نلاعب الذكاء الاصطناعي ليفنينا
شاهر النهاري
أسبقية العقل البشري في قيادة العالم مهددة بالاكتساح والسلب على أيادي الذكاء الاصطناعي.
وصناعة الذكاء المقصودة هنا هي القدرة الحقيقية على فهم أسس تكوينه من الصفر، ومجالات خطورته إلى الأبعاد، ودراسته بشكل علمي من الصفر، وليس مجرد سطحية التلاعب بوظائفه التي تكثر في محافلنا ومبادراتنا، ومما يشترى بثمن بخس، وبأيدي أجانب للفوز بالمسابقات.
ذكاء تفوقت فيه الدول الصناعية المتقدمة، والتي لا تترك لغيرها إلا قشور مبادرات وألعاب وحوائج خدمية، وتغيير ألوان وأحجام ووظائف، ودون تمكين حقيقي لصياغة وتطوير القدرات الأساسية، للصنع والتعامل مع هذا الذكاء، بمحاذير وحيطة من يدرك، ومن يستطيع، فلا يصبح خطورة على ذاته وعلى الآخرين.
ذكاء لا يزال في بداياته، ولم يطلق له العنان لقيادة ذاته في كامل المراحل، ولم تحط البشرية بجميع خطورته، حينما تتمكن التقنية من التحرر والتعلم وحل المشاكل، ما قد يعطي نتائج مفرحة، ولكنها تصبح عنيفة مبكية حين ينفلت قيادها.
تمكن بعض أخصائيي الذكاء الاصطناعي من تكليفه بتخيل كيفية تطور الإنسان مستقبلا، وحسب تراكمية ما أنتجته نظرية النشوء والارتقاء للعالم البريطاني تشارلز داروين، فكانت رؤية الآلة مرعبة في تخيل التطورات الجسدية البشرية، وتدخل التقنيات والجينات لإكمال التطورات المركبة المتوقعة، وبدقائق وتفاصيل وتحويرات عجيبة، لا يمكن أن يتمعن ويتفكر فيها الرائي دون أن يصاب بمزيج من تفتق العجب والرعب النفسي الشديد!
لا عجب، فهكذا تفكر الآلة الصلدة، وهي لما تزل مقيدة بأصول وشروط التعامل مع رغبات صانعها المحتاط.
ولكن كيف تراها تكون التوقعات حال تسليمها اليد الطولى ليس فقط في التخيل، ولكن في التداخل المادي والجيني والتجريبي وإحداث الخلل والدمج والتمادي بما لم يكن صانعها التأسيسي يدرك، فتصبح الكوارث حقائق تعصف بحياة البشر.
الفهم الأصيل، وخطط التحكم العلمية بالتدريج شيء، ومجرد البدء من أعلى عنق الزجاجة شيء آخر، والكوارث لا تحدث إلا متى ما حضر الطيش ونقص العلم، وعبثت مشاعر الغرور، والتجريب، التي تحقق للآلة إطلاق المارد الكامن في ذكائها، يحسن ويخدم ويعمر، مع احتمالية فقد السيطرة وبلوغ التدمير، وهو أحد نهايات الحلول المحتملة بما يعرف، ويشطح، ويتراكب، ويقدر ويجزم بأنه الأفضل، فينفذه دون استشارة، وحتى لو كان تلاعبا بالجينات أو تفجيرا نوويا أو ما هو أشد خطورة، بتوارد التخيلات على عقل الآلة، وتقبله للمزيد، حسب احتمالات النشوء والارتقاء، ليس فيما هو حي فقط، ولكن على مستوى الجمادات والآلات والتراكيب والمباني والهياكل والأسلحة وتحريك ظواهر الطبيعة والبيئة وعموم الوجود.
وعندها قد تخرج الآلات سليمة ويعاد تركيبها، ولكن البيئة والحيوان والإنسان يظلون الحلقات الأضعف المهملة، كون الآلة تفكر وتدبر بمفردها، فتكون النتائج وخيمة كارثية، قد تهيئها برمجيات الآلة، ولكنها تتعامل معه دون شفقة ولا ضمير.
الروبوت قد يخدم الغني الثري، وقد يقدم له الولاء والطاعة موقتا، ولكنه وبعد أن يمتلك القدرة والزمن والفرصة، وبتواصله مع معلومات كيفية الغدر المتاحة من خلال الأقمار الصناعية ومراكز البحث، لا شك سيمكر، ويتخلص بداية من سيده، الذي لم يقدر خطورته، ولم يسيطر على خصائص التذاكي المتراكبة، والغدر المحتمل، وانتقامه، دون حدود ودون منطق عاطفي إنساني، وبانتقاء الحلول لصالحه دون مجاملة، وقدرته التي تتنامى بلا حدود، وتنتهي بما لا يصدقه يقين الرحمة البشري، ولا تعقله.