استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم AI-in-Education

53

د.شريف بن محمد الأتربي

أدى تفشي فيروس COVID – 19 إلى زيادة الطلب على منصات التعلُّم عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، مما أحدث طفرة كبيرة في هذه المنصات، وسارعت كثير من المؤسسات إلى تبني تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) في تجهيز منصاتها للتعلم الإلكتروني التفاعلي لتوفير حلول تعليمية مبتكرة، وغير تقليدية، تتوافق مع الوضع العام العالمي، وتوقُّف التعليم داخل المدارس في أكثر من 191 دولة.

لقد تجاوز حجم سوق الذكاء الاصطناعي (AI) في التعليم مليار دولار أمريكي في عام 2020 ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي يزيد على 40 في المئة بين عامي 2021 و2027. ومن المرجح أن يؤدي الطلب المتزايد على حلول التعلُّم التفاعلي وتعزيز تجربة التعلُّم إلى تحقيق نمو هذا المجال الاستثماري بصورة كبيرة جداً ومتسارعة، حيث يساعد هذا النمط من التعليم في تحسين تعلم الطلاب وتقديم دروس خصوصية لهم، وأيضاً تقديم تعليم عالِ الجودة للطلاب يمكن من خلاله قياس معرفتهم وتعلمهم الموجودين مسبقًا بالمعرفة الجديدة.

 

توفر تقنية الذكاء الاصطناعي بيئة تعليمية مريحة وفاعلة للطلاب، خاصة هؤلاء الذين يعانون من مشكلات تؤثر على اندماجهم الكامل في البيئة الصفية، حيث سيتمكن هؤلاء الطلاب – مع الذكاء الاصطناعي – من الشعور بعدم الإحراج عند ارتكاب الأخطاء اللازمة للتعلم، والتي كانوا سيترددون في ارتكابها أمام معلميهم وأقرانهم داخل البيئة الصفية. هذا على جانب من الجوانب، وعلى جانب آخر توفر حلول الذكاء الاصطناعي أيضاً للطلاب ملاحظات فورية تساعدهم – وتساعد معلميهم – في تحسين تجربة التعلُّم وتوفير بدائل أفضل للمتعلم كلُّ حسب احتياجه مما يحدث تفرداً في التعليم.

لقد سارعت كثير من الدول إلى الاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي في تقديم حلول لمشكلات التعليم، سواء تلك المشكلات المتعلقة بالانقطاع عن الدراسة بسبب فيروس COVID – 19 أو مشكلات الدراسة التي يعاني منها المجتمع التعليمي بشكل عام وطال أمد انتظار توافر حلول لها، فعلى سبيل المثال استحوذ حل الذكاء الاصطناعي في التعليم في كندا على أكثر من 70 في المئة من حصة عائدات السوق في عام 2020 بسبب التوجه السريع نحو نظام التدريس الذكي (ITS) في عملية التعلُّم .

وفي المملكة المتحدة، من المتوقع أن يتوسع قطاع التعلُّم العميق – (يُعَد التعلُّم العميق Deep learning فرعًا من الذكاء الاصطناعي، يسعى إلى نسخ قدراتنا لتعليمها وتطويرها في الآلات، بمعنى آخر، يسمح التعلُّم العميق للحواسيب بتلقي معلومات جديدة، وفك تشفير البيانات، ومعالجة المخرجات، كل هذا دون أي مساعدة بشرية) – بحوالي 40 في المئة معدل نمو سنوي مركب حتى عام 2027 لأنه يقدم منهجية تعلُّم تعاوني بين المعلمين والطلاب وبيئة أوسع تتمتع بمهارات اجتماعية ومهارات قوية مرتبطة بالعمل الجماعي.

تساعد هذه التقنية في حماية مهنة التدريس من الأتمتة، حيث إن هناك العديد من المهام التي يقوم بها المعلمون لا تستطيع الآلات القيام بها، مثل: تطوير المهارات الناعمة لدى الطلاب، وتنميتهم مجتمعياً.

وفي ألمانيا كذلك، استحوذ التعليم العالي على حوالي 50 في المئة من حصة الذكاء الاصطناعي في سوق التعليم في عام 2020 بسبب زيادة الطلب على القوى العاملة المتخصصة لنشر الذكاء الاصطناعي في مختلف المعاهد والصناعات التعليمية، حيث تتجه أغلب معاهد التعليم العالي إلى الذكاء الاصطناعي لمساعدتها في تحقيق متطلبات المقررات الدراسية، والمساعدة الإدارية، وخيارات المسار الوظيفي للطلاب.

تشمل المزايا الأخرى التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للطلاب: التعلُّم المخصص وتوفير فصول دراسية ذكية، وتقديم تعليم جيد.

وفي الصين، من المتوقع أن يحقق قطاع منصات التعلُّم إيرادات تزيد على 800 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2027، عطفاً على الطلب المتزايد على الفصول الدراسية الافتراضية والمنصات التعليمية. لقد زادت الحاجة إلى الفصول الافتراضية بدرجة كبيرة نتيجة زيادة الرغبة في توفير تدريب فعال للسكان المشتتين وبتكلفة معقولة، حيث تساعد هذه الشركات المؤسسات التعليمية والتدريبية على تقديم تجارب تعليمية قيمة للعملاء وأصحاب العمل مع تجنب تكاليف السفر والإقامة. كما تقوم هذه الشركات بدور رئيسي في تطوير وصيانة البرامج التعليمية والتدريبية عبر الإنترنت والتي ستدعم نتائج التعلُّم المخطط لها.

ومن المتوقع أن يشهد سوق التعليم في أمريكا الشمالية نموًا سنوياً مركبًا بنسبة 40 في المئة حتى عام 2027. فنتيجة لضخ الحكومات للأموال بصورة ضخمة؛ ووجود عمالقة التكنولوجيا بما في ذلك Microsoft وGoogle وIBM يستعد الذكاء الاصطناعي لتبوؤ مكانة خاصة في سوق التعليم عن بُعد.

لقد أدى الاعتماد المتزايد على الأجهزة المحمولة، مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الحاسوب المحمولة إلى زيادة مطوري البرامج لتصميم برامج متوافقة مع هذه الأجهزة المحمولة.

وتعمل هذه الشركات على تطوير منصات التعلُّم القائمة على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلُّم، فعلى سبيل المثال أطلقت GoLearn Education Ltd في سبتمبر 2020 منصة تعليم وتعلُّم اللغة الإنجليزية (ELTL) القائمة على الذكاء الاصطناعي – GoLearn. ساعد إطلاق هذا المنتج الشركة على تقديم منصة تعليمية تفاعلية قائمة على الذكاء الاصطناعي لمدرسي ومتعلمي اللغة الإنجليزية.

ومن اللاعبين الرئيسيين العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي في سوق التعليم: Amazon Web Services، Inc.، Blackboard Inc.، Blippar، Century Tech Limited، Cerevrum Inc.، CheckiO، Pearson PLC، TrueShelf، Querium Corporation، Knewton.، Cognii Inc.، Google Inc. وMicrosoft Corporation وNuance Communication Inc. وIBM Corporation. وJenzabar Inc. وYuguan Information Technology LLC وPixatel Systems وPleiQ Smart Toys SpA وQuantum Adaptive Learning LLC.

هذا على جانب الاستثمار في هذا السوق الواعد؛ أما على جانب التعليم فقد خرج تقرير منظمة اليونيسكو بعنوان: الذكاء الاصطناعي في التعليم بعدة توصيات بشأن استخدامه في التعليم، حيث حُددت خمسة مجالات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، هي:

1 – الذكاء الاصطناعي لإدارة التعليم وتقديمه.

2 – الذكاء الاصطناعي لتمكين التدريس والمعلمين.

3 – الذكاء الاصطناعي لتقييم التعلُّم والتعليم.

4 – تنمية القيم والمهارات اللازمة للحياة والعمل في عصر الذكاء الاصطناعي.

5 – الذكاء الاصطناعي لتقديم فرص التعلُّم مدى الحياة للجميع.

كما وضع التقرير عدة توصيات تتوافق مع أربع قضايا متداخلة في سياسات تقديم التعليم التي تعتمدها اليونيسكو كمنهج لها، هي:

1 – تشجيع الاستخدام المنصف والشامل للذكاء الاصطناعي في التعليم.

2 – المساواة بين الجنسين والذكاء الاصطناعي المنصف للمساواة بين الجنسين.

3 – ضمان الاستخدام الأخلاقي والشفاف والقابل للتدقيق في البيانات والبرمجيات التعليمية.

4 – الرصد والتقييم والبحث.

وهناك 10 أدوار رئيسية يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي للتعليم:

1 – أتمتة الأنشطة التعليمية خاصة في الدرجات Activity automation.

2 – برامج تعليمية تكيفية مع احتياجات الطلبة Adaptive software.

3 – تحسين تعليم الطلبة بناء على تحليل النتائج Targeted improvement.

4 – دعم إضافي للطلبة Tutorial support.

5 – تغذية راجعة مفيدة Helpful feedback.

6 – معلومات تفاعلية حسب الاحتياج Information interaction.

7 – تغيير دور المعلمين Changing teacher roles.

8 – التعلُّم المبني على المحاولة والخطأ دون خوف أو رهبة Trial – and error learning.

9 – الحصول على تعليم مناسب للطلبة بناء على بيانات تعلمهم Actionable data.

10 – تقديم تعليم متميز غير محدود بمكان ولا زمان Changing learning nature.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية ظهرت العديد من المبادرات لتوظيف الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية لعل من أهمها:

– تطبيق المفكر الرياضي Thinkster Math: تطبيق يمزج بين منهج الرياضيات ونمط التعلُّم الشخصي، ويقوم هذا التطبيق بمراقبة المعالجة العقلية لكل طالب والتي تكشف بالتدريج على شاشة IPad، ويعرض للمستخدم مشكلات مختلفة حسب قدرته، وبمجرد كتابة المستخدم عن طريقة توصّله إلى الإجابة يحلل التطبيق عمله ويحدد لماذا أخطأ أو كيف فهم جزئية محددة في حل المشكلة، ويحسّن هذا التطبيق من المعالجة المنطقية لدى كل الطلاب من خلال تقديم تغذية راجعة فورية وشخصية.

– موقع Brainly: وهو موقع تواصل اجتماعي للأسئلة المطروحة داخل الفصول الدراسية، حيث يسمح البرنامج للمتعلمين بطرح أسئلة الواجبات المنزلية وتلقى إجابات تلقائية مدققة من زملائهم، ويساعد هذا البرنامج على التعاون للتوصل إلى إجابات صحيحة، ولدى البرنامج مجموعة متنوعة من الخبراء في المواد الدراسيّة يعملون على خلق بيئة شبيهة بالفصول الدراسية.

– شركة تقنيات المحتوى Content Technologies, Inc: وهي شركة ذكاء اصطناعي للبحث والتطوير والتصميم التعليمي وإنتاج حلول لتطبيقات المحتوى، تستخدم «التعلُّم العميق» deep learning لإنشاء الكتب المدرسية المتخصصة التي تناسب احتياجات المقررات.

ويُدخل المعلمون توصيف المناهج إلى محرك تكنولوجيا المحتوى وبعدها تستخدم مكينات تكنولوجيا المحتوى خوارزميات لإنتاج كتب ومواد دراسية شخصية… استنادًا إلى المفاهيم الأساسية للمناهج، وتسعى هذه المبادرة إلى مساعدة الناشرين على إنشاء كتب مدرسية فعالة تحقق لكل متعلم الحصول على تعلم فردي ذي طابع شخصي.

– موقع ميكا Mika: يوفر هذا الموقع في جامعة «كارنيغي ميلون» الأمريكية أدوات تدريس قائمة على الذكاء الاصطناعي للمتعلمين كثيري الانشغال، والطلاب الذين يفتقدون إلى الاهتمام ذي الطابع الشخصي، وتتخصص ميكا في التدريس لطلاب المرحلة الجامعية لسد الفجوات في الحجرات الدراسية المكتظة بالطلاب ويوجّه التطبيق بواسطة عمليّة التعلُّم الخاصة بكل طالب وتجعل المتعلم على دراية بما يحرزون من تقدم يومي، وتعدل الدروس وفقاً للاحتياج الخاص بكل طالب.

– موقع Netex Learning: يتيح هذا الموقع للمعلمين تصميم المنهج عبر عدة أجهزة رقمية ويساعد حتى أكثر المدربين دراية بالتقنية على دمج عناصر تفاعلية مثل الصوت والصورة والتقييم الذاتي في تخطيطهم الرقمي للدروس، وكلّ هذا في منصة افتراضية للتعلم ذي الطابع الشخصي.

في هذا الموقع يمكن أن يبتكر المعلمون مواد فيها تخصيص للطالب جاهزة للنشر على أي منصة رقمية أثناء تقديم المؤتمرات عبر الفيديو والمناقشات الرقمية والواجبات ذات الطابع الشخصي والتحليلات التعليمية التي توضح عروضًا مرئية للنمو الشخصي لكل طالب.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي – شئنا أم أبينا – جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية خاصة فيما يتعلق بمتابعة نمو وتقدم المتعلمين، وتقديم حلول مناسبة لهم مبنية على تحليلات وإحصاءات دقيقة وواقعية، لا يوجد بها تدخل بشري مطلقاً، فمع الذكاء الاصطناعي وداعاً للعواطف والمجاملات، وداعاً لكلمة (معلش: غداً يتعلم)، فالتعلُّم سيتم اليوم وغداً سيكون تعلُّماً جديداً – بإذن الله -.

إن التعلُّم عبر استخدام الذكاء الاصطناعي يمثل صورة واضحة وجلية لكيفية دمج التقنية في التعليم، وليس التعليم فقط، ولكنها ستشمل جميع مجالات الحياة بحيث يتم استقصاء المشكلات وبخاصة المجتمعية منها وسرعة تقديم حلول قبل تفشي الظواهر السلبية، وتعزيز الظواهر الإيجابية.

اترك رد

Your email address will not be published.