الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة كبرى في إعادة تشكيل مدن المستقبل
AI بالعربي -خاص
يعيش 55% من سكان العالم الآن في المدن والمناطق الحضرية، وسترتفع هذه النسبة إلى نحو 70% بحلول عام 2050.
وحوالي 90% من هذه الزيادة، ستحدث في مدن قارتي آسيا وإفريقيا، وستكبر هذه المدن وتتضخم ولكن العديد منها لن ينمو فحسب، بل ستحاول مدن كثيرة إعادة تشكيل نفسها، لتلبية متطلبات هذا العدد الهائل من البشر، الذين سيعيشون فيها بالمستقبل.
وفي هذا السياق، فإن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، سيكونان أهم الأدوات والوسائل المتاحة للتعامل مع نمو وتغيرات مدن المستقبل، والتي غالبًا ما ستكون مدنًا ذكية، فالذكاء الاصطناعي يعد أحد أهم محركات الثورة الصناعية الرابعة، وهو لا يغير عالم الأعمال فقط، بل يحول أيضًا مدننا والطرق التي نعمل ونعيش بها بشكل جذري.
لنتذكر أن الهدف الأساسي للذكاء الاصطناعي عمومًا، هو تحسين وتطوير طرق حياة البشر، وهو كذلك بالنسبة للمدن الذكية، وذلك من خلال الحصول السريع على كميات ضخمة من البيانات، وتحليلها بسرعة فائقة لاتخاذ قرارات أكثر استنارة، بهدف تحسين طرق الحياة لسكان هذه المدن في شتى المجالات، وذلك كما ذكرت منصة “إنفورميشن أيج” في تقريرٍ لها مؤخرًا.
ولكن هل بدأ عصر المدن الذكية حقًا، أم أننا ما زلنا في بداية المشوار؟ وكيف سيغير الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي شكل هذه المدن، وطريقة عملها وأساليب عيش سكانها؟
مواصلات أكثر أمنًا وطرقات بلا حوادث
تنتشر السيارات ذاتية القيادة، في شوارع العديد من مدن العالم الآن، وستزداد هذه السيارات في المستقبل بشكل كبير، حيث تتيح التقنيات الحديثة مثل تقنية اكتشاف الضوء تحديد المدى، جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي لهذه المركبات، الرؤية الواضحة خلال الطقس السيئ، وحول الزوايا والمنعطفات لاكتشاف وتجنب المشاة، والمركبات والعقبات الموجودة في الطرقات التي تسير عليها.
ويأمل المخططون أن يؤدي التقدم التكنولوجي، إلى تقليل الازدحام والتلوث والحوادث في مدن المستقبل، ويعتقد بعض الخبراء أنه بحلول عام 2030، ستتم معظم الكيلومترات المقطوعة، في المدن الكبرى في العالم بواسطة، السيارات الكهربائية المستقلة عند الطلب، مما سيُقلل حاجة الناس لامتلاك سيارة شخصية في المدينة، ويحل مشاكل الازدحام المروري، ومشكلة مواقف السيارات، وذلك كما ذكرت منصة “آي آند إل”، في تقرير لها حول أهم المجالات التي سيغير فيها الذكاء الاصطناعي، شكل وطريقة عمل مدن المستقبل.
تطبيق القانون ومحاربة الجريمة
في العديد من مدن العالم حاليًا، أصبح التعرف على الوجه من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، ممارسة عادية تتم بشكل دائم، وخلال جائحة كورونا في العام 2020 الماضي، بدأت الشرطة في بعض مدن العالم الحديثة مثل سنغافورة ودبي، في استخدام طائرات بدون طيار مزودة ببرنامج التعرف على الوجه، لاكتشاف الأشخاص الذين يتجمعون بشكل غير قانوني بأعداد كبيرة، أو لا يرتدون قناعًا واقيًا، كما كشفت الشرطة واعتقلت آلاف الأشخاص، الذين ارتكبوا أنشطة إجرامية أخرى.
وقامت جهات إنفاذ القانون في بعض المدن، بتجهيز سياراتها بأنظمة التعرف على الوجه البيومترية الحية، حيث تقوم الكاميرات وبرامج الذكاء الاصطناعي، بفحص وجوه الأشخاص باستمرار في المدينة، للتحقق من وجود أوامر اعتقال معلقة، كما ذُكِر في التقرير السابق.
ونظرًا لاعتراضات الخصوصية، ضد تقنية التعرف على الوجه، استخدمت برشلونة أنظمة الذكاء الاصطناعي والتصوير الحراري، لمراقبة مدى إشغال الشاطئ أثناء الجائحة، وذلك بدلًا من إحصاء عدد الأشخاص الذين يزورون الشواطئ، حيث قاموا بمسح منطقة الرمال التي يغيب عنها الناس.
ويوضح التقرير أن التحليل السريع لبيانات المدينة، بواسطة الذكاء الاصطناعي، سيؤدي إلى كفاءة عالية في استخدام الطاقة، فعلى سبيل المثال يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة حاليًا، لتحليل بيانات تدفق حركة المرور، وإدارتها بطريقة أكثر استدامة، من خلال استخدام نظام تسلسل إشارات المرور المحسّن الآلي.
وباستخدام أجهزة كمبيوتر قوية، ونظام ذكاء اصطناعي يتعلم من التجربة، يتم تجميع البيانات في الوقت الفعلي من “مستشعرات إنترنت الأشياء الدقيقة”، داخل مصابيح الشوارع لضبط مستويات الإضاءة، بذكاء حسب الحاجة في مدن مثل برشلونة، روتردام، ميونخ، كوبنهاجن.
وعادة ما يتم دمج البيانات، مع معلومات وإحصائيات من مصادر خارجية، مثل نشرات الأخبار والطقس، كما تُستخدم مستشعرات “إنترنت الأشياء” أيضًا، لجمع وتحليل البيانات المتعلقة بحركة المرور وتدفقات المُشاة، والعوامل البيئية الأخرى مثل: جودة الهواء، درجة الحرارة، سرعة الرياح، الرطوبة، إضافة إلى البيانات الصوتية مثل: الضوضاء أو اكتشاف الطلقات النارية.
الإدارة الذكية للنفايات
وهناك شكل آخر من أشكال الخدمات العامة المبتكرة، في المدن الذكية التي ذكرها التقرير، وهو الإدارة الذكية للنفايات، كما هو مستخدم في مدينة روتردام الهولندية حاليًا.
حيث تضاف أجهزة الاستشعار، إلى حاويات النفايات لقياس معدل التعبئة أو المخالفات، في عمليات الجمع والنقل، ومن خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي، يمكن تحقيق مكاسب في الكفاءة، من خلال التوجيه الأمثل لجمع النفايات وفقًا لمعدل التعبئة.
وغالبا ما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي، في التنبؤ بأنماط كيفية التخلص من النفايات، ومتى وأين يتم التخلص منها، مما يسمح للبلدية بتطوير نظام إدارة هذه النفايات، وصولًا إلى التخلص منها في مكان تواجدها بين السكان.
ويمكن اكتساب قدر أكبر من الكفاءة أيضًا، إذا تم استخدام المركبات المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والمرتبطة بنظام إدارة النفايات الآلي لجمع النفايات، كما تُستخدم الرؤية الحاسوبية التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي أيضًا، لفصل النفايات بهدف إعادة التدوير.
وفي الحقيقة، فإن الذكاء الاصطناعي سيتولى إدارة مدن المستقبل، وسيعمل على تغيير شكل هذه المدن، ولكن كما تقول أغنية الروك المعروفة لـ”باكمان- تورنر أوفردرايف: “أنت لم ترَ شيئًا بعد”.