
الذكاء الاصطناعي لا يُغني عن البشر: متى تكون الكفاءة التقنية غير كافية؟
AI بالعربي – متابعات
رغم الضجة العالمية حول التحول الرقمي واعتماد الذكاء الاصطناعي، إلا أن واقع الشركات يكشف فجوة متنامية بين التوقعات والنتائج. فبحسب الكاتبة شاما هايدر، لا يكمن التحدي في قدرات الذكاء الاصطناعي التقنية، بل في إساءة استخدامه كمُبرر لاستبعاد الرأي البشري في مواقع لا يزال فيها العنصر الإنساني ضروريًّا.
الوعود الكبيرة.. والنتائج المتواضعة
كشفت دراسة حديثة أن 72٪ من المؤسسات طبّقت تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي، لكن 74٪ منها أقرت بعدم تحقيق مكاسب الكفاءة المرجوّة. يُظهر هذا التناقض أن الأتمتة وحدها لا تضمن النجاح، بل إن التوقيت والمجال الذي يُستخدم فيه الذكاء الاصطناعي يحددان ما إذا كان الاستثمار مجديًا أم لا.
مفارقة الأتمتة: عندما تصبح الرقابة البشرية أكثر قيمة
في بيئات العمل المعقدة، تزداد الحاجة إلى الإشراف البشري كلما تطورت التقنيات. يُطلق خبراء الصناعة على هذه الظاهرة “مفارقة الأتمتة”، التي تؤكد أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع التعامل بفعالية مع السياق، أو إصدار أحكام دقيقة في المواقف التي تتطلب خبرة إنسانية وفهمًا للعلاقات والسلوكيات البشرية.
حالات يعجز فيها الذكاء الاصطناعي
1. إدارة القوى العاملة العالمية
تواجه الخوارزميات صعوبة في مجاراة التغيّرات السريعة في قوانين العمل والثقافات المتنوعة. فعندما تظهر أنظمة جديدة أو فروقات ثقافية دقيقة تؤثر في السياسات، تظل البصيرة البشرية ضروريًّة لتفسير وتكييف هذه التغيرات بفعالية.
2. قطاع الخدمات المالية
الخسائر الناتجة عن الأنظمة القديمة في قطاع المدفوعات تتجاوز 36.7 مليار دولار سنويًّا. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لتحسين الأنظمة، فإن القرارات المتعلقة بالتسعير، والتجارب المصرفية، وتفسير القوانين التنظيمية، تتطلب مشاركة بشرية دقيقة تُكمّل التحليل الآلي.
3. النزاعات والعلاقات مع العملاء
قد يتعامل الذكاء الاصطناعي مع الأسئلة الروتينية، لكنه لا يستطيع إدارة النزاعات، أو بناء الثقة، أو فهم الانفعالات والسياقات المعقدة التي تحكم العلاقات مع العملاء ذوي القيمة العالية.
“الإنسان عند المهمات الضرورية”… استراتيجية الأتمتة الذكية
تعتمد الشركات الناجحة على الأتمتة الانتقائية، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي في المهام الروتينية، وتُخصص المهام الحساسة للتقدير البشري. ففي مجال التصنيع، مثلًا، قد تُعهد للذكاء الاصطناعي مهام ضبط الجودة، لكن القرارات الاستراتيجية حول القوى العاملة أو موازنة الجودة مقابل السرعة تتطلب نظرة بشرية بعيدة المدى.
التحكم في وتيرة التبني: ما بين الناشئة والكبرى
الشركات الناشئة تتبنى الذكاء الاصطناعي بمرونة، وتستفيد من الأتمتة في التسويق وخدمة العملاء، لكنها تحتفظ بالبشر لإدارة علاقات المستثمرين وصياغة الشراكات.
الشركات المتوسطة توفّر التوازن بين الأتمتة والرقابة البشرية، فتؤتمت المهام المتكررة وتُحتفظ بالبشر للمبادرات الاستراتيجية.
المؤسسات الكبرى تطبّق استراتيجيات ذكاء اصطناعي شاملة، وتُنشئ فرقًا متخصصة للإشراف البشري تضمن الامتثال والابتكار وإدارة العلاقات.
عندما تصبح الأخطاء الاصطناعية خطرًا على السمعة
رغم تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن معدل النتائج الوهمية أو غير الدقيقة ما يزال مرتفعًا. ووفقًا لتقرير صادر عن “نيويورك تايمز”، وصلت نسبة الأخطاء إلى 79٪ في بعض الأدوات الحديثة، ما يهدد ثقة العملاء وسمعة المؤسسات.
لذلك، لا تزال المؤسسات بحاجة إلى خبراء بشريين للتحقق من صحة المحتوى، وضمان مطابقته لهوية العلامة التجارية، وتفسيره بما يتماشى مع احتياجات العملاء، خاصة في القطاعات الإبداعية والتسويقية.
الذكاء المؤسسي: كيف تُحدد ما يجب أتمتته؟
ترتكز استراتيجية الأتمتة الفعالة على المبادئ التالية:
تحديد المهام القابلة للأتمتة: المهام المتكررة القائمة على معايير ثابتة.
وضع حدود واضحة بين الأتمتة والرقابة البشرية.
تصعيد الحالات المعقدة تلقائيًّا إلى خبراء بشريين عند تجاوز قدرات الذكاء الاصطناعي.
تدريب الفرق على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ومتى يجب تجاهل توصياتها أو مراجعتها.
الخلاصة: التكامل لا الاستبدال
الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً شاملاً عن البشر، بل أداة مساعدة قوية تحتاج إلى إدارة بشرية واعية. فنجاح المؤسسات في العصر الرقمي لا يعتمد فقط على تبني الأتمتة، بل على معرفة متى يكون العقل البشري هو الخيار الأكثر حكمة.