صحافة النوايا.. هل يمكن التنبؤ بالأخبار قبل أن تحدث؟
صحافة النوايا.. هل يمكن التنبؤ بالأخبار قبل أن تحدث؟
AI بالعربي – خاص
في عصر تتسارع فيه البيانات وتتقدّم فيه خوارزميات التحليل التنبؤي، لم تعد الصحافة تكتفي بتغطية ما حدث، بل بدأت تتجه نحو ما يُعرف بـ “صحافة النوايا”؛ نمط جديد يسعى إلى التنبؤ بالأخبار قبل وقوعها، عبر تتبّع المؤشرات والقرائن الرقمية، وتحليل أنماط السلوك السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
تقوم هذه الصحافة على فكرة بسيطة ولكنها شديدة التعقيد: أن كثيرًا من الأخبار ليست مفاجآت، بل نتيجة لمسارات يمكن تعقّبها. اجتماع سياسي مرتقب، حركة غير معتادة في الأسواق، نشاط مفاجئ في حسابات مؤثرة، كلها إشارات يمكن أن تُحلل لتكوين صورة عمّا قد يحدث غدًا أو الأسبوع المقبل.
وتعتمد المنصات التي تتبنى هذا النهج على الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، وتحليل البيانات الضخمة، لتوليد تنبؤات إعلامية تأخذ شكل تقارير أو تحذيرات أو قراءات استباقية. في بعض الأحيان، تكون هذه التوقعات دقيقة إلى حد مُذهل. وفي أحيان أخرى، تُثير جدلًا حول علاقتها بالشائعات أو التهويل أو التضليل غير المقصود.
التحول نحو “صحافة النوايا” يطرح تساؤلات جوهرية حول وظيفة الإعلام: هل دوره هو نقل الواقع أم استباقه؟ وهل يحق للصحفي أو المؤسسة الإعلامية أن تنشر ما لم يحدث بعد؟ وإذا أخطأ التنبؤ، من يتحمّل المسؤولية؟ هذه الأسئلة تُعيد تشكيل العلاقة بين الجمهور والخبر، وتدفع بالمهنة إلى مناطق رمادية تتداخل فيها النية مع الحدث، والتوقع مع الحقيقة.
في عام 2024، أطلقت عدة مؤسسات إعلامية أدوات تعتمد على تحليل الاتجاهات الاجتماعية الرقمية، لتحذر من “أحداث محتملة” مثل احتجاجات قادمة، أو تحوّلات في المزاج العام، اعتمادًا على بيانات من تويتر، تيك توك، ومنتديات متخصصة. ورغم دقة بعضها، إلا أن الانتقادات تزايدت حول احتمال تأجيج هذه التوقعات لوقائع لم تكن لتقع لولا التغطية المسبقة.
الخطر الأكبر في هذا النهج يكمن في “خلق الحدث من خلال توقعه”. فبعض القراء، عند اطلاعهم على تقرير يتنبأ بأزمة معينة، قد يتصرفون وكأنها حاصلة فعلًا، ما يؤدي إلى نتائج حقيقية بناءً على خبر لم يكن مؤكدًا. وهكذا، تصبح التوقعات مادة لصناعة الواقع، وليس فقط لتحليله.
لكن من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه المقاربة تمنح الصحافة بُعدًا استباقيًا يجعلها أكثر قدرة على حماية الجمهور، كما في حال توقع كوارث طبيعية أو أزمات مالية أو اضطرابات اجتماعية. شريطة أن تُدار بحذر شديد، وبمعايير تحريرية واضحة تفرق بين ما هو تحليل منطقي، وما هو تخمين غير مبني على بيانات كافية.
وفي ظل توسّع أدوات المراقبة الرقمية، وتحول الخوارزميات إلى شركاء في صناعة الخبر، يبدو أن صحافة النوايا ستستمر في النمو، ليس فقط كأداة للتوقع، بل كآلية ضغط ورصد وتوجيه. ومعها، سيبقى السؤال مفتوحًا: هل التنبؤ بالحدث يُنقذنا منه، أم يُسرّع في وقوعه؟
اقرأ أيضًا: الدخل من التفاعل.. هل سنشهد قريبًا رواتب على عدد الإعجابات؟