الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.. شراكة واجبة التجديد في ظل منافسة مفروضة
AI بالعربي – متابعات
يفرض الواقع التقني الحديث قدرات الذكاء الصناعي الخارقة، في مشهد لا يمكن إنكاره، بل إنَّ السؤال عن كلمة المنافسة صارت بديهيًا في وقتٍ التطور يتسارع بسرعة البرْق، فصارت الأداة الأكثر قُدرة تؤدي الدور، بل لا نكون مبالغين، لو قُلنا إنَّ الأداة الأكثر ذكاءً بفكرنا الحالي ربما تتحوَّل للأكثر طُغيَانًا في ظل عدد من العوامل كما سيرد ذكرها خلال السطور القادمة.
بينما نواصل استكشاف إمكانيات العملاق الجديد “الذكاء الاصطناعي”، يجب أن ندرك أن قدرات البشر كانت في البداية في أدنى مستوياتها. ومع مرور الزمن، تطورت هذه القدرات، مما جعل الذكاء الاصطناعي يتحول من مجرد أداة إلى كيان متفوق يثير القلق لدى البعض. من هنا، تبرز أهمية الشراكة بين الذكاء الاصطناعي والبشري كحل مناسب، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟
هل الذكاء الاصطناعي مُخيف؟
بعد هذه المقدِّمة، يتبلور السؤال: هل الذكاء الاصطناعي مُخيف إلى هذا الحد؟ وإلى أي درجة تكمن المخاوف منه؟
في أشمل مفاهيم الذكاء الاصطناعي تاثيرًا فإنَّه: “يُمَثِّل قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن”. ولعلَّ هذا المهوم يفتح لنا مدارك الغايات وتحقيق المُستهدفات، وحتِّى الآن يبدو الأمر دون مخاطر.
لكنَ التخوُّفات تأتي بتوسيع طموحات وآمال مُنتظرة من الذكاء الاصطناعي “دون سقف”؛ لأنَّ الحدود التي يصنعها البشر جعلت لهم انضباطًا في كل الأمور. لهذا، فانفلات المطلوبات من أرض الآمال الطامحة إلى أرض الأحلام الخيالية، هو ما يخلُق هذه المخاوف.
إنَّ مخاوف الذكاء الاصطناعي تكمُن في وعوده التي لا تنتهي، والتي بالرغم من تحققها فإنَّها تأخذنا إلى وعود وأمانيِّ أعلى، وهذا يتسق مع ما ذكره نيك بوستروم الأستاذ بجامعة أوكسفورد، حول الذكاء الاصطناعي الفائق كونه “فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبًا، بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية”.
التشاؤم من الذكاء الاصطناعي
بناء على ما سلف ذكره، أخذت المخاوف بشأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي تتزايد مع التوقعات التي تشير إلى أنه قد يحقق اختراقات هامة في المستقبل القريب. من بين هذه التوقعات، تبرز مخاطر مثل التزييف العميق، الذي يمكن أن يغير التصورات والحقائق ويؤدي إلى انتشار معلومات مضللة بشكل غير مسبوق. هذا النوع من التزييف قد يؤثر في كيفية إدراك الناس للأحداث والأخبار، مما يهدد الثقة في مصادر المعلومات التقليدية ويزعزع استقرار المجتمعات.
إضافة إلى ذلك، هناك قلق متزايد بشأن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تزوير الانتخابات، مما يهدد نزاهة العمليات الديمقراطية. وتقنيات الذكاء الاصطناعي قد تُستخدم للتلاعب في نتائج الانتخابات أو التأثير على الرأي العام من خلال أساليب غير أخلاقية، مما يعزز التشاؤم حول مستقبل الديمقراطية ويزيد من حاجة المجتمع إلى تطوير آليات أمان وقوانين صارمة لمراقبة استخدام هذه التكنولوجيا.
علاوة على ذلك، يمكن أن يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى الصراعات العسكرية، حيث قد تُستخدم الروبوتات والتقنيات المتقدمة في النزاعات بطريقة قد تثير العديد من القضايا الأخلاقية والإنسانية. يجب على البشرية التحلي بالحذر واليقظة، والعمل على وضع الأطر القانونية والأخلاقية المناسبة لمواجهة هذه التحديات، لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن السلامة ويحد من المخاطر المحتملة.
إشكاليات الذكاء الاصطناعي
ومن ثمَّ، فنحن أمام رأي يرى بصعوبة مواجهة الذكاء الاصطناعي، في ظلِّ عدد من الإشكاليات أو المسائل يتحتَّم ذكرها، لا سيَّما أنَّ الأداة الأكثر ذكاءً بفكرنا الحالي ربَّما تتحوَّل للأكثر طُغيانًا في ظل عدد من العوامل كما ذكرنا في بادئ المقال.
أولاً: تصدير الذكاء الاصطناعي للدول النامية
واحدة من أكبر التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي هي تصديره بشكل مفاجئ إلى الدول النامية، مما يخلق صدمة مجتمعية للأفراد في هذه الدول. فمع قلة قدراتهم وندرة إمكانياتهم المادية والتقنية، يجد الكثيرون أنفسهم في وضع غير عادل. إذ إن هذه التكنولوجيا ستكون متاحة بشكل أكبر للفئات القادرة على تعلمها وفهم مبادئها، مما يمنحهم الفرصة للدخول إلى عالم أكثر تطورًا.
ثانيًا: أداة للرفاهة
يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي، حتى الآن، تحول إلى أداة للرفاهية واستعراض الإنجازات في المؤتمرات والفعاليات. وتسعى المؤسسات لتطبيقه وسط قوانين متغيرة باستمرار وبيروقراطية تسيطر على الكثير من المشاهد.
ثالثًا: ضلالة استخدام الذكاء الاصطناعي
تمتلئ صفحات المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي بمحتويات مثيرة حول القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي. فمن باب تصدير مشهده للمستخدمين في بعض الدول والمجتمعات، يصبح أداة سهلة للنصب والاحتيال، وصناعة المحتويات غير المفيدة، على أقلّ تقدير.
رابعًا: تحقيق مكاسب وهمية
يبقى الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحقيق مكاسب وهمية وإنجازات سطحية، من خلال إنتاج كميات هائلة من المحتوى وزيادة المشاهدات والزيارات، فتتعزز النظرة الإيجابية تجاهه في مجتمع يميل بشكل متزايد نحو القيم المادية.
خامسًا: السعي نحو التعميم
السعي نحو تعميم الذكاء الاصطناعي بين الدول المتقدمة والنامية يشكل خطرًا كبيرًا إذا لم يتم التعامل معه بحذر وتخطيط مدروس. والفجوة التقنية بين هذه الدول قد تؤدي إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، حيث يمكن أن تستفيد الدول المتقدمة بشكل أسرع وأكثر فعالية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات، مثل: الصحة والتعليم والصناعة، بينما تجد الدول النامية صعوبة في مواكبة هذا التقدم نتيجة نقص الموارد التكنولوجية والبنية التحتية. هذا التباين قد يؤدي إلى استبعاد الدول النامية من التنافس العالمي وزيادة الاعتماد على الدول المتقدمة، مما يعمق الفجوة الاقتصادية ويضعف قدراتها التنموية.
المستفيدون الحقيقيُّون
بينما نسعى في مجال واسع، يبقى المستفيدون الحقيقيون من الذكاء الاصطناعي هم الذين يمتلكون الأدوات المناسبة، مقارنةً بالآخرين الذين يحاولون تعلم القليل منها دون إرشاد منهجي علمي. تُظهر جاهزية الحكومات أن أميركا الشمالية تتصدر العالم في قطاع التكنولوجيا، حيث احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى بفارق 12 نقطة عن أي دولة أخرى. وجاءت كندا في المرتبة الخامسة، بينما حلَّت أوروبا الغربية في المرتبة الثانية، بقيادة المملكة المتحدة وفنلندا وفرنسا. ثم تلتها أوروبا الشرقية، حيث تصدرتها إستونيا، لكنها تبقى متأخرة عن أوروبا الغربية بنحو 12.05 نقطة. كما جاءت منطقة شرق آسيا في المرتبة الرابعة بقيادة سنغافورة، تلتها أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في المرتبة السادسة، ثم منطقة المحيط الهادئ وجنوب ووسط آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وفقًا لأحدث إحصائية رسمية عام 2022.
أمَّا مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2023، فجاءت قطر في صدارة الدول العربية بحلولها في المرتبة 34 عالميًا، تلتها عمان في المرتبة 50، ثم الأردن في المركز 55، والبحرين جاءت في المرتبة 56، فيما حلَّت مصر في المركز 62، والكويت جاءت في المرتبة 69، وتلتها لبنان في المرتبة 76، وأخيرًا تونس التي جاءت في المرتبة 81 عالميًا.
نجد من الإحصاءين السابقين، تصدُّر دول أكثر قوَّة في المجال المالي، وامتلاكها قدرات استباقية في هذا المجال، ما يعني ذلك خطورة التعميم.
الشراكة: ماذا يقول المتفائلون؟
الذكاء الاصطناعي، بفضل ما يوفره من سرعة ودقة في المعالجة والتحليل، يشكل أداة قوية تعزز من قدرات البشر، مما يسهم في تحسين جودة القرارات وجعلها أكثر دقة واستنارة. يمكن لهذه التكنولوجيا أن تكون عاملًا مكملاً للقدرات البشرية، مما يزيد من فعاليتنا في مختلف المجالات.
ومع ذلك، يبقى الذكاء البشري العنصر الأساسي في توجيه هذه التقنيات نحو الأهداف التي تخدم الإنسانية. فلا بدَّ من أن تظل التكنولوجيا وسيلة في خدمة الإنسان، وليس العكس، لضمان استخدامها بشكل أخلاقي ومستدام يخدم مصلحة المجتمعات ويحميها من المخاطر المحتملة.
حتى الآن، يرى المتفائلون أن الشراكة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي ضرورية لضمان العمل ضمن إطار يتيح استغلال قدرات البشر، التي يجب أن تظل مسيطرة من جهة، ويؤمن في الوقت نفسه استدامة الاعتماد على ذكاء أكثر تطورًا لتحقيق مستقبل أفضل.