الذكاء الاصطناعي وضبط المؤسسات.. ماذا حول الحَوْكمة والمخاطر والامتثال؟
AI بالعربي – خاص
تعتبر المعايير والضوابط داخل الشركات واحدة من أهم الأسس التي تدعم سير النظام داخلها، وبالتالي تعطي لها الرسمية والاعتبار أمام موظفيها وكذلك أمام غيرها من المؤسسات. فمعايير مثل الحوكمة والامتثال واحدة من الضوابط التي تضع شكل ومضمون الالتزام وتحدد مدى ضابطيتها.
ماذا تعني الحوكمة والمخاطر والامتثال؟
تُعَد الحوكمة والمخاطر والامتثال والتي يرمز لهاه بـ “GRC” الأحرف الأولى من المصطلحات الثلاث، نهجًا منظمًا يهدف إلى ربط تكنولوجيا المعلومات بأهداف العمل الرئيسية، مما يسهم في إدارة المخاطر بشكل فعال وضمان الامتثال لجميع اللوائح والمعايير الحكومية والصناعية. تشمل هذه الطريقة مجموعة من الأدوات والعمليات التي تهدف إلى توحيد أساليب الحوكمة داخل المنظمة وتعزيز إدارة المخاطر من خلال الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية.
تسعى الشركات التي تعتمد نموذج “GRC” – Governance – Risk – Compliance – إلى تحقيق أهدافها التنظيمية بطريقة موثوقة وفعالة، مما يساعد على تقليل أوجه عدم اليقين وتحقيق متطلبات الامتثال بشكل سليم. يُعتبر هذا النموذج أساسياً لضمان تحقيق التوازن بين الأهداف الاستراتيجية والامتثال القانوني، مما يعزز من القدرة التنافسية للمنظمة في السوق.
* الحَوْكمة Governance
الحوكمة مجموعة من السياسات والقواعد والأطر التي تستخدمها الشركة لتحقيق أهداف أعمالها، تحدد المسؤوليات الأساسية لأصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل مجلس الإدارة والإدارة العليا.
تُعزز حوكمة الشركة الرشيدة دعم الفريق من خلال تضمين سياسات مثل المسؤولية الاجتماعية للشركة في خطط العمل. تتضمن عناصر الحوكمة الرشيدة الأخلاق والمساءلة، وشفافية تبادل المعلومات، وسياسات حل النزاعات، وإدارة الموارد.
* إدارة المخاطر Risk
تواجه الشركات أنواعًا متعددة من المخاطر، بما في ذلك المخاطر المالية والقانونية والاستراتيجية والأمنية. تساهم الإدارة الفعّالة للمخاطر في مساعدة الشركات على تحديد هذه المخاطر وإيجاد طرق لمعالجتها.
تعتمد الشركات على برامج إدارة المخاطر المؤسسية للتنبؤ بالمشكلات المحتملة وتقليل الخسائر. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقييم المخاطر للكشف عن الثغرات الأمنية في نظام الكمبيوتر وإصلاحها.
* الامتثال Compliance
الامتثال هو عملية تطبيق القواعد والقوانين واللوائح المعمول بها. يتعلق الامتثال بالمتطلبات القانونية والتنظيمية التي تحددها الهيئات الصناعية، بالإضافة إلى السياسات الداخلية للشركة. في نموذج الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC)، يشمل الامتثال تنفيذ الإجراءات اللازمة لضمان توافق الأنشطة التجارية مع اللوائح ذات الصلة.
على سبيل المثال، يتعين على مؤسسات الرعاية الصحية الامتثال لقوانين تحمي خصوصية المرضى، مثل قانون “HIPAA” قانون إخضاع التأمين الصحي لقابلية النقل والمساءلة.
أهمية الحَوْكمة والخاطر والامتثال “GRC” داخل المؤسسات
1. اتّخاذ القرارات المعتمدة على البيانات
يتيح لك نموذج GRC اتخاذ قرارات تستند إلى البيانات في وقت أقل، من خلال مراقبة مواردك، ووضع القواعد أو أطر العمل، كما يمكِّن الفِرق من الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة تدعم عمليات صنع القرار.
2. عمليات مسؤولة
يُبسط نموذج GRC العمليات ويجعلها تتمحور حول ثقافة مشتركة تعزّز القيم الأخلاقية، مما يُهيئ بيئة صحية تحفّز النمو. يساعد هذا النموذج في توجيه تطوير الثقافة التنظيمية القوية ويشجع على اتخاذ القرارات الأخلاقية في جميع أنحاء المنظمة.
3. تحسين الأمن السيبراني
من خلال نهج GRC المتكامل، يمكن للشركات استخدام تدابير أمان البيانات لحماية معلومات العملاء والبيانات الحساسة. نظرًا لزيادة المخاطر الإلكترونية التي تهدد بيانات المستخدمين وخصوصيتهم، فإن اعتماد استراتيجية GRC أصبح أمرًا حيويًا. يساعد هذا النهج المؤسسات على الامتثال للوائح خصوصية البيانات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR). من خلال استراتيجية تكنولوجيا المعلومات التي تعتمد على نهج GRC، يمكنك بناء ثقة العملاء وحماية عملك من العقوبات.
الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات
تسهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تعزيز أداء المؤسسات وزيادة إنتاجيتها من خلال أتمتة العمليات والمهام التي كانت تعتمد سابقًا على الجهود البشرية. يمتاز الذكاء الاصطناعي بقدرته على معالجة وفهم كميات هائلة من البيانات، مما يتجاوز ما يمكن لأي إنسان تحقيقه. هذه الميزة تفتح المجال لتحقيق فوائد كبيرة للأعمال.
لقد أولت معظم الشركات أهمية كبيرة لعلوم البيانات وتواصل استثمارها فيها بشكل ملحوظ. وفقًا لاستطلاع رأي أجرته منظمة McKinsey في عام 2021، ارتفعت نسبة الشركات التي أبلغت عن اعتماد الذكاء الاصطناعي في وظيفة واحدة على الأقل إلى 56 بالمائة، مقارنة بـ 50 بالمائة في السنة السابقة. وعلاوة على ذلك، أشار 27 بالمائة من المستجيبين إلى أن 5 بالمائة على الأقل من الأرباح يمكن أن تُعزى إلى الذكاء الاصطناعي، بزيادة عن 22 بالمائة في العام السابق.
كيف يُفيد الذكاء الاصطناعي في “GRC”؟
في 13 مارس 2024، وافق “البرلمان الأوروبي” على التشريع الأكثر شمولًا في العالم بشأن الذكاء الاصطناعي، والذي مثَّل نقطة تحول للذكاء الاصطناعي، بعد عام من المناقشات حول الأضرار المحتملة على المجتمع مع ظهور هذه التكنولوجيا الرائعة. فتم الخروج بعد ذلك بمفهموم ماهية GRC للذكاء الاصطناعي “GRC for AI” والذي يعني بعملية إدارة أنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان توافقها مع الأهداف التجارية، وتقليل المخاطر، والامتثال لجميع اللوائح الصناعية والحكومية. حيث خرجت النتائج كما يلي:
1. زيادة الكفاءة: تساهم أتمتة المهام من خلال روبوتات البرمجة الآلية (RPA) في تسريع العمليات الروتينية مثل التحقق من الالتزام وجمع البيانات. هذا يتيح للموظفين توفير وقتهم وجهودهم للتركيز على المهام الأكثر تعقيدًا وابتكارًا. نتيجة لذلك، يزداد إنتاج العمل بشكل عام وتتحسن كفاءة المؤسسة.
2. تحسين مستوى الدقة: تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال وغسل الأموال من خلال تحليل أنماط البيانات المعقدة. هذه الأنظمة قادرة على التعرف على العمليات المشبوهة، مثل المعاملات المالية غير المعتادة، مما يساهم في منع محاولات الاحتيال. من خلال تحسين دقة المعلومات، تعزز الشركات ثقة عملائها وتقليل المخاطر المالية.
3. اكتشاف المخاطر المبكر: تساعد تحليلات المخاطر التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تقييم البيانات التاريخية والحالية. يمكن لهذه التحليلات تحديد المخاطر المحتملة في المستقبل، مما يتيح للمؤسسات اتخاذ إجراءات استباقية. بالتالي، يتم تعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات وتفادي الأزمات قبل حدوثها.
4. تحسين التكامل المعلوماتي: توفر أنظمة إدارة المعلومات المتكاملة منصة موحدة تجمع بيانات من مصادر متعددة وتحللها. هذه الأنظمة تقدم تقارير متكاملة تساعد القادة على اتخاذ قرارات إدارية واستراتيجية مستندة إلى معلومات دقيقة. من خلال تحسين التكامل المعلوماتي، يتم تعزيز التعاون بين الفرق وتحسين فعالية العمليات.
5. تحسين قدرات التنبؤ: تستخدم نمذجة السيناريوهات الذكاء الاصطناعي لمحاكاة تأثيرات القرارات المختلفة. هذه المحاكاة تساعد في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات بشكل فعال. من خلال تحسين قدرات التنبؤ، تتمكن الشركات من وضع خطط طوارئ أفضل والتكيف مع الظروف المتغيرة في السوق.
6. تعزيز الالتزام: تسهم أنظمة المراقبة التلقائية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تتبع التغييرات في الأنظمة. من خلال هذه الأنظمة، يتم ضمان الالتزام المستمر بجميع الأنظمة الجديدة والمحدثة. هذا يعزز من شفافية العمليات ويقلل من مخاطر عدم الامتثال للقوانين واللوائح.
“GRC for AI”.. تحدي يحتاج للفهم
إنَّ المحفزات والإجراءات لتبسيط GRC للذكاء الاصطناعي، يقف أمام معادلة تحتاج للفهم، فلن يتحقق الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة دون وجود GRC صحيح ينبني على اتخاذ القرارات الصحيحة ويحفظ الامن السيبراني ويراعي الشفافية، ولن تحدث GRC أن يعمل دون آلية ذكاء اطناعي سريعة وقوية. هذا التصوُّر يدعونا نحو التفكير للحظة فيتطبيق المنظومة الذكية داخل بيئة العمل، التي يجب أن تعمل بأكبر قدر من المبادئ والقيم العادلة؛ من أجل تحقيق رؤية ذكية تضمن شمولية الحكم والتقدير والمكافئة والجزاء.
ختامًا، سيتطلب من المؤسسات والمنظمات الامتثال للذكاء الاصطناعي بمعقولية؛ نظرًا للعديد من المخاطر التي يمثلها على المجتمع، حال إساءة استخدامه. فكلي تتمكن المؤسسات من عملية ERM أو ما يعني إدارة المخاطر المؤسسية، لا بد من تحقيق منظومة متفهِّمة من الحَوْكمة والمخاطر والامتثال “GRC” واقعية وعادلة، مما سيثير لديها جوانب مستقبلية أضمن وأسرع وأكثر استدامة.