“ChatGPT”.. سطوة الذكاء الاصطناعي

29

AI بالعربي – متابعات

أبصر “ChatGPT” النور في 30 نوفمبر عام 2022، معلنًا بداية ما أسماه كثيرون سنة انتشار الذكاء الاصطناعي. وأصبح “ChatGPT” حديث الجميع بعد أيّام قليلة من إصداره، وملأت صور المحادثات التي أجراها مواقع التواصل الاجتماعي، وحلّق عدد مستخدميه إلى مستويات فاجأت الشركة التي طوّرته. وبحلول يناير 2023، كان الروبوت يسجّل دخول 13 مليون زائر في اليوم، محقّقًا رقمًا قياسيًا لأسرع منصة للمستخدمين نموًا لتطبيق استهلاكي، بحسب ما ذكره موقع الشرق الأوسط.

سطوة الذكاء الاصطناعي

خلال سنة الانتشار هذه، كشف “ChatGPT” عن قوّة الوسيط الجيّد ومخاطر الضجيج والحماس، وزرع البذور لنسقٍ جديد من السلوكيات البشرية.

وكباحث يدرس التقنية والسلوك البشري المعلوماتي، وجدتُ أنّ سطوة “ChatGPT” في المجتمع تأتي من رؤية الناس واستخدامهم للتقنية نفسها.

تشهد أنظمة الذكاء الصناعي الشبيهة بـ”ChatGPT” انتشارًا ملحوظًا فمنذ إطلاق الأخير، بات ذكر الذكاء الاصطناعي في العروض التقديمية والمحادثات والمقالات إلزاميًا إلى حدٍّ ما. واليوم، تدّعي “Open AI”، الشركة المطوّرة لـ”ChatGPT”، أنّ 100 مليون شخص يستخدمون الروبوت كلّ أسبوع.

يتفاعل الناس مع “ChatGPT” في منازلهم، ويستخدمه الموظفون من جميع الفئات. وفي عالم التقنية، بات يُشار إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنّه المنصّة الكبرى منذ هاتف الآيفون الذي ولد عام 2007. ويراهن جميع اللاعبين الكبار على هذه التقنية، ويعيش الاستثمار في شركات الذكاء الصناعي الناشئة مرحلة طفرة.

في المقابل، يثير “ChatGPT” كثيرًا من المخاوف كتبعات المعلومات المضلّلة، والاحتيال، ومشكلات الملكية الفكرية، والتمييز. وفي عالم الدراسات العليا، ارتفعت الأصوات التي تحذّر من الغشّ.

دروس السنة الأولى

ما الدروس التي تعلّمناها من سنة “ChatGPT” الأولى؟

قبل كلّ شيء، يعكس نجاح “ChatGPT” القوّة التي يتمتّع بها الوسيط الجيّد.

يدخل الذكاء الاصطناعي في كثير من المنتجات ذات الاستخدام اليومي، من منصّات كـ”سبوتيفاي” و”نتفليكس” إلى “فيسبوك” وخرائط “جوجل”. ويعود أوّل إصدار من”Gpt”، نموذج الذكاء الصناعي الذي يشغّل “ChatGPT”، إلى عام 2018. وتجدر الإشارة إلى أنّ منتجات الشركة الأخرى المدعومة بالذكاء الصناعي، كـ”Dall AI”، لم تحقّق موجة الانتشار المبهرة التي حقّقها “ChatGPT” بعد إطلاقه فورً، ما يعني أنّ الوسيط المحادث هو السبب خلف الانتشار.

يوجد شيءٌ جذّاب في المحادثة. يملك البشر مهارةً في اللغة، والمحادثة هي طريقة النّاس الأولى للتفاعل بعضهم مع بعض بنوعٍ من الذكاء. يمثّل الوسيط القائم على المحادثة وسيلةً طبيعية للتفاعل وطريقة يختبر النّاس من خلالها نباهة نظام الذكاء الاصطناعي. يظهر النجاح الاستثنائي الذي حقّقه “ChatGPT” مرّة أخرى أنّ وسائط المستخدم تدفع التبني المنتشر للتقنية، من أجهزة الماكينتوش إلى محركّات التصفّح والآيفون، والتصميم هو الذي يصنع الفرق.

في المقابل، تملك التقنية موطن قوّة بارزًا هو توليد لغة مقنعة، يجعلها قادرة على إنتاج معلومات خاطئة أو مضلّلة. يسهّل “ChatGPT” وغيره من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي على المجرمين وصانعي البروباغندا افتراس الضعفاء من المستخدمين. باختصار، تتطلّب قدرة هذه التقنية على زيادة الاحتيال والتضليل نوعًا من التنظيم القانوني لها.

ووسط الوعود والمخاطر التي يحملها الذكاء الصناعي التوليدي، أعطت هذه التقنية درسًا آخر في قوّة الضجيج. فقد شهد العام المنصرم نشر عددٍ هائل من المقالات التي تحدّثت عن التحوّل الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي في مفاصل المجتمع وكيف أنّ انتشار التقنية واقعٌ ولا مفرّ منه.

لم يكن “ChatGPT” أوّل تقنية تُوصف بالقفزة النوعية التالية، ولكنّه على الأرجح الوحيد الذي رُوّج له على أنّه خطرٌ وجوديّ في نفس الوقت. يحذّر كثيرون من عمالقة التقنية وباحثي الذكاء الاصطناعي من خطر أنظمة الذكاء الصناعي الخارقة وحلولها محلّ البشر.

تميل بيئة الإعلام إلى تفضيل الضجيج الذي تشحنه اليوم وبشكلٍ إضافي كثرة الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.

آفاق المستقبل

بدأ تدفّق الذكاء الاصطناعي في 2023، ولكن العام المقبل قد يشهد تباطؤًا في هذا المجال، لأنّ تطويره قد يصطدم على الأرجح بمعوّقات تقنية وعقبات في بنيته التحتية كقصور في تصنيع الرقائق وسعة الخادم. وفي الوقت عينه، نحن على الأرجح أمام عامٍ من فرض القوانين التنظيمية على الذكاء الاصطناعي.

هذا التباطؤ يجب أن يعطي مساحةً لتشكيل معايير للسلوك البشري على مستوى آداب التعامل التي تحدّد المكان والزمان المقبولين اجتماعيًا لاستخدام “ChatGPT”، وعلى مستوى الكفاءة، أي المكان والزمان الذي يكون فيهما “ChatGPT” مفيدًا.

سيحتل “ChatGPT” وأقرانه من أنظمة الذكاء الصناعي التوليدي مكانًا بارزًا في أعمال الناس، وسيسمح للعاملين بتأدية بعض المهام بوتيرة أسرع وأخطاء أقلّ. وكما تعلّم النّاس استخدام جوجل للبحث عن المعلومات، سيكون عليهم أيضًا تعلّم ممارسات جديدة للعمل مع أدوات الذكاء الصناعي التوليدي.

ولكنّ آفاق 2024 ليست ورديّة بالكامل، حيث إنّها ستكون سنة تاريخية على صعيد الانتخابات حول العالم، ولا شكّ أنّ المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤثر على آراء الجماهير وسيؤدي إلى انقسامات. قد تكون شركة “ميتا” منعت استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في الإعلانات السياسية، ولكنّها لن تعمد على الأرجح إلى منع استعمال “ChatGPT” وأشباهه لفبركة ونشر المحتوى الخاطئ أو المضلّل.

انتشرت المعلومات السياسية المضلّلة في شبكات التواصل الاجتماعي في 2016 و2020، ولا شكّ أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُستخدم لاستكمال هذه الجهود في 2024، خصوصًا أنّ المحادثات مع “ChatGPT” وأقرانه ستكون مصدرًا للمعلومات المضلّلة حتّى بعيدًا عن التواصل الاجتماعي.

في المحصّلة، سيكون على الجميع، من يستخدم «تشات جي بي تي» ومن لا يستخدمه، تعلّم درسٍ آخر، وهو أنّ السنة الثانية من حياة أيّ تقنية تتطلّب الحذر عندما يتعلّق الأمر بالإعلام الرقمي بمختلف أنواعه.

تيم غوريشناز

أستاذ مساعد في علم المعلومات

بجامعة دريكسيل، مجلّة “فاست كومباني”

خدمات “تريبيون ميديا”

اترك رد

Your email address will not be published.