ورقية بحثية تستطلع “الدراسات الاستشرافية” في زمن الذكاء الاصطناعي

26

AI بالعربي – متابعات

قاربت ورقة بحثية حديثة عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد معطيات هامّة، وهي بعنوان “الجنوب ومستقبل الدراسات الاستشرافية في زمن الذكاء الاصطناعي العام”.

وضمن أبرز خلاصاتها، أكدت الورقة، التي ألّفَها المصطفى الرزرازي، الأستاذ الباحث في “إدارة الأزمات والدراسات الأمنية” وباحث رئيسي في مركز سياسات الجنوب الجديد يركز على دراسة الإرهاب وقضايا الأمن وشرق آسيا، أنه “لكي يمتلِك الإنسان من دول الجنوب مستقبلَه يتعين عليه امتلاك كل وسائل الفهم والتخطيط والأداء والتأثير المستبصِر، وغيرها من الكفايات التي تؤمِّن له مواكبة السير من الحاضر نحو المستقبل”.

“مخاوف مشروعة”

الورقة البحثية، الواقعة في حوالي 20 صفحة، سجلت بوضوح أن “ارتفاع منسوب المخاوف بيننا بسبب ما يعتمل من تحولات تكنولوجية متسارعة اليوم، تبدو كلها مشروعة”، مفسرة ذلك بأنه “لا نريد أن نواجه معركتيْ تحرير في آن واحد: تحرير المستقبل من مطبّات الماضي ومقالب هيمنة الشمال، ومخاطر معركة تحرير المستقبل من سيطرة الآلة”.

وأوضح الرزرازي في تمهيد عام لورقته سياق نزولها، ويتمثل في “احتضان جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بالرباط، قبل أسابيع، فعاليتيْن تُعنيان بالدراسات الاستشرافية، بمشاركة نخبة متميزة من الباحثين والخبراء الدوليين في الاستشراف الاستراتيجي والتنمية المستدامة، الذين تداولوا وضعية الدراسات الاستشرافية في العالم”، مذكّرا بأنه تمت مناقشة “تجديد النظر في منهجيات التوقع وبناء سيناريوهات المستقبل في ظل التحولات السريعة للتكنولوجيا الرقمية، واتساع مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية في عالم يعيش حالة عدم اليقين”.

ويرى مؤلف الورقة أن كل ذلك “يستدعي مرونة في التفكير والتخطيط للمستقبل، حيث يمكن أن يحدث تغيّر مفاجئ في المشهد التكنولوجي وتأثيره على مختلف القطاعات”.

“وبينما كانت الندوة الأولى دولية الأفق، مع الانشغال بالبحث في سبل ترسيخ الممارسة الاستشرافية بدول العالم الإسلامي، اتخذت الفعالية الثانية منحى قاريًا إفريقيًا، وركزت على مناقشة الممارسات التوقعية والاستشرافية والرؤية المستقبلية في إفريقيا، والتوجهات الكبرى التي تؤثر بشكل كبير في تشكيل مسار مستقبل القارة السمراء”، يسترجع الباحث ذاته، قبل أن يؤكد وجود “حاجة ملحة لرصد التوجهات التكنولوجية ومتابعة تطوراتها وفهم كيفية تأثيرها على مختلف الصناعات والقطاعات، بما يشمل الابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتعلّم الآلي، والروبوتات، والاستشعار الذكي، والواقـع الافتراضي، وسلسلة الكُتل (البلوكتشين)، وتحليل البيانات الضخمة وغيرهـا…”.

أربعة انشغالات

بحسب الورقة، فإنها تحديات تطرح “أربعة انشغالات تحتاج إلى معالجة خاصة ومستَعجَلَة من لدن علماء الدراسات المستقبلية والاستشراف، والخبراء العاملين في الدراسات الاستراتيجية وبناء وصنع السياسات العامة”.

وأضافت أن “مجال الاشتغال العلمي يؤكد أن المجتمع يتشكل من البشر وبواسطتهم، لكن مع انتشار تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي مـن الواضح أن هذا لم يعد هو الحال. إذ باتت مليارات الأنظمة الآلية تساهم ضمنيًا في البناء الاجتماعي للواقع عبر رسـم الفروق والتمايزات الخوارزمية بين المرئي وغير المرئي من داخل المنصات وخارجها”.

وأثار الرزرازي أهمية “مقاربة الخوارزميات من منظور السوسيولوجيا الرقمية، واعتبارها وكلاء اجتماعيين يشاركون بنشاط في الحياة الاجتماعية؛ مما يجعل فضولنا يمتد نحو محاولة فهم كيفية تشكيل المجتمع بـ”الكود” الخوارزمي، وكيف تقوم هذه الثقافة في “الكود” بتوجيه السلوك العملي للرمز في الثقافة، وإعادة تشكيل المجتمع بدوره”.

البشرية تجد نفسها أمام “بيئة الآلة”، التي ستلعب دور الآلية المولّدة في العمل عبر عدد لا يحصى من حلقات التغذية الراجعـة feedback loops، التي تربط البشر بوكلاء اجتماعيين اصطناعيين، في سياق بُنى تحتية رقمية وهياكل اجتماعية ما قبل رقمية.

تزويد الشباب بالمهارات الرقمية

“عند النظر إلى المستقبل ثمة اليوم حاجة لمراعاة أمرين اثنين: التركيز على الشباب، وتزويدهم بالمهارات الضرورية لمواجهة تحديات المستقبل”، يورد الباحث في إدارة الأزمات، منبها إلى “الوعي بأن الشباب بصدد تشكيل قطائع مع جيل المخضرمين، تسير نحو بناء جيل المواطنين الرقميين Natives Digital “.

وعرّفت الورقة الجيل الرقمي الجديد بأنه “الأشخاص الذين وُلدوا أو نشؤوا خلال العصر الرقمي ولديهم مستويات عالية من الإلمام بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة، وبالتالي لديهم قبول أعلى للخدمات المتعلقة بالشبكة، كما أنهم مستخدمون متحمّسون لوسائل التواصل الاجتماعي”.

عام 2030.. “تجديد النظر الاستشرافي”

الرزرازي عدَّ عام 2030 حاسمًا لتقييم الخطط ومحطة أساسية لتجديد النظر الاستشرافي وسط أكثر من 124 استراتيجية أو رؤية استشرافية شاملة أو قطاعية في العالم (وطنيًا أو إقليميًا أو دوليًا)، ربما تتصدرها أمميًا خطة التنمية المستدامة لعام 2030 و”إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث” 2030-2015.

وتابع مستنتجاً أن كل استراتيجية ستضطر للتسابق من أجل “سدّ الفجوة الرقمية ضمن الجدول الزمني المحدد لها بحلول عام 2030 مع الوصول إلى أهدافها، دون تفويت فرصة تكييف إنجازاتها مع متطلبات الابتكارات التكنولوجيـة المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، التي ستُغيّر الحالة الذهنية والنفسية لساكنة عام 2030 في التعاطي مع “الإنجازات” وتقييمها”. كما توقع أن “تكون المحاسَبة من طرف المواطنين الرقميين عَصِيّة لجيل المخضرَمين”.

وخلص إلى أنه “لم يعُد يفصلنا عن عام 2030 إلاّ بضع سنوات، تسير على وقع تغيرات مفصلية حدثت منذ 2020؛ تتصدرها أزمة “كوفيـد-19″، وتداعيات الصراع الروسي الأوكراني، والتحولات الكبرى التـي تشـهدها منطقـة الشـرق الأوسط، فضلًا عن التسارع التكنولوجي الجديد، وهو ما أثر فعلًا على التوقعات السابقة، وسيؤثر حتمًا على الأجندات المقترنة بهذا التاريخ شبه السحري”.

اترك رد

Your email address will not be published.