الذكاء الاصطناعي والتوترات الجيوسياسية يتصدران “دافوس 2025”
AI بالعربي – متابعات
في منتجع سياحي تحتضنه دافوس السويسرية، أعلى مدينة في أوروبا، تنطلق اليوم الاثنين النسخة 55 من “المنتدى الاقتصادي العالمي”، في محاولة لفتح نقاش بشأن أبرز التحديات العالمية خلال هذا العام والأعوام المقبلة.
بالتأكيد لن تكون نسخة العام الجاري مشابهة للنسخة الماضية، إذ تغير كثير من يناير 2024 وحتى اليوم، كما من المتوقع أن تشهد هذه السنة أيضًا عديدًا من التغييرات الإضافية، في ظل حالات عدم اليقين السائدة حول العالم، وتعاظم ثورة الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لـ”اقتصاد الشرق مع بلومبرغ” فإن أبرز تغييرات العام الجديد تتمثل في عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، في وقت يصادف انطلاق المؤتمر يوم تنصيبه رئيسًا بشكل رسمي، وهو ما يبرر حضوره افتراضيًا.
5 قضايا رئيسية
يُفترض أن تناقش نسخة العام الحالي أبرز التحديات التي يواجهها العالم. ووفقًا لجدول أعمال المنتدى، فإن هذه التحديات قُسمت إلى 5 قضايا رئيسية.
أول هذه القضايا هي: إعادة بناء الثقة. يحاول هذا المحور مناقشة كيف يمكن للفاعلين إيجاد طرق جديدة للتعاون في إيجاد الحلول على المستوى الدولي والمحلي، في ظل توجه العالم نحو الحمائية.
سبق للرئيس الأميركي المنتخب أن هدد الحلفاء والخصوم بفرض رسوم جمركية بنسب تراوح بين 10% و60%، وهو ما فاقم المخاوف من اشتعال حرب تجارية قد تؤثر في اقتصاد العالم ككل.
إعادة تصور النمو هي القضية الثانية التي يُفترض أن يناقشها المنتدى، خصوصًا في ظل الاقتصاد الرقمي الذي تتزايد أهميته مع تطور الوسائل التكنولوجية والذكاء الاصطناعي.
يمثل الاقتصاد الرقمي بالفعل نحو 15.5% من الناتج الإجمالي العالمي، ويمكن أن يشكل الأساس لما يصل إلى 70% من إجمالي القيم الجديدة التي سيتم استحداثها في الاقتصاد العالمي على مدى العقد المقبل، وفق تقرير سابق للمنتدى.
إضافة إلى الاستثمار في البشر والحفاظ على الكوكب، سيناقش المنتدى أيضًا “القطاعات الاقتصادية في عصر الذكاء”، بهدف إيجاد حلول لكيفية الموازنة بين الأهداف قصيرة الأجل والضرورات طويلة الأجل في تحويل الصناعات، بالاعتماد على التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي.
يشهد هذا القطاع رياحًا معاكسة، خصوصًا في ظل مواجهة عديد من الشركات الرائدة صعوبات في تطوير المرحلة الثانية، أي الذكاء الاصطناعي العام، والخارق. يتزامن هذا التحدي، مع زيادة تركيز المستثمرين على عائدات الاستثمار، وسط عدم وضوح الأفق بشأن العائد على حجم الاستثمارات الضخم الذي تقوم به هذه الشركات.
وفي حين تقدم التطورات في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات والأتمتة وغيرها من المجالات عديد من الفرص، فإن التقنيات الجديدة تعمل أيضاً على زيادة الطلب على الطاقة، وهي قضية شائكة ترتبط بشكل مباشر بمصادر الطاقة المتوافرة حالياً، ومدى قدرة الدول على الوصول إليها بسلاسة. قدّر المنتدى أن يصل الطلب على الكهرباء من القطاع إلى 1000 تيراوات/ساعة في 2026، مقارنة بـ460 تيراوات/ساعة حالياً.
تراجع المخاوف بشأن التضخم والركود
غالبًا ما يترافق المنتدى مع استبانة بشأن مخاوف قادة الأعمال خلال السنة والأعوام المقبلة. وأظهرت استبانة هذا العام الذي شمل أكثر من 900 خبير، تقلبًا جذريًا في الآراء مقارنة بنتائج استبانة العام الماضي.
خلال العام الماضي، احتلت المعلومات المضللة أو المغلوطة قائمة أكبر التهديدات التي سيواجهها العالم على المدى القصير. أما في استبانة السنة الجارية، فجاءت في المرتبة الرابعة، لتتربع النزاعات المسلحة بين الدول على صدارة القائمة السنة الحالية.
تأتي هذه المخاوف بالتزامن مع التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس” وهي حرب أشعلت مخاوف بتوسعها إلى المنطقة، في حين أن ترمب تعهد بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا.
احتفظت أحوال الطقس المتطرفة بمركزها الثاني هذه السنة، في حين حلت المواجهات الجيواقتصادية التي تركز على السياسات الحمائية، في المركز الثالث لقائمة هذه السنة، مع الإشارة إلى أنها لم تكن موجودة في قائمة العام الماضي.
جاء الاستقطاب المجتمعي الذي يشمل الانقسامات السياسية وتزايد التفاوتات، في المرتبة الخامسة لقائمة هذه السنة، متراجعاً عن المركز الثالث في قائمة العام الماضي.
ولكن اللافت بين الاستبانتين، أن التضخم والانكماش الاقتصادي لم يعودا من ضمن أبرز 10 مخاطر في قائمة السنة الجارية، بعدما كانا في المركزين السابع والتاسع على التوالي العام الماضي.
حل التضخم في قائمة العام الحالي في المركز 29، في حين أن الانكماش الاقتصادي جاء في المرتبة 19. وما هو أكثر إثارة للاهتمام، أن كل المستطلع آراؤهم لم يختاروا أيًا من هذين العاملين في قائمة أبرز 10 مخاطر آنية.
كما ظهرت بعض التغيرات الأخرى. إذ قفزت زيادة الجريمة والنشاط الاقتصادي غير المشروع 17 مركزًا هذه السنة، لتصل إلى المرتبة 11، في حين قفز “تركيز الموارد الإستراتيجية” 12 مركزًا عن العام الماضي، لتحتل المرتبة 12 هذه السنة.
انفصال عن الواقع؟
منذ انتهاء فيروس كورونا وإعادة فتح الاقتصادات، بدأت مسيرة التضخم بالارتفاع حتى أنها وصلت في الولايات المتحدة الأميركية إلى 9% في 2022. هذا الواقع دفع الدول إلى البدء برفع أسعار الفائدة بشكل جذري.
وبعد نحو 5 سنوات من الفيروس، فإن رحلة القضاء على التضخم لم تنته. إذ يتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير صادر الجمعة، أن ينخفض التضخم العالمي إلى 4.2% هذه السنة، ليواصل مسيرة الانخفاض إلى 3.5% في 2026.
تحرك الأسهم الأميركية يمكن أن يعطي إشارة لمدى قلق الأسواق والمستثمرين من التضخم، إذ ارتفعت مؤشرات الأسهم خلال تداولات الخميس معوضة كل خسائر السنة، كما تقدم مؤشر “إس آند بي 500” بأعلى مستوى منذ الانتخابات الأميركية في نوفمبر الماضي. كل هذه الارتفاعات جاءت بسبب صدور تقرير التضخم الأساسي في ديسمبر، الذي كان أقل من التوقعات، في حين عزف المستثمرون عن المخاطرة في الجلسة التي سبقت صدوره.
لم ينعكس القلق من التضخم أو الركود في أجندة المنتدى، وهو أمر يرده ماهر نقولا الفرزلي، مدير عام المعهد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي إلى “فجوة واسعة تفصل أجندة المنتدى عن واقع العالم على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
الفرزلي أشار إلى أنه كان من الأجدى للمنتدى اتخاذ قضية تباطؤ النمو الاقتصادي حول العالم كأولوية بدلاً من القضايا الأخرى.
لكن المحامية ورئيسة شركة “سكاراب رايزينغ” المتخصصة بتقديم الاستشارات الإستراتيجية وتحليل المخاطر الجيوسياسية إيرينا تسوكرمان، كان لها رأي آخر. إذ عدّت أن المنتدى ليس منفصلاً عن الواقع فعليًا، لأن عديد من العوامل التي حددها حقيقية، ولها تأثير في العوامل الاقتصادية مثل التضخم.
إلا أنها نبّهت أن المنتدى “يتحول إلى منظمة سياسية تحاول معالجة الجغرافيا السياسية العالمية والديناميكيات المجتمعية، وهي مهمة الحكومات والمجتمع المدني، بدلًا من التعامل مباشرة مع الاقتصاد كما هي مهمته”.
وترى تسوكرمان أن المنتدى الاقتصادي “ينحرف بعيدًا عن مهمته العملية ومساره”، عادّة أن “المنتدى أصبح يهتم بالانضمام إلى اللاعبين الأقوياء، أكثر من خدمة الناس العاديين”.
حضور أقل هذه السنة
تطرق الفرزلي أيضًا إلى ما عدّه “تضاؤل أهمية المنتدى”، مشيرًا إلى أن لائحة الحضور تُظهر أن نسبة الرؤساء التنفيذيين الذين يحضرون النسخة الحالية من المنتدى أدنى بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة.
ورجّح ألا يصدر عن المؤتمر أي حلول للقضايا الجيوسياسية التي تعيق النمو، في ظل غياب الرئيسين الأميركي والصيني شي جين بينغ. ويُفترض أن يمثل نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ بلاده، وهو تخفيض عن مستوى العام الماضي الذي شهد مشاركة رئيس الوزراء لي تشيانغ.
من جهتها، عدّت تسوكرمان أن المنتدى سيجذب انتباهاً، ولكن الأهم أنه “سيخلق نقاشًا واسعًا بشأن دور مثل هكذا مؤسسات وقيمتها”.
يشارك في نسخة هذا العام أكثر من 300 شخصية عامة، من بينهم أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة. من بين المسؤولين العرب المشاركين عبد اللطيف رشيد رئيس العراق، ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس وزراء قطر، ومصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر، ومحمد مصطفى رئيس وزراء فلسطين، وأسعد الشيباني وزير خارجية الإدارة الجديدة في سورية.