2030. أضاف أن مجالات التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي ستلعب دوراً في خلق فرص عمل مستقبلاً، موضحاً أن مصر سعت إلى مواكبة تلك المتغيرات من خلال صياغة استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي.

وتشهد الجامعات المصرية في الأعوام الأخيرة إدخال تخصصات جديدة بهدف مواكبة المستجدات في سوق العمل وتأهيل الطلاب لمواكبة التطورات الجديدة عالمياً، وإلى جانب الذكاء الاصطناعي، تم استحداث كلية الملاحة وعلوم الفضاء في جامعة بني سويف التي تعد الأولى في هذا المجال بمصر والدول العربية، وفي الجامعة نفسها، استحدثت كلية “علوم الأرض” المتخصصة في مجالات الجيولوجيا والثروة المعدنية، كما استحدثت جامعة أسوان كلية “تكنولوجيا المصايد والأسماك” إلى جانب كلية تكنولوجيا علوم صناعة السكر بجامعة أسيوط، وهي واحدة ضمن أربع كليات على مستوى العالم في هذا المجال وفق تقارير إعلامية محلية.

اترك رد

Your email address will not be published.