تطوير التكنولوجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي “1 من 2”

18
سيمون جونسون – دارون عاصم – سيلفيا بارماك

لطالما تصور كتاب القصص الخيالية سيناريوهات، حيث يخضع كل نشاط بشري للمراقبة من قبل سلطة مركزية خبيثة. لكن الآن، وعلى الرغم من كل تحذيراتهم، إلا أننا نجد أنفسنا ننطلق بسرعة متهورة نحو مستقبل بائس يستحق وصف جورج أورويل، في كتابه بعنوان “1984”. الواقع أن المهمة المتمثلة في تقييم الكيفية التي نحمي بها حقوقنا -كمستهلكين، وعمال، ومواطنين- لم تكن في أي وقت مضى أكثر إلحاحا مما أصبحت عليه الآن.

يتمثل أحد الاقتراحات المعقولة في الحد من براءات اختراع تكنولوجيات المراقبة لتثبيط تطويرها والإفراط في استخدامها. بافتراض ثبات كل العوامل الأخرى، قد يتسبب هذا في الدفع بعمليات تطوير التكنولوجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بعيدا عن تطبيقات المراقبة، على الأقل في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة، حيث تشكل سبل حماية براءات الاختراع أهمية كبيرة، وحيث سيكون أصحاب رؤوس الأموال المغامرة محجمين عن دعم الشركات التي تفتقر إلى حقوق الملكية الفكرية القوية. لكن حتى في حال تبني مثل هذه التدابير المعقولة، فسيظل العالم منقسما بين البلدان التي تفرض ضمانات فعالة بشأن المراقبة، وتلك التي لا تفرض مثل هذه الضمانات. لهذا، نحن في احتياج إلى النظر في الأساس الشرعي الذي تقوم عليه التجارة بين هذه الكتل الناشئة.

على مدار الشهور الـ18 الأخيرة سجلت قدرات الذكاء الاصطناعي قفزة كبيرة إلى الأمام، ومن غير المرجح أن تتباطأ وتيرة التطور. كان الإصدار العام لروبوت المحادثة ChatGPT في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 طـلقة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي دوت في مختلف أرجاء العالم. لكن الزيادة السريعة بالمستوى ذاته في قدرات المراقبة التي تمتلكها الحكومات والشركات لم تكن أقل أهمية. ولأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتقن عمليات مضاهاة الأنماط، فقد جعل التعرف على الوجوه عملية دقيقة بدرجة مذهلة “وإن كان ذلك لا يخلو من بعض العيوب الكبرى”. ومن الممكن استخدام النهج العام ذاته للتمييز بين السلوك “الطيب” والسلوك المريب، الذي يستند ببساطة إلى الكيفية التي يتحرك بها الناس أو ينسجمون مع محيطهم.

تقودنا مثل هذه المراقبة من الناحية الفنية إلى “إنتاجية أعلى”، بمعنى أنها تزيد من قدرة أي سلطة على إجبار الناس على القيام بما يفترض أن يقوموا به. إذا طبقنا هذا على شركة، فإنه يعني أداء الوظائف على المستوى الذي تعده الإدارة أعلى مستويات الإنتاجية. وفي حالة الحكومة، يعني فرض القانون أو ضمان الامتثال لمن هم على رأس السلطة.

من المؤسف أن ألف عام من الخبرة أثبتت أن زيادة الإنتاجية لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين الرخاء المشترك. اليوم، تسمح عمليات المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمديرين المستبدين والقادة السياسيين الفاشيين بفرض قواعدهم بشكل أكثر فاعلية. لكن رغم أن الإنتاجية قد تزداد، فإن أغلب الناس لن يستفيدوا من هذا.

هذه ليست مجرد تكهنات. ذلك أن الشركات تستخدم بالفعل أساليب المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة كل خطوة يقوم بها موظفوها. على سبيل المثال، تشترط شركة أمازون على عمال التوصيل استخدام تطبيق Mentor الذي يسجل قيادتهم، باسم السلامة كما يفترض. ويزعم بعض السائقين أن تتبعهم يظل مستمرا حتى عندما لا يعملون.

في عموم الأمر، تشير تقديرات الشركة الاستشارية جارتنر، إلى أن حصة كبار أصحاب الأعمال الذين يستخدمون الأدوات الرقمية لتتبع أعمالهم تضاعفت منذ اندلعت جائحة كوفيد – 19، لتصل إلى 60 في المائة، ومن المتوقع أن تبلغ 70 في المائة في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة. ورغم أن الأدلة المتاحة تشير إلى أن زيادة المراقبة ترتبط بتدني مستويات الرضا الوظيفي، فإن عددا كبيرا من أرباب العمل الذين يوافقون على أن مراقبة موظفيهم تثير “مخاوف أخلاقية” لم يتوقفوا عن مراقبتهم… يتبع.

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.