شركات تسويق الألم.. كيف يُستخدم الحزن الشخصي لكسب المتابعين؟
شركات تسويق الألم.. كيف يُستخدم الحزن الشخصي لكسب المتابعين؟
AI بالعربي – خاص
في عالم تُهيمن عليه المشاعر على حساب الوقائع، لم تعد المنصات الرقمية مجرّد فضاءات للتعبير، بل أصبحت ساحات تجارية تُسوّق فيها التجارب كما تُسوّق المنتجات. وسط هذا التحوّل، ظهرت ظاهرة جديدة تُعرف بـ “تسويق الألم”، حيث يُستخدم الحزن الشخصي أو التجارب المؤلمة كبضاعة رقمية تهدف إلى جلب المتابعين، إثارة التفاعل، أو خلق تأثير سريع.
تتمثل هذه الظاهرة في نشر قصص الخسارة، الانفصال، المرض، أو المآسي العائلية ضمن محتوى منسّق بعناية، مصحوب بموسيقى حزينة أو صور مؤثرة، لكنه في جوهره موجّه نحو هدف تسويقي: التوسع الجماهيري أو بناء علامة شخصية ترتكز على الشفقة والانفعال. وهكذا يتحول الألم إلى منتج رقمي قابل للاستهلاك.
يرى البعض في هذا الشكل من التعبير نوعًا من “الاستغلال العاطفي”، حيث يتم توظيف المعاناة بطريقة مقنّعة لجذب الانتباه وتحقيق مكاسب آنية، سواء عبر الإعلانات، الرعايات، أو حتى تمويل الجماهير (Crowdfunding). وفي كثير من الأحيان، تختفي الحدود بين ما هو شخصي وما هو تجاري، ويصبح البوح فعلًا محسوبًا يُدار كجزء من خطة محتوى.
لا يعني ذلك أن كل من يشارك حزنه يسعى إلى الربح، لكن المنصات الرقمية — من خلال خوارزمياتها — تُكافئ المحتوى العاطفي بانتشاره السريع، مما يغري المستخدمين لتقديم المزيد من هذه الجرعة النفسية القاسية. بل قد يشعر البعض بأنهم مضطرون لفتح جروحهم أمام العلن كي يُسمع صوتهم أو يُشاهد محتواهم.
في تقرير أصدره “مركز دراسات الإعلام الرقمي” عام 2024، أُشير إلى أن المحتوى العاطفي المرتبط بالخسارة أو الحزن يحظى بنسبة تفاعل تزيد بنسبة 63% عن المحتوى العادي، وأن المنصات تميل تلقائيًا إلى إبراز هذه المواد لأنها تثير الانخراط اللحظي والمشاركة. وهنا تكمن المفارقة: ما يُفترض أنه لحظة إنسانية صادقة، يُعاد تشكيله ليخدم منطق السوق.
هذه الظاهرة لا تقتصر على الأفراد، بل تبنّتها بعض الوكالات التسويقية التي تشرف على حسابات مؤثرين، وتوجههم نحو تضمين عناصر من الألم الشخصي في المحتوى، كأداة لبناء سردية “الناجي”، “المكافح”، أو “الملهم”، وهي صور نمطية باتت تحقق رواجًا كبيرًا بين الجمهور.
لكن هذا الاستخدام المفرط للألم يثير تساؤلات أخلاقية، أبرزها: متى يتحوّل التعبير عن المعاناة إلى استغلال؟ وهل يُمكن تسليع الحزن دون فقدان صدقيته؟ وهل يصبح الجمهور نفسه شريكًا في هذا الاستهلاك الجماعي للألم، حتى دون وعي بذلك؟
في النهاية، لا يمكن إنكار أهمية مشاركة التجارب الصعبة في تعزيز التعاطف الإنساني، لكنها حين تتحول إلى أداة ربح أو وسيلة لبناء جمهور، تصبح جزءًا من اقتصاد مشاعر معولم يُعيد تشكيل العلاقات الرقمية بين الفرد، وجمهوره، ومنصته.
اقرأ أيضًا: عندما يصبح الانقطاع رفاهية.. لماذا لا يستطيع البعض مغادرة الإنترنت؟